الولايات المتحدة: حزمة انقاذ بانتظار المعجزة
أقر مجلس الشيوخ يوم السبت 6 آذار الجاري، حزمة الإنقاذ التي تقدمت بها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي بلغت 1,9 ترليون دولار، مقسمة على شكل شيكات فورية، ومعونات بطالة، بالإضافة إلى مخصصات للتصدي لكورونا من خلال التوسع بأعمال الكشف والتلقيح الجارية في الولايات المتحدة.
قبل الخوض في تفاصيل هذه الحزمة، وأبرز الانتقادات التي توجّه لها، لابد من الوقوف عند الحدث الذي بات يشكّل سمةً لجلسات الكونغرس الأمريكي، فحالة الانقسام تشتد، وبرز هذا بشكلٍ واضحٍ في الجلسة الأخيرة، فقد فرضت حالة التنافر الحادة، حالة من الشلل، وامتدت الجلسة إلى ساعات طويلة دون الوصول إلى نتيجة. فمجلس الشيوخ الذي يتألف من 50% من الجمهوريين و50% من الديمقراطيين بات أشبه بقنبلة موقوتة، فبات أي عضوٍ في المجلس قادراً على تعطيل العمل، ونظراً إلى أن حالة الانقسام لا تنحصر بين الحزبين، بل أيضاً داخل كل حزبٍ منهما، فيمكننا أن نتوقع استمرار الوضع الحالي وازدياد تعقده، ففي هذه الحالة على سبيل المثال: لم تُرض حزمة الإنقاذ التي قدمها بايدن كل الديمقراطيين داخل المجلس، مما دفع بعضهم للتهديد بتعطيل إقرارها، وأوردت وكالات الأنباء: أن الرئيس تدخل شخصياً عبر مكالمات هاتفية للضغط على سير الجلسة.
تفاصيل الحزمة
على الرغم من التهليل الذي تلقته هذه الحزمة من قبل واضعيها ووسائل الإعلام الأمريكية، إلّا أنها ستكون بمثابة اختبارٍ صعبٍ للإدارة الجديدة، التي أصرّت أن لهذه الحزمة آثاراً سحرية على الاقتصاد والوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه الأمريكيون. فالحزمة جرى توزيعها على شكل شرائح، لتدفع 400 مليار كدفعة واحدة، وتشمل هذه الدفعات المستعجلة معظم الأمريكيين، لتكون حصة الفرد ما يقارب الـ 1400$. وجرى تخصيص 300 مليار دولار على شكل معونات بطالة شهرية مخصصة لـ 9,5 مليون أمريكي خسروا وظائفهم خلال فترة الجائحة، ليحصل كل شخص على مبلغ قدره 300$ أسبوعياً حتى شهر أيلول القادم. ويضاف إلى ذلك مبالغ خصصت للخدمات الصحية، لتكون حصة الفحوصات وعمليات تتبع الإصابات 49 مليار، وحصة حملة التلقيح 14 مليار دولار.
يشمل القرار مزيداً من التفاصيل، إذْ يحدد تلك الشرائح التي يمكن لها الاستفادة من هذه المعونات، وإعفاءات ضريبية محدودة، وغيرها من التوضيحات، ويحدد آجالاً زمنية لهذا الإنفاق.
أين تكمن المشكلة؟
ترى مجموعة من السياسيين الأمريكيين، أن هذه الحزمة تُسقط المطالب العمالية برفع الحد الأدنى للأجور إلى 15$ في الساعة، إذْ جرى التصويت ضد هذا الرفع، وجرى تعويض النقص عبر ضخ سيولة بشكلٍ مباشر للشعب الأمريكي. فعلى الرغم من أن حزم المساعدات هذه ستصل إلى الملايين الذين باتوا بحاجة ملحة إلى المساعدة، لكنها ستكون أشبه بإبرة مسكنة لا أكثر. فالحزمة التي يجري الحديث عنها هي الحزمة الثالثة التي اعتمدت المنطق ذاته، بغض النظر عن كتلة الحزم التي سبقتها، إلّا أنها جاءت متوافقة من حيث جوهرها مع الحزم التي سبقتها، فحزمة الإنقاذ التي سيجري توزيعها على شكل شيكات بنكية بقيمة تقارب 1400$ تساوي تقريباً مرتب شهرٍ واحد لا أكثر، ولن تكون قادرة على معالجة المشاكل التي تراكمت خلال العام الماضي لدى الأسر ذات الدخل المحدود. ولا يختلف الأمر كثيراً عند نقاش حزمة البطالة، التي لا تشمل أكثر من 50% من العاطلين عن العمل، ولفترة زمنية محدودة. لتشكّل هذه الحزمة إجراءً ضرورياً في ظروفٍ استثنائية كالتي تعيشها الولايات المتحدة الآن، لكنها لا ترقى إلى حجم الكارثة.
لكن المشكلة الأكبر في حزمة الإنقاذ التي جرى اعتمادها- وإلى جانب أنها جاءت كبديل عن رفعٍ للحد الأدنى للأجور- أنها تهدف حسب واضعيها إلى زيادة القوة الشرائية للمواطنين، وتراهن على أن هذا سيشكل دفعةً لأسواقٍ منهكة. لكن هذا الإجراء يعتبر قاصراً إذا لم يترافق بضخ أموالٍ في قطاعات الإنتاج والاستثمار الحقيقية، وهو ما لا يبدو حاضراً على أجندة الإدارات الأمريكية. فبايدن الذي يقدم وعوداً بأن هناك إجراءات إضافية قادمة، يراهن مراهنة خطيرة، تعتمد في أساسها: أن أزمة الولايات المتحدة الحالية هي أزمة عابرة يمكن تجاوزها بقليل من الصبر، ويبدو أن النخب الأمريكية تنتظر معجزة ما تنقذ البلاد مما هو قادم. فالمشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي لا تنحصر في جائحة كورونا– التي فاقمت الوضع بالتأكيد– بل إن أمام الولايات المتحدة تحديات حقيقة أبرزها: تراجع الطلب العالمي على الدولار، وما سيحمله من آثارٍ كارثية على اقتصاد البلاد، التي لن يتحمل مالكوها تبعات كهذه بصدرٍ رحب، بل ربما يجدون أنفسهم كغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال مجبرين على تركها لملاقاة مصيرها الأسود.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1008