أزمة العراق القديمة المستجدة: الدستور مرة أخرى
ملاذ سعد ملاذ سعد

أزمة العراق القديمة المستجدة: الدستور مرة أخرى

يشهد العراق توتراً جديداً بين أطرافه السياسية، وانتقلت المعركة حالياً إلى الدستور العراقي وضمن المحكمة الاتحادية العليا في البلاد، وعلى حكومة إقليم كردستان.

فقد قررت المحكمة الاتحادية العليا 3 قرارات أفضت إلى نشوء أزمة دستورية وخلاف سياسي حاد بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية، كان أولها: استبعاد المحكمة المرشح للرئاسة العراقية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، واستمرار برهم صالح بمهامه إلى حين إقرار الرئيس الجديد، والثاني: إصدارها حكماً بعدم دستورية قانون النفط والغاز في حكومة إقليم كردستان، والثالث: هو قرارها بإلزام حكومة كردستان تسليم الموارد المالية للنفط والغاز إلى بغداد، وإلغاء جميع العقود المبرمة مع الشركات العالمية.

ضغوطات على التحالف الصدري الكردي

اعتبر العديد من السياسيين العراقيين، ومن بينهم هوشيار زيباري، أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا صدرت بضغوط ودوافع سياسية، تتمثل أهدافها بضرب التحالف الصدري الكردي والضغط على الإقليم من أجل ذلك، بالتوازي مع ضغوطات أخرى تجري لنفس الهدف، إلّا أن بعض المحللين العراقيين قد ذهبوا أبعد من ذلك، بأن هذه التطورات، وخاصة فيما يتعلق بالشأن المالي وتجارة النفط والغاز، تدفع إقليم كردستان العراق نحو تطبيق استقلاله، خاصة وأن الأرضية القانونية لذلك موجودة– شكلاً– بناء على الاستفتاء القديم بهذا الشأن... لكن ورغم احتمالية هذا الطرح إلا أنه يُعد مستبعداً ضمن ظروف العراق وأزماته اليوم، وظروف وأزمات إقليم كردستان العراق الخاصة نفسها، علماً بأنه يخدم، في نهاية المطاف، المصلحة الأمريكية بالتوتير وإشاعة الفوضى والتقسيم، وينطلق منها، وليحذر العراقيون من هذا الأمر.

تعديل الدستور

بالتوازي مع هذه المشكلة، برز تحذير من نشوء حالة «فراغ دستوري» إثر الخلافات الجارية حول منصب رئاسة العراق، وما مدى دستورية استمرار برهم صالح بمهامه من عدمها، وليصدر عن هذا الأمر– مجدداً– دعوات من داخل العراق لتعديل الدستور، كانت إحداها من رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بتعديل دستور 2005 معتبراً أنه «صيغ في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً، هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن لظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة، بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية... أكثر النصوص الدستورية التي تبرز الحاجة إلى تعديلها هي المواد التي تسببت أحكامها في تعثر تشكيل السلطات، ومنها: تلك التي تشترط موافقة أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب».
إن وضع دستور جديد للعراق يُعد من المهام الضرورية، وتحمل أولوية قصوى من وجهة نظر العراقيين، لكن ما تجري المناورة عليه هو كيفية هذا التعديل وما سينتج عنه، ففي حين تكمن مصلحة العراقيين بكتابة دستور يحمي هويتهم الوطنية وانتمائهم السياسي الموحد شعباً وأرضاً خلافاً للدستور الحالي المصاغ أمريكياً، ضمن منطق المحاصصة، والمعزز للانقسام والطائفية في البلاد، تحاول أطراف أخرى إصدار دستور جديد يتكيف مع الظروف المستجدة من الانسحاب العسكري الأمريكي من البلاد، وانخفاض وزنه مع الحفاظ على جوهره بالمحاصصة والمعزز للانقسام.. فالخلافات الجديدة الناشئة حول المواد الدستورية المعطلة لإقرار الرئاسة أو الحكومة أو غيره ليست بالجديدة في التاريخ العراقي منذ الاحتلال الأمريكي ووجوده، إلا أن ما كان يحلها ولمصلحة من كان هذا الوجود نفسه بوزنه القديم مع الأطراف المرتبطة معه، ليستكمل هذا الطرح الجديد بالتعديل الدستوري، وهو ما أشرنا عليه في مقالات سابقة عن محاولات إعادة إنتاج وتكيف المنظومة العراقية مع المعطيات الجديدة، وهي مهمة حملتها ودفعت بها حكومة الكاظمي بعد انتفاضة تشرين لحماية المنظومة من الانهيار وتثبيتها بتوافق بالحد الأدنى حول كاظمي كرئيس للحكومة بوصفه رجل استخبارات سابق، وتقليص الوزن الإيراني والاستعاضة عنه بموارده الاقتصادية والتجارية من مصادر وموردين آخرين كالخليج العربي والأردن ومصر بذريعة التنويع وحماية الاقتصاد العراقي، وصولاً إلى الانتخابات، لتبدأ الآن طروحات تعديل الدستور ضمن المسار ذاته.

مبادرة الإطار التنسيقي

إثر هذه التطورات والخلافات العميقة والمتزايدة والتي باتت تهدد وحدة البلاد مجدداً، وتنذر بنشوء حالة صراع مسلح، خاصة بعد أحداث محافظة ميسان واغتيال مناصرين ومعارضين للتيار الصدري فيها، دعا مقتدى الصدر جميع الأطراف إلى التهدئة، وأعلن الإطار التنسيقي عن مبادرة وطنية «للخروج من هذا الانسداد السياسي وفتح آفاق التعاون والشراكة لخدمة الوطن» وفقاً للبيان الصادر عنه، والذي جاء فيه «دعوة كل القوى السياسية والشخصيات الوطنية إلى بدء مرحلة جديدة من التواصل والحوار لإنجاز الاستحقاقات الدستورية، واستكمال المواقع السيادية بما يحقق شراكة حقيقية في إدارة البلد، الذي هو ملك لجميع المواطنين... إننا نمد أيدينا إلى القوى السياسية المعنية بتشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً... نخص بالذكر الأخوة في التيار الصدري والكيانات السياسية والشخصيات النيابية المستقلة وندعو إلى الجلوس واللقاء والتحاور حول تشكيل الكتلة الأكثر عدداً بشكل جديد... ونبتعد فيها عن منطق المحاصصة وتقسيم الغنائم».
وقد أوجدت هذه المبادرة ترحيباً عاماً من الناحية الوطنية، إلا أنها لم تجد آذاناً صاغية فيما يتعلق بتجاوز منطق المحاصصة بطبيعة الحال، فأيّ من الناهبين أو الساعين إليه لن يتنازل طواعيةً عن مكتسباته، ولا يرى العراقيون حلاً لهذه المشاكل إلا بدءاً من وضع دستور وطني جامع جديد بعيداً عن جوهر المحاصصة والطائفية، بالتوازي مع إخراج كل الوجود العسكري الأجنبي من البلاد، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، والحد من تدخلات الدول الأجنبية في الشؤون الداخلية للعراق، ولتصبح بعد ذلك أنشطة مكافحة الإرهاب والفساد أمراً حقيقياً ومثمراً، وتتاح للعراقيين فرصة إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية ديمقراطية وحقيقية في البلاد، تتضمن وتضمن وجود ممثلين عنهم فيها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1058