المجلس الانتقالي يبيع السودان بالتجزئة
متوهمٌ من يظن أن النظام السوداني قد تغيّر، وإنما تغيرت بضعة وجوه به، وعوضاً عن نهبه الخاص للبلاد والعباد، فتح الأبواب واسعاً لناهبين خارجيين وبشكلٍ مباشر، ومقدماً تنازلاتٍ للغربيين واحدة تلو الأخرى، بغية «كسب الرضا» لاستمرار عمل المنظومة نفسها من الناهبين الجدد.
اختلف الكثيرون حول قرار وزارة الخارجية السودانية يوم الأربعاء 11 آب بتسليم الرئيس السابق عمر البشير إلى المحكمة الدولية، وسط ترحيبٍ من الخارجية الأمريكية، عبر تصريحٍ من المتحدث باسمها نيد برايس، فرغم تأكيد الجميع على أنّ البشير متهم بالعديد من الأمور المتعلقة بالفساد والجرائم، إلا أن مسألة محاكمته دولياً تتخذ بعداً آخر.
فمنذ خلع البشير عن السلطة وتسلم المجلس العسكري لشؤون البلاد وبعده مجلس السيادة الانتقالي، لم يلحظ السودانيون أي تغييرٍ في حياتهم ومعيشتهم، ولم يلبّ أي من مطالبهم، وعوضاً عن ذلك ازدادت الأزمات المعيشية والسياسية والأمنية سوءاً داخل البلاد، وبقي القمع السياسي على ما هو عليه، أما المتغير الوحيد فكان في العلاقات الخارجية: ليقدم مجلس السيادة على التطبيع مع العدو الصهيوني، ويبدأ ببيع السودان بالتجزئة للغربيين، بمواقفه واستثماراته، فنذكر من أواخرها مثلاً: تصريحٍ لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان في 31 تموز بأن «أبواب السودان مفتوحة أمام الاستثمارات الأمريكية»، واتفاقيات السودان وتركيا التي وقعت يوم الخميس، والتي تضمنت بأحد تفصيلاتها تخصيص 100 ألف هكتار من أراضيه الزراعية لتشغيلها من قبل تركيا.
لتأتي مسألة تسليم البشير للمحكمة الدولية ضمن هذا السياق ذاته، بتبعية البلاد للغرب وبيعه قضاياه الخاصة له، فهذا القرار السياسي وبأحد جوانبه يؤدي إلى تصغير دور ووزن الجهاز القضائي السوداني نفسه، وصولاً إلى سيادة السودان ككل، فالخلافات الداخلية، ومحاكمة البشير أو غيره من الشخصيات السودانية، هي قضايا داخلية وسيادية على السودانيين أن يحلوها فقط، وتعطي مسألة تسليم البشير يداً علياً لواشنطن بعد تنازل مجلس السيادة الانتقالي لها في هذا الملف، ويجعل منها ورقة للمساومة والمناورة بها.
موقف الشعب السوداني يعتبر واضحاً بالمسألة عبر التهكم على موضوعة أن البرهان نفسه كان قائداً ويداً يمنى للبشير في مسيرته، وضمن حرب دارفور، وبالتالي، ينبغي أن يحاكم هو أيضاً، وكل الرموز والشخصيات التي تعود للمنظومة ذاتها داخل السودان وأمامهم، إلا أنهم يشيرون إلى هذه المفارقة والازدواجية الغربية بالسؤال: هل تطبيع المجلس الانتقالي مع الصهيوني والأمريكي يعفي البرهان ومن معه من تهم الفساد والجرائم المماثلة والمرتبطة بتلك الموجهة إلى البشير؟
لا يمكن التنبؤ بما سيجري من تعقيدات، وكم من المماطلات التي ستحدث الآن حول محاكمة البشير دولياً، إلا أنها أيضاً قد باتت ورقة ضغط على المنظومة السودانية نفسها بأيدي الغربيين، كعصا تُرفع أمامها عند أي فعلٍ لا يتناسب مع واشنطن، وهذا بدوره يشير إلى أزمة المنظومة السودانية التي تقدم على فعل أي شيء من أجل نجاتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1031