ما القصة خلف استهداف ترانسنيستريا؟

ما القصة خلف استهداف ترانسنيستريا؟

تعرضت جمهورية ترانسنيستريا المعلنة من جانب واحد والمستقلة عن مولدوفا، والواقعة على الحدود الأوكرانية إلى عدة هجمات عسكرية خلال الأسبوع الماضي مرتبطة بالصراع الروسي- الأوكراني، فما القضية والغاية من هذا الهجوم؟

مختصر تاريخ ترانسنيستريا

إثر خلافات سياسية حادة داخل مولدوفا متعلقة باستمرار الانضمام في الاتحاد السوفييتي من عدمه، وعلو أصوات في العاصمة المولدافية كيشينوف بالخروج من الاتحاد السوفييتي، قامت 5 مناطق شرقية منها بإعلان قيام جمهورية ترانسنيستريا بشكل أحادي في عام 1990، ولم توافق السلطات المولدافية على القرار بطبيعة الحال، لينشب صراع مسلح في البلاد خلال عام 1992 استمر بضعة أشهر، لتدخل قوات روسية إلى منطقة النزاع في العام نفسه، وباتت جزءاً من قوات السلام المتفق على تشكيلها بين موسكو وكيشينوف، والتي أدت إلى تهدئة الأوضاع، ولا تزال هذه القوات متواجدة حتى اليوم.
تابعت ترانسنيستريا مضيها في إطار الإعلان نفسه، معلنة نفسها دولةً مستقلة وعاصمتها تيراسبول، كما أنها أقامت عملتها الوطنية، لكنها لم تحظ باعتراف دولي، بينما استمرت مولدوفا بمواجهة هذا الأمر داعيةً سكان المنطقة إلى قيام حكم ذاتي ضمن الدولة الواحدة، لكن ترانسنيستريا رفضت وترفض ذلك، ليبقى الملف عالقاً بلا حلٍ فعلي أو قانوني بالمعنى الدولي طيلة هذه السنين، رغم العديد من الاجتماعات ذات الصلة.
وبالمعنى الجيوسياسي، تُحسب ترانسنيستريا على أنها حليفاً لروسيا، رغم أن الأخيرة لم تتخذ موقفاً من هذه المسألة سواء بالموافقة على الدولة المستقلة أو عدمه، على اعتبار أن الأمر شأن داخلي مولدوفي، وبذلك كانت موسكو تدفع باستمرار إلى حل الملف سياسياً، بما فيه التلميحات غير الرسمية باحتمال إجراء استفتاء شعبي في المنطقة يتم الاعتراف بنتيجته دولياً.

ما قبل الهجمات العسكرية

مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قامت الأخيرة وبذريعة الحرب، بإغلاق حدودها مع ترانسنيستريا ليطبق- بذلك على هذه المنطقة العالقة بين أوكرانيا ومولدوفا- حصارٌ غير رسمي، بالتوازي مع مزاعم أطلقها الجيش الأوكراني بأنه رصد انتشار وحدات عسكرية روسية في ترانسنيستريا، رغم نفي ذلك من قبل كل من تيراسبول وكيشينوف، لكن في خضم هذه المعركة حاولت مولدوفا الاستفادة من الأمر عبر مطالبتها بانسحاب القوات الروسية بشكل كامل من المنطقة، وهو ما يعني تمهيداً لاستعادتها، وفي 16 آذار قامت الجمعية البرلمانية في مجلس أوروبا بتبني قرار قُدّم من رومانيا، أعلن خلاله أن ترانسنيستريا أراض محتلة من قبل روسيا.
قبل نحو شهرٍ من الاستهدافات العسكرية التي جرت في ترانسنيستريا بـ 13 آذار تحديداً، أعلن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض- جيك سوليفان لرئيسة مولدوفا مايا ساندو- التزام واشنطن بمساعدة مولدوفا وتقديم دعم مالي لها بذريعة تلبية احتياجات اللاجئين، حيث أكد: «التزام الولايات المتحدة بمساعدة مولدوفا والمنطقة، بما في ذلك 100 مليون دولار تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا الشهر لمساعدة مولدوفا على تلبية احتياجات اللاجئين، بالإضافة إلى المساعدة المالية الإضافية للمؤسسات متعددة الأطراف التي تدعم هذا البلد» ومشيراً إلى « دعمه القوي لجهود ساندو لبناء بلد أكثر ديمقراطيةً وازدهاراً».
قبل أقل من أسبوعٍ من الاستهدافات في 19 نيسان أعلن رئيس مولدوفا السابق إيغور دودون عبر بيان له: «يخشى سكان مولدوفا أنه مع التصريحات العدائية التي أدلتها مايا ساندو في الآونة الأخيرة، ستجر مولدوفا إلى الصراع والحرب».

الاستهدافات العسكرية

بدأ أول نشاط عسكري في ترانسنيستريا في 25 نيسان، حيث أقدم 3 أشخاص على قصف مبنى وزارة أمن الدولة- في العاصمة تيراسوبول- بقاذفات قنابل مضادة للدبابات، وفي اليوم التالي 26 نيسان تم تفجير اثنين من الهوائيات التابعين لمركز إذاعة في قرية ماياك يقومان ببث برامج راديو روسية، وفي اليوم نفسه جرى استهداف وحدة عسكرية قرب تيراسبول بهجوم مسلح، لتعلن سلطات ترانسنيستريا إثر ذلك استنفاراً أمنياً على المستوى «الأحمر»، وفي 27 نيسان تم استهداف مستودع ذخيرة قرب قرية كولباسنا بالقصف وإطلاق النار.

ردود الأفعال

أعلنت مصادر من ترانسنيستريا بما فيها رئيسها فاديم كراسنوسيلسكي: أن آثار العمليات والهجمات العسكرية التي نُفذت تقود إلى أوكرانيا، وجاء في بيان صادر عنه «أظهرت الاستنتاجات الأولى لأعمال التحقيق السريعة، أن آثار هذه الهجمات تقود إلى أوكرانيا... أفترض أن أولئك الذين نظموا هذا الهجوم يهدفون إلى جر ترانسنيستريا إلى الصراع».
في المقابل، قالت رئيسة مولدوفا مايا ساندو، فيما يبدو أنها تحاول الاستفادة من التطورات: إن المسؤولين عن الأمر هم القوى الداخلية في ترانسنيستريا، مصرحة: «هناك توتر في العلاقات بين القوى المختلفة داخل المنطقة والتي تهتم بزعزعة الاستقرار. ويضع ذلك منطقة ترانسنيستريا في موقف ضعيف، ويخلق مخاطر لجمهورية مولدوفا... ندين جميع الاستفزازات ومحاولات إشراك مولدوفا في أعمال من شأنها أن تعرض السلام للخطر».
أما الخارجية الروسية، فقد دعت ترانسنيستريا عبر نائب وزيرها أندريه رودنكو بألّا تنجذب إلى الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، وقامت الولايات المتحدة بالتحذير من «تصعيد التوتر» وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: «لا نعرف كل التفاصيل. نحن ندعو حكومة مولدوفا إلى التروي في الرد على هذه الأحداث، وندعم وحدة أراضي مولدوفا وسيادتها» وهو التصريح الذي اعتبره العديدون منحازاً وتحريضياً عبر التأكيد على الوحدة والسيادة متناسياً خصوصية المنطقة وتاريخها وحالة الأمر الواقع الموجودة منذ عقود.
واستكمالاً للاستفزاز والتحريض، أجاب مستشار مكتب الرئيس الأوكراني أليكسي أريستوفيتش على سؤالٍ وجه له، عمّا إذا كانت أوكرانيا قادرة على دخول ترانسنيستريا والاستيلاء عليها؟ بالقول: «نعم، يمكننا أن ندبر هذا الأمر، لكنها أراضٍ مولدوفية ذات السيادة، ويمكن فعل ذلك فقط بعد طلب من الجانب المولدوفي... سنفعلها إذا لزم الأمر»، ليصرح الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف على ذلك بالقول: إنه «تصريح استفزازي إلى حد كبير».

الغايات والواقع

حتى وإن تناسينا تصريحات السلطات من ترانسنيستريا والتي تتهم أوكرانيا بالاستناد إلى معلوماتها الاستخباراتية، فإن النظر إلى المصلحة بتوتير المنطقة لا يعود بنا إلى أوكرانيا فقط، وإنما إلى الولايات المتحدة من خلفها أيضاً، عبر توسيع رقعة الصراع ومحاولة توريط موسكو بها من جهة، وإدامة التوتر والصراع العسكري بالمعنى الزمني من جهة أخرى، إلّا أن إمكانات تفجير الوضع لما أبعد من أوكرانيا فعلياً ضئيلة، خاصة مع تأكيدات ترانسنيستريا ومولدوفا ورومانيا بعدم رغبتهم بالتورط عسكرياً فيما يجري، كما أن سعي كيشينوف للاستفادة مما يجري في محاولة استعادتها منطقة ترانسنيستريا، محدود بما يتناسب مع مستوى التهديدات العسكرية نفسها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 12:23