الإمارات «تسدد الرسوم» لواشنطن مرتين!
عتاب منصور عتاب منصور

الإمارات «تسدد الرسوم» لواشنطن مرتين!

يكثر الحديث مؤخراً عن أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، غير راضية عن مستوى العلاقات الثنائية بين الإمارات العربية المتحدة والصين، ومن المثير للإنتباه هو استخدام واشنطن لصفقة طائرات F-35 التي كانت بمثابة جائزة قدمها الرئيس السابق دونالد ترامب في مقابل تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والإمارات.

في تقرير لصحيفة بلومبرغ الأمريكية– وهو ليس الوحيد في هذا الخصوص– يتحدث عن ضغوط تمارس على الإمارات حول علاقتها مع الصين، ويجري الحديث في تقرير بلومبرغ، عن أن واشنطن غير راضية عن استخدام الإمارات لمعدات الجيل الخامس من شركة هواوي الصينية، وهذا ما وضع صفقة المقاتلات الأمريكية على المحك.

التنازلات المجانية

انطلقت «حفلة اتفاقات التطبيع» مع الكيان الصهيوني، من الإمارات والتي كانت أول من وقعّت على هذه الاتفاقايات المشينة، وكما بات معلناً فقد تلقت كل الدول التي وافقت على التطبيع «هدية» بسيطة، مقابل دعمها للمشروع الغربي الصهيوني الهادف إلى إدامة الفوضى في المنطقة. وكانت هدية الإمارات هي صفقة للمقاتلات الأمريكية المتطورة F-35 والتي قدرت قيمتها بـ 23 مليار دولار أمريكي، والتي من المفترض أن يجري تسليمها في 2026 أو 2027 لكن واشنطن تراجعت عن كلامها كما كان متوقعاً، فبعد أن كان المطلوب من الإمارات هو التوقيع على هذه المعاهدة لتحصل على الهدية المنتظرة، باتت قائمة الشروط تتوسع أكثر، والإمارات والتي راهنت أنها قادرة على القفز فوق التوازنات الدولية وجدت نفسها في مأزق حقيقي، فهي إما أن تلتزم بشروط واشنطن لمستوى العلاقات المسموحة مع الصين على المستوى التجاري والعسكري، وإما أن تخسر «هديتها» وبالتالي تجد نفسها بمأزقٍ أمام الرأي العام بعد أن قدمت خدمة مجانية للكيان الصهيوني، ولعبت دوراً قذراً وهي تقامر بقضايا الأمن الإقليمي على حسابها الشخصي وعلى حساب شعبها وشعوب المنطقة.

هل كانت مفاجأة حقاً؟

بدأت إشارات الاستفهام تظهر منذ الإعلان عن قبول واشنطن لبيع هذه الطائرات للإمارات، فأول الممتعضين كان الكيان الصهيوني نفسه، والذي وعلى الرغم من تقديم الإمارات فروض الطاعة، إلا أنه لا يرى ضرورة لامتلاكها سلاحاً متطوراً قد يساعدها على تغيير بعض مفاصل التوازن الإقليمي. لكن الخطر الأكبر على هذه الصفقة وقبل كل شيء، هو كون واشنطن طرفاً فيها، فبات واضحاً أن الأخيرة لم تعد تملك في جعبتها الكثير لتقدمه وتريد بمقابل «الفتات الذي ترميه» قائمة لا تنتهي من التنازلات، والجدير بالذكر أن ابتزاز واشنطن للإمارات ليس قراراً اتخذته الإدارة الحالية، بل إن تقرير بلومبرغ ذاته يعترف بأن الخلاف الإماراتي- الأمريكي حول العلاقات مع الصين بدأ من عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أي: إن تهديدات واشنطن الجديدة تأتي ضمن تطور طبيعي كانت الإمارات على علمٍ مسبقٍ به، وهي وعلى الرغم من وضوح سلوك واشنطن مضت في تقديم التنازلات، وهذا ما يضعها اليوم في موقف يشابه الأزمة العاصفة في العلاقات بين واشنطن-وتركيا التي اختارت شراء منظومات الدفاع الروسية s-400 مما حرمها من مقاتلات f-35، لكن الإمارات وعلى عكس أنقرة لم تستطع التمسك بحقها في صياغة علاقاتها الخارجية ترى فيها مصالحها الوطنية، بل يجلس في هذه الأثناء مسؤولون إماراتيون مع نظرائهم الأمريكان لنقاش البدائل التي يستعد «النادي الغربي» تقديمها بدلاً عن منتجات الشركة الصينية الرائدة «هواوي».
بناء العلاقات الخارجية للدول لا يقاس بالمصالح الاقتصادية الضيقة، بل إن الهدف الأول والأخير للسياسات الخارجية هي خدمة مصالح بلدانها والعمل على التوفيق بين مصالحها ومصالح القوى التي تتقاطع أفلاكها، لكن معظم دول المنطقة تظن مخطئة أنها تملك ترف المناورة وتظن أنها قادرة على القفز فوق الألغام ولا تضع في عين الاعتبار حجم الضرر الذي يلحقه هذا النمط من السياسات بمصالحهم. فالإمارات كغيرها من دول الإقليم التي جرى بناء مؤسساتها لتخدم مصالح الخارج على حساب مصالح شعوبها، تغرق أكثر فأكثر في مستنقع قد لا تستطيع الخروج منه إلّا بفاتورة كبيرة كانت قادرة على تجنبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1022
آخر تعديل على الإثنين, 14 حزيران/يونيو 2021 12:06