أزمة الصومال بدأت بـ«شرارة أمريكية» وستنتهي بـ«إخماد صيني-روسي»
ملاذ سعد ملاذ سعد

أزمة الصومال بدأت بـ«شرارة أمريكية» وستنتهي بـ«إخماد صيني-روسي»

أدى الانسحاب العسكري الأمريكي من الصومال بشكله وتوقيته المدروس والمتزامن عمداً مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية إلى إنشاء صدعٍ وخللٍ في التوازنات المحلية والإقليمية، مما أدى إلى عرقلة الوصول إلى توافق بين القوى السياسية، وتأجيل العملية الانتخابية، لتدخل البلاد حالة من الإضرابات السياسية مجدداً، ومرشحة بالتطور نحو اقتتال مسلح بين الأقاليم الصومالية ما لم يجرِ تأريضها وحلها...

وتأتي هذه الأحداث بالتراكب والترابط مع مجمل التوتير المفتعل في باقي دول القرن الإفريقي، والمرتبطة به، من إثيوبيا وإرتريا والسودان وكينيا كلٌ على حدة، أو بالخلافات والصراعات الحدودية القائمة فيما بينها.

حيث كان مقرراً أن تجري الانتخابات البرلمانية ومن بعدها الرئاسية في الـ 8 من الشهر الجاري، إلّا أنّ انسحاب واشنطن بهذه اللحظة، وما رافقه من إشارات مزدوجة لجميع الأطراف المحلية والإقليمية الفاعلة في الملف الصومالي، أطلق العنان للتدخلات الإقليمية في العملية السياسية، وعلى رأسها: صراع حول النفوذ بين الإمارات والسعودية مع تركيا، حيث تعتبر الأخيرة داعماً لطرف الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو، بينما تقف السعودية والإمارات خلف قوى المعارضة الفاعلة الآن، وبعضٌ من زعماء الأقاليم في الداخل الصومالي.
وتأتي هذه الرسمة الإقليمية بالتركيب مع بنية القوى السياسية الرئيسية في الداخل الصومالي، خلفاً لمرحلة الاستعمار القديم منه والجديد، والتدخل الأمريكي المباشر لعقودٍ خلت، التي تعتمد في بنيتها بشكل أساس على ارتباطاتها وعلاقاتها الخارجية للسيطرة في الداخل، ويتيح هذا الأمر غياب النشاط السياسي الحقيقي والشعبي داخل البلاد الذي منعته وحدّت نشاطه الحروب البينية من جهة، وقمع الأنظمة والحكومات المتعاقبة من جهة أخرى.

إفشال الانتخابات وبروز الأزمات

بالتفصيل، أدت الاستفزازات المتبادلة بين حكومة مقديشو وقوى المعارضة وزعماء الأقاليم إلى عرقلة بدء الانتخابات في موعدها، ويلقي المتابعون مسؤولية هذا التسويف بشكل أساسي على حكومة فرماجو، التي تحاول الهيمنة على العملية الانتخابية لضمان فوزها، بعد ذلك جرى اجتماع في غرب مقديشو للجنة فنية تضم الحكومة والولايات بوساطة الأمم المتحدة استمرت ليومين، نجح خلالها ممثلو الطرفين في تجاوز العقبات ونقاط الخلاف، حسبما صدر عبر تصريحاتهم، وتمكنوا من التوصل إلى صيغة توافقية كان من المزمع أن يوقع عليها قادة الطرفين رسمياً في مقديشو بـ 19 شباط لتحديد موعد الانتخابات الجديد، إلّا أن قوى المعارضة، وما سُمي بـ«تحالف مرشحي الرئاسة» كانوا قد دعوا إلى مظاهرات حاشدة في العاصمة الصومالية في اليوم نفسه، واستُخدم الحدث كذريعة من الطرفين لتعطيل الاتفاق والتوقيع.

ومنذ 19 الشهر الجاري وحتى الآن توتر الوضع عموماً وبشكل تصاعدي، حيث تحولت بعض التظاهرات إلى مواجهات مسلحة وعنيفة بين قوى الأمن التابعة لمقديشو، وقوى مسلحة تابعة للمعارضة، وسط اتهامات متبادلة حول من المسؤول عن العنف أولاً، وبدأت المعارضة تسلك منحى سياسياً متشدداً بعد كل الحوارات السابقة، بوصفها للرئيس فرماجو غير شرعي ومنتهية ولايته، وتشترط عدم ترشحه في الانتخابات المقبلة، بينما تلقي حكومة فرماجو بالمسؤولية على الإمارات بتدخلها بعلاقات مشبوهة مع زعماء الأقاليم، وتتهم المعارضة حكومة مقديشو بتلقي الدعم التركي.

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن دستور البلاد الذي أقرّ في 2012، يشير إلى إنشاء محكمة دستورية من شأنها حل الخلافات بين الأقاليم الصومالية، لكن لا حكومة فرماجو ولا من سبقه ولا زعماء الأقاليم قد اتخذوا الخطوات لإنشائها، مما يعني: أن الأزمة الحالية لا سند قانوني/ دستوري يمكن الاعتماد عليه للبتّ بها وحلها، ولتبقى عرضة للتجاذبات السياسية المحلية والإقليمية وتطورها.
ويأتي كل هذا الظرف بالتوازي مع استمرار دعوات الانفصال في إقليم «صوماليلاند/ أرض الصومال»، واستمرار نشاط «حركة الشباب» الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، حيث تبنّت التفجير الذي جرى في سوق باكارا في مقديشو يوم 12 من الشهر الجاري وفقاً لوكالة رويترز، وكانت قد تعرضت المدينة نفسها للقصف بمدافع الهاون قبيل التفجير ببضعة أيام، وسط تهديدات بأن الأزمة السياسية الجارية قد تفتح مجالاً أكثر لنشاطات هذه الحركة.
لتكتمل بذلك أركان أزمة سياسية ودستورية وأمنية حادة تعتمل في البلاد.

ما الحلول الممكنة؟

من غير الممكن التنبؤ بكيفية تطور الأزمة الناشئة وحلها وفق الإحداثيات الموجودة حالياً، فلا السعودية أو الإمارات أو تركيا مستعدون للتضحية بنفوذهم في إحدى أهم دول القرن الإفريقي، والمطلة مباشرة على معبر باب المندب، وإذا ما كانت القوى المحلية الصومالية بحاجة وسيطٍ محايد فيما بينها للتمكن من الجلوس إلى طاولة الحوار، فإن ذلك يستدعي بالضرورة وفق خريطة العلاقات السياسية بين القوى الصومالية داخلياً وخارجياً أن يوجد وسيط دولي بين القوى الإقليمية أيضاً، وفي هذا السياق، فإن ما نشاهده اليوم هو نتاجٌ عن سلوك ومصلحة «الوسيط الأمريكي» الحالي بتوتير منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية لإعاقة الصعود الصيني والروسي في مجمل القارة الإفريقية، بعد تراجعه وانسحابه منها في ظل الأزمة الأمريكية، وعليه فإن البديل الممكن دولياً لن يكون غير الصين وروسيا أيضاً، سواء بالشكل المباشر أو عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات المرتبطة بهما وبالطبع بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي الذي يمكن أن يلعن دوراً مهماً، وفي هذا السياق، مثالاً: فقد قال السفير الصيني في مقديشو قبل يومين عبر «تويتر» بأن «الصومال تمتلك تعداداً سكانياً قليلاً، وأرضاً كبيرة، وموارد طبيعية وفيرة، وطالما تكون موحدة وبحالة سلم فلن يجري استغلالها وسيتمتع الجميع بحياة جيدة» مضيفاً أن الصين مستعدة لتقديم دعمها للبلاد.

ولكن ما ينبغي التأكيد عليه، هو أن الحديث هنا يُعبر عن أحد أشكال إنهاء الأزمة الجارية فقط، وبصيغة توافقية بين القوى التقليدية الموجودة في المشهد الصومالي، أما الحلول الفعلية والحقيقية فإنها بالضرورة، في نهاية المطاف، لن تكون إلّا داخلية، ومن الصوماليين أنفسهم، عبر ولادة قوى سياسية جديدة «وطنية» غير مرتهنة أو تابعة بقراراتها وسياساتها ومصالحها لأية قوى خارجية، وفقاً لعلاقات الموازين الدولية القديمة، وبالمثل بقية دول القرن الإفريقي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1007
آخر تعديل على الإثنين, 01 آذار/مارس 2021 01:53