العراق يزداد توتراً...
تتعاظم التوترات والأزمات داخل العراق بين مختلف أطرافه ومكوناته السياسية والعسكرية، إضافةً إلى الخلافات الإقليمية والدولية التي تجري على أرضه، فبين الموقف الشعبي الرافض لجميع التدخلات الأجنبية والمطالب بمحاربة الفساد وتغيير منظومة المحاصصة العراقية، تسعى جميع الأطراف داخلياً وإقليمياً إلى الالتفاف على ذلك ولتدخل بتناقضات أعلى فيما بينها، سواء في الأحزاب والتكتلات السياسية ضمن المنظومة نفسها والتي تسعى إلى كسب الحصص الأكبر، أو فيما بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، إضافةً إلى الصراع الإيراني-الأمريكي والصراع التركي- الكردي، وفي أثناء كل ذلك تتعاظم الأزمات الاقتصادية والمعيشية على العراقيين.
الحشد الشعبي وحكومة الكاظمي
شهد العراق في الأسبوع الماضي خلافاً فريداً من نوعه بين قوات الحشد الشعبي والحكومة العراقية إثر اعتقال الأخيرة أحد قادة الحشد، وجرى نشر قوات عسكرية من الطرفين في محيط المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، وجرى سحبها بعد يومين، علماً أنه لم ينته التوتر حتى الآن، حيث تطالب قوات الحشد بإقالة رئيس لجنة مكافحة الفساد من منصبه في مقابل تخفيف التصعيد الحاصل، وقد أدى هذا الحدث إلى انقسام في الشارع العراقي بين مؤيدٍ ومعارضٍ لما جرى، فخلف حكومة الكاظمي يقف الجيش العراقي الرسمي قانوناً بإدارتها، أما قوات الحشد الشعبي فهي لا تمثل شيئاً مختلفاً أو أقل من الجيش بالنسبة للعراقيين لما فعلته خلال الحرب في السنوات القليلة السابقة عبر تحرير الأراضي واستعادة الأمن إليها، إلا أن المشكلة تكمن بطبيعة المنظومة العراقية التي تشترط سياسة المحاصصة على مكوناتها، وتدفع بذلك القوى العسكرية إلى توترات تصب بمصلحة القوى السياسية عوضاً عن توحيدها براية وطنية واحدة وجامعة. وليعتبر البعض أن قوات الحشد أضرّت بالدولة عبر تحركها إلى بغداد وخلافها مع رئيس الحكومة، ويعتبر آخرون أن سلوك الحكومة أخلّ بهيبة ووزن الحشد الشعبي، ويكون في الواقع أن ما جرى هو خلافات سياسية بين طرفي محاصصة متصارعين فيما بينهما لا يمتلك بها العراقيون بقواهم العسكرية الوطنية سواء لدى هذا الطرف أو ذاك لا ناقة ولا جمل، بل ويخدّم هذا الخلاف مصلحة المنظومة بعينها عبر قسم الشارع العراقي بين هذا وذاك.
البيشمركة وحزب العمال الكردستاني
بالمثل من قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي، تمثل قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق قوة أساسية عملت لمصلحة العراق بتحرير العديد من مناطقه، وكسبت وزناً على المستوى العراقي متجاوزةً حدود قيادتها السياسية الإقليمية في الداخل العراقي، ويجري زجها في صراعات لا تعبّر عن مصالحها ومصالح العراقيين معها. تشنّ تركيا منذ شهر نيسان عمليتين عسكريتين باسم «مخلب البرق» و«الصاعقة» داخل الأراضي العراقية شمال دهوك وشرقي أربيل ضد ما تصفه أنقرة بالـ «الإرهابيين» من المسلحين الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني، وسط صمتٍ من الحكومة الاتحادية العراقية، وحكومة إقليم كردستان العراق إلا فيما ندر، بصرف النظر عن الجدل حول مشروعية ذلك من عدمه، إلا أن ما يجري في المحصلة هو توترٌ مضاف داخل العراق نفسه، ويخدم في نهاية المطاف مصالح الولايات المتحدة والتي تسعى إلى تعقيد الوضع في العراق عبر دفع كل الأطراف لضرب بعضها البعض.
وأعلنت حكومة إقليم كردستان العراق أن 5 من مقاتلي قوات البيشمركة قد قتلوا يوم السبت في كمينٍ نفذته قوات الدفاع الشعبي، الجناح العسكري التابع لحزب العمال الكردستاني، في سلسلة جبال المتين في محافظة دهوك، وفي المقابل بررت الأخيرة في بيانٍ لها أن قوات البيشمركة تحركت في مناطق نفوذ الحزب في جبال المتين، وأن المنطقة تحت سيطرتها، وهي منطقة حربٍ بين الحزب والقوات التركية، معتبرةً التحرك «طعنةً في الظهر».
المشكلة أمريكية أولاً
أعلنت الحكومة العراقية أواخر الشهر الماضي عن ضبط منصة إطلاق صواريخ من نوع كاتيوشا في منطقة حي الجهاد جنوب غربي بغداد، ثم أعلنت خلية الإعلام الأمنية الحكومية عن إحباط عملية إطلاق خمسة صواريخ من نوع «غراد» في محافظة كركوك شمال البلاد كانت معدة لاستهداف أماكن تموضع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق، وفي يوم الأحد أعلنت الخلية عن إسقاط طائرتين مسيرتين حاولتا استهداف قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار، فضلاً عن استمرار استهداف أرتال الإمداد لقوات التحالف، واستهداف القواعد العسكرية التي تحتوي قوات أجنبية بقذائف الهاون.
يشير هذا الاستهداف المتصاعد على التواجد الأمريكي في العراق إلى اقتراب موعد انسحابهم، وجدية الضغط العراقي بهذا الاتجاه، لتفرض على الحكومة العراقية الذهاب نحو تطبيق القرار البرلماني القاضي بخروج جميع القوات الأجنبية.
فقد أعلنت «قيادة العمليات المشتركة» بالعراق يوم السبت بأن اللجنة العراقية العسكرية عقدت اجتماعها الأول مع نظيرتها الأمريكية في العاصمة بغداد، وأكدت اتفاق الجانبين على خطة تتضمن «إعادة نشر قوات التحالف خارج العراق» أي: وبصياغة أخرى: خروج قوات التحالف من العراق. إلا أن الحدث لم يخلُ من المماطلة، حيث أكد البيان أن الجانبين اتفقا على جلسة محادثات مقبلة في بغداد أو واشنطن خلال شهري تموز أو آب المقبلين لبحث آليات استكمال «إعادة نشر القوات القتالية للتحالف الدولي خارج العراق». وتمثل عبارة «القوات القتالية» السابقة حيلةً والتفافاً يرفضها العراقيون عبر ما اعتبره الطرفان تحولاً في دور القوات الأمريكية والتحالف في العراق من «القتالي» إلى «استشاري وتدريبي» (!)، أي: محاولة لإبقاء عددِ من القوات الأجنبية بمسمّى مختلف، إلا أن ذلك لن ينجح في نهاية المطاف.
عناصر التوتير وكيفية حلها كما يرى العراقيون
يستكمل التوتير في الداخل العراقي ويتزايد، بأطرافه المختلفة، بين الشعب العراقي ومنظومة المحاصصة، وبين المكونات السياسية داخل المنظومة، وبين زج الجهات العسكرية العراقية بمواجهة بعضها بعضاً «الجيش العراقي – الحشد الشعبي – البيشمركة- وغيرهم» مع ما تصنعه هذه الأحداث من خلافات متعمدة في الشارع العراقي بغية قسمه، وتدهور الحالة الاقتصادية، وأزمات الطاقة، إلخ... لن يكون تأريضها وحلها في نهاية المطاف إلا بما طالب به الحراك العراقي عبر إخراج القوات الأجنبية أولاً، وبناء منظومة وطنية واحدة وجامعة بما فيها قوة مسلحة وحيدة وشرعية تمثل كامل الأراضي العراقية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1021