لعب أوكراني على أوتار العلاقة الروسية التركية
بدأت موجة تصعيد أوكرانية جديدة على روسيا في جبهة دونباس جنوب شرق البلاد، وسط دعمٍ أمريكي وصمت أوروبي، ولعبت كييف على وتر العلاقة الروسية التركية عبر استخدامها لورقة الطائرات المسيرة تركية الصنع المسماة «بيرقدار»... فهل سيؤثر هذا الأمر على علاقات موسكو وأنقرة؟ وما مدى جدية التصعيد الجاري في أوكرانيا؟
لن يهدأ الغربيون والولايات المتحدة عن محاولاتهم لإشعال الأزمات في أية منطقة من العالم، مستهدفين من خلفها كلاً من روسيا والصين، ليعاد توتير الملف الأوكراني مجدداً بتصعيد سياسي وعسكري جديد، ابتدأت ملامحه الأولى مع صدور أنباء تفيد بوجود مفاوضات جارية بين كييف ولندن لتزويد أوكرانيا بصواريخ «أرض- أرض» و«جو- أرض» وفقاً لصحيفة التايمز البريطانية في 20 من الشهر الماضي، وتلتها أنباء عن نية الولايات المتحدة الأمريكية تقديم مساعدات مالية وعسكرية إلى كييف، وسط نقاشات جارية ضمن دول أعضاء حلف شمال الأطلسي «الناتو» حو القبول برغبة كييف بالانضمام إلى الحلف من عدمه.
توازى ذلك مع صدور عدة تقارير أوكرانية وأمريكية تدّعي وجود تحشيد عسكري كبير في شرق أوكرانيا بالقرب من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، وهو ما نفته موسكو، بالإضافة إلى اتهامات للمقاتلين الأوكرانيين بقوات الدفاع الشعبي الموجودين فيهما، بقيامهم بأعمال عسكرية عدائية، وقامت كييف بالرد عليها مستخدمةً طائرات مُسيّرة (من دون طيار) لتخرق بذلك اتفاق مينسك.
استخدام ورقة «بيرقدار»
تحدثت هيئة الأركان العامة الأوكرانية أول الأمر عن استخدام الجيش «مسيرات بيرقدار التركية» بالهجوم على دونباس بذريعة «إجبار العدو على وقف إطلاق النار» وهو تصريح سرعان ما تداولته وسائل الإعلام وبرزت مجموعة من التحليلات تفيد- بل وتؤكد- نشوء صراع روسي- تركي في الملف، وتوسعت التحليلات لتنعي أية علاقة بين موسكو وأنقرة، وسط صمت من تركيا في بادئ الأمر، لكن وبعد ذكر المسيرات المستخدمة في تصريحٍ لرئيس لجنة الدفاع في مجلس «الدوما» الروسي، أندريه كارتابولوف، حيث قال: إن «استخدام الجيش الأوكراني طائرة «بيرقدار» في دونباس باعتراف الأركان العامة الأوكرانية، سيؤدي إلى مزيد من التصعيد في أوكرانيا»، خرج وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو مصرحاً: «عندما تشتري دولة ما أية أسلحة دفاعية منا، أو من أية دولة أخرى، فتتوقف هذه الأسلحة أن تكون أسلحة تركية أو روسية أو أوكرانية. أي يعني: أن هذه الأسلحة لا تعد تركية بعد أن اشتروها منا. وذلك بالرغم من أنها مصنوعة في تركيا، إذ أن أوكرانيا هي صاحبة الأسلحة»، لكن على الرغم من ذلك استمرت الجهات الرسمية الأوكرانية بإلصاق الجنسية التركية على طائراتها المسيرة بمختلف التصريحات.
وباختصار، يهدف هذا السلوك الأوكراني، والأمريكي من خلفه، إلى استهداف العلاقات الروسية التركية وتحديداً منها: تفاهم أستانا، وهو أمر يدركه كلا الطرفين.
محاولات استجرار روسيا لصدام مسلح في أوكرانيا
شبّه بعض المحللين ما يجري في دونباس الآن- بالنسبة لروسيا- بما يجري في تايوان بالنسبة للصين، رغم اختلاف الملفين، من ناحية أن أي عمل عسكري كبير قد يجري في أيّ من هذه المناطق سيؤدي إلى توترات كبرى على المستوى العالمي.
أعلنت روسيا مراراً استعدادها للقيام بأي نشاط عسكري في أوكرانيا إذا استدعت الضرورة ذلك، وهو الأمر الذي ما يزال بعيداً رغم كل التصعيد الجاري في أوكرانيا، ليكون في الحقيقة أن ما يجري يشبه محاولات الغربيين لاستجرار روسيا إلى «مستنقع» أفغانستان أكثر منه ما يتعلق بالصين وتايوان، وبالمثل من المحاولات العديدة السابقة التي لم تفضِ إلى هذه الحدة من التصعيد، سواء في أفغانستان، أو ما قبلها في قره باغ بالصراع الأرمني الأذري السابق، من المرجح أن تنتهي موجة التصعيد الجارية بتقدمٍ جديد ضمن المسار السياسي للملف، وبغير المصلحة الغربية والأمريكية، وتحديداً عبر التعاونين الروسي التركي أو الروسي الألماني الذي يجري استهدافهما، وقد أشار وزير الخارجية الروسية إلى محاولات أوكرانيا «جر روسيا إلى نوع من أعمال عنف» هناك.
القرم
رغم انتهاء ملف شبه جزيرة القرم عبر الاستفتاء الشعبي الذي جرى قبل عدة سنوات، وإعادتها إلى روسيا، تستمر أوكرانيا مدعومة من واشنطن بالتصعيد تجاه هذه المسألة للضغط على موسكو، بالتوازي مع مجمل التحركات السياسية الأخرى.
ارتدادات داخلية ومشاكل اقتصادية ومعاشية
إثر التصعيد الأخير في دونباس، برزت عدة إشكالات داخل حكومة زيلينسكي نفسها، ليس أقلها تناقض التصريحات بين رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع الأوكرانيين حول استخدام الجيش الأوكراني لطائرات «بيرقدار» المسيرة، وقد أشار وزير الخارجية الروسي لهذا الأمر بقوله «قائد القوات المسلحة الأوكرانية يعلن استخدام هذه الأسلحة (الطائرة المسيرة)، ووزير الدفاع يقول: إنه لم يحدث شيء من هذا القبيل» واصفاً هذا التناقض بـ«الغامض»، ليقوم وزير الدفاع الأوكراني أندريه تاران في الثاني من الشهر الجاري بتقديم استقالته إلى البرلمان دون أية توضيحات حول الأسباب خلف هذا الأمر، إلى أنه لا يحتاج للكثير من الاجتهاد لمعرفة ارتباطه مع مجريات دونباس، والتي قد يكون استخدام مسيرات «بيرقدار» قد جرى دون موافقة وزارة الدفاع على ذلك، أو حتى دون علمها أساساً، مما يعني وجود مؤشرات بخلافات وانقسامات عميقة داخل الحكومة الأوكرانية، ويأتي هذا الأمر بالتوازي مع تصاعد الأزمة الاقتصادية داخل البلاد، بالتزامن مع ارتفاع أسعار الطاقة والتهديد بتقلص عوائد ترانزيت الغاز في أوكرانيا بسبب «السيل الشمالي-2» مع ارتفاع درجات الاحتقان الشعبي في البلاد، وهو الأمر الذي تستفيد منه كييف بالتصعيد الجاري أيضاً لقمع أية تحركات شعبية معارضة قد تنشأ بداخلها، وليكون بالمختصر، أن كل المساعي الغربية برفع أوكرانيا إعلامياً وسياسياً تنعكس على أرض الواقع، وتتطور بأشكال تُناقض رغباتهم، بينما تتعامل موسكو بحذر وعقلانية مع هذه الأحداث.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1043