«وسائد» ومساعدات أخرى في طريقها إلى كييف!

«وسائد» ومساعدات أخرى في طريقها إلى كييف!

في التصعيد الجاري على المستوى العالمي، والذي يبدو للوهلة الأولى أنه «يحتدم بسبب الأزمة الأوكرانية» تبدو كييف الأكثر قلقاً من نتائج هذا التصعيد، كونها ستكون أول المتضررين المباشرين منه، بل يبدو أن المنبع الرئيسي لقلق أوكرانيا، هو إدراكها أن أسباب التوتر الدولي أكبر من حدودها الحالية. فما هي الاحتمالات المطروحة لتطور المشهد؟ وما هي النتائج التي ستترتب عليها؟

زيلينسكي يقلق أخيراً

التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى وسائل الإعلام في يوم الجمعة 28 من شهر كانون الثاني الجاري، شكلت صدمةً للمتابعين الذين يراقبون تطورات الأزمة الأوكرانية عبر وسائل الإعلام المتنوعة، فتصريحاته جاءت مخالفة للدعاية الغربية التي يجري ترويجها مؤخراً، والتي تقول: إن القوات الروسية تشكّل تهديداً متزايداً على أوكرانيا، فالممثل الكوميدي السابق ورئيس أوكرانيا الحالي قال صراحةً: إنه بالفعل هناك قوات روسية منتشرة على حدود بلاده، ولكنه لا يرى أن هناك تطوراً نوعياً في وضع هذه القوات منذ مطلع العام الماضي، واعتبر زيلينسكي أن بلاده «تعلمت كيفية التعايش مع مثل هذه الظروف» لكن ما يثير قلقه حالياً هو السلوك الغربي حيال هذه المسألة! فيرى الرئيس الأوكراني أن التصريحات الغربية حول «الغزو الروسي الوشيك» تعطي صورة مختلفة عن الواقع وتزيد من التوتر وتؤثر سلباً على استقرار اقتصاد بلاده الذي بدأ يتأثر بالفعل بسبب هذه التصريحات، وانتقد زيلينسكي قيام واشنطن ولندن بسحب طاقمهما الدبلوماسي غير الأساسي من كييف، فهذا السلوك يعطي مؤشرات لاقتراب الصدام العسكري ويزيد من توتر الأجواء.
يتحمل الرئيس الأوكراني دون شك مسؤوليةً في تعقد ملف العلاقات مع روسيا، ولكنه بات يشعر متأخراً أن الغرب لا يرى ضيراً في أن تكون أوكرانيا «قرباناً» بسيطاً في الحرب ضد روسيا. بل أن الرئيس زيلينسكي وفي سياق استنكاره سحب الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين من بلاده، قال: إن «القبطان ينبغي أن يكون آخر المغادرين من السفينة الغارقة» ليستدرك بعدها المشكلة في تشبيهه البليغ هذا، ويصحح «لا أعتقد أن لدينا تيتانيك… أوكرانيا تمضي قدماً» فهو يدرك من الذي يورطه في هذا التصعيد، ويدرك أيضاً أن بلاده ستغرق لا محالة إذا ما وُضع حدّ للتوتر القائم.

الدعم الغربي «المطمئن»

بعد أن تكررت الاسطوانة الغربية حول أن دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا هو أمرٌ محسوم بالنسبة لواشنطن و«حلفائها» بدأ هذا المعسكر بتوضيح طبيعة الدعم الذي يرغب في تقديمه، فواشنطن أقرت على لسان وزير دفاعها لويد أوستن، أن الرئيس الأمريكي «لا يخطط لإرسال أية قوات إلى أوكرانيا للمشاركة في عمليات عسكرية هناك» مؤكداً على موقف واشنطن الرافض للانخراط بشكلٍ مباشر في هذا الصراع، بل إن بايدن نفسه وبعد إصراره على ضرورة زيادة عدد القوات الأمريكية في أوروبا أعلن مؤخراً أنه سيضع 8،500 جندياً على «أهبة الاستعداد» لإرسالهم إلى أوروبا الشرقية في «المدى القريب»، فعلى الرغم من تشكيك البعض في صدق نوايا واشنطن لإرسال جنودها، تبقى المشكلة أن هذا العدد الضئيل من القوات لن يطمئن كييف بالحد الكافي وخصوصاً أن التقارير الغربية تقول بوجود أكثر من 100 ألف مقاتل روسي مع عتادهم الكامل على الحدود مع أوكرانيا.
لندن لم تكن في نفس «سخاء» واشنطن، فأعلنت مضاعفة جنودها البالغ عددهم 900 ليصبح العدد الكلي 1800، في المقابل، أعلنت مجموعة من دول حلف شمال الأطلسي مواقف حادة وواضحة في هذا الخصوص، فهنغاريا رفضت زيادة عدد قوات الحلف على أراضيها، واعتبر وزير دفاعها أن الوضع في أوكرانيا لا يشكل تهديداً مباشراً على بلاده. أما الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش، فأكد مجدداً عزمه سحب قوات بلاده من الناتو في حال نشوب نزاع مسلح بين روسيا وأوكرانيا، تلك التصريحات التي تسببت في أزمة سياسية حادة في بلاده بعد أن عارضها رئيس الوزراء، في السياق ذاته، رفضت رومانيا التدخل في حالة حدوث نزاع بين روسيا وأوكرانيا، ولكنها بشّرت كييف بأنها ستقدم دعماً دبلوماسياً في حال حدوث ذلك. وكانت التصريحات الألمانية في هذا الخصوص الأكثر طرافةً، فقد أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامب، أن «بلادها مستعدة لإرسال 5 آلاف خوذة للقوات الأوكرانية» وهذا ما شكّل صدمة حقيقية للمسؤولين الأوكرانيين، فرئيس بلدية كييف، فيتالي كليتشكو رأى في تصريحات برلين مزحةً، وتوقّع أن ترسل ألمانيا «الوسائد» أيضاً في القريب العاجل.

التفاوض إذاً

تؤكد تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن أملاً يلوح في الأفق للخروج من الأزمة الحالية، فقد أشار إلى وجود بعض التفاصيل الإيجابية في الرد المكتوب الذي تسلمته موسكو من واشنطن كردٍ على المقترحات الروسية المكتوبة. وبعيداً عن التسرع، يمكن قراءة الموقف من زاوية وجود امكانية لبحث تلك التفاصيل الخلافية الباقية، لكن ما الذي يعنيه أن تصل واشنطن وموسكو لتوافق حول هذه المسألة؟ الإجابة البسيطة تكمن في تفاصيل البنود المقترحة من قبل روسيا لإنهاء التصعيد. فمسودة المعاهدة التي نشرت نصها وزارة الخارجية الروسية تشير إلى جملة من المسائل، مثل: أن يتعهد الطرفان بألاّ يتخذان ولا يشاركان بأية إجراءات من شأنها الإضرار بأمن الآخر أو تقويض مصالحه، وتضم في بنودها أيضاً، أن تتعهد واشنطن بمنع امتداد الناتو شرقاً، وعدم انضمام دول من الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفييتي إلى الحلف، بالإضافة إلى عدم إنشاء قواعد عسكرية في الجمهوريات السوفييتية السابقة غير المنتمية إلى الناتو، واستخدام البنى التحتية فيها لممارسة أية أنشطة عسكرية، وعدم تطوير التعاون العسكري الثنائي معها. وتضم مسودة الاتفاقية أيضاً بنداً يُعنى بانتشار الأسلحة النووية، ومنع انتشارها خارج حدود الطرفين وتفكيك ما تم نشره حتى الآن. ترى موسكو في هذه المسودة المطروحة على الطاولة كلاً متكاملاً، وترفض أن تنتقي واشنطن منها ما تراه مناسباً. بل تصر على شرطها في أن تقبلها واشنطن كاملة، ما يعني في المحصلة تحولاً نوعياً على مستوى العالم كله! فما تقوله موسكو في مسودة الاتفاقية، أن على واشنطن التي تقود المعسكر الغربي الإقرار بضرورة وقف كل الأعمال العدائية تجاه روسيا التي تتم من داخل أوروبا، أي: العودة إلى المناخ الذي ساد كنتيجة طبيعية للنصر السوفييتي على الفاشية، والذي بدأ ينقلب بشكلٍ واضح منذ انهيار جدار برلين في عام 1989 وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه عام 1991.
ترى القيادة الروسية، أن جملة المسائل التي أدت لإضعاف روسيا بشكلٍ سريع وتحديداً منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تعد موجودة، وأن ضعفها- الذي منعها في يومٍ من الأيام من صد توسع الغرب باتجاه الشرق بما يخالف الوعود التي قطعتها واشنطن سابقاً- لم يعد موجوداً أيضاً. وهذا يعني في المحصلة انكساراً نهائياً لدور واشنطن الذي لعبته في أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أي تغيير دورها على مستوى العالم كله. ويعني أيضاً: حرمان الرأسمالية من فرصتها الأخيرة في نهب ما تبقى من ثروات دول الاتحاد السوفييتي السابق، كفرصة أخيرة تجنبها الانهيار القادم.

النتائج ملموسة وسريعة

إذا ما نجحت موسكو في فرض بنود الاتفاق على واشنطن، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، سيدرك العالم بشكلٍ قاطع، أن الامبراطورية الأمريكية تقترب من نهايتها، وهذا ما سيترتب عليه الكثير من التطورات، حتى أن بعض الخبراء الأمريكيين يعتقدون أن طبيعة حل أزمة أوكرانيا الحالية سيكون له عظيم الأثر على الشكل الذي سينظر العالم فيه إلى واشنطن لجيلٍ كامل! ففي الوقت الذي كان المعسكر الغربي بقيادة واشنطن يتصارع مع المعسكر المقابل- وعلى رأسه روسيا والصين- حول جملة من الملفات الدولية، تشكّل أوكرانيا وتايوان وبحر الصين الجنوبي قضايا نوعية حاسمة في هذا الصراع، نظراً لكونها تحدث على الحدود المباشرة لروسيا والصين وبدعم أمريكي معلن.
قبول واشنطن لضمانات روسيا الأمنية، يعني أنها ستقبل قريباً «ضمانات بكين الأمنية» ويعني أن أحجار الدومينو ستبدأ بالتساقط بشكل متتابع. التوتر الشديد الذي رافق التصعيد في أوكرانيا رافقته حالة من السكون النسبي في جملة من بؤر التوتر العالمية، وذلك لأن نتائج التصعيد في أوكرانيا ستشكل نموذجاً جديداً لشكل حل الأزمات التي غذّاها الغرب لتأخير تقدم خصومه.

دروس من الحرب العالمية الثانية

أوروبا التي دفعت ثمناً باهظاً في الحرب العالمية الثانية، استفادت على الأقل من بعض الدروس المهمة، فتنظر الدول- التي شكّلت أراضيها ساحات للحرب المؤلمة- بحالة من القلق تجاه التصعيد الجاري، وتدرك جميعها أن تطور الأوضاع لتأخذ شكل الصدام العسكري سيكون أسوأ سيناريو ممكن. لذلك تسارع الدول المؤثرة في أوروبا، مثل: ألمانيا وفرنسا في محاولة احتواء التصعيد ضمن الحدود التي يمكن تحملها، في عكس واشنطن التي تظن مخطئة أن التاريخ يمكن أن يكرر نفسه، فهي تحاول هذه المرة- وبشكلٍ مكشوف أكثر- الإعلان عن سياسة النأي بالنفس، بل إنها تعد العدة لتأمين الغاز لأوروبا في حال انقطاعه من روسيا! لتلعب دور «مزود المؤن» مجدداً، أملاً في أن تحرق دول أوروبا نفسها، وتُنهك روسيا في نزاع طويل بتكلفة مرتفعة، وتخرج هي كـ «أقوى المنتصرين» وهذا ما لن يحصل هذه المرة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1055
آخر تعديل على الإثنين, 31 كانون2/يناير 2022 20:23