ما الذي ينتظر السعودية بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة؟

ما الذي ينتظر السعودية بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة؟

رفع مجلس الأمن القومي الأمريكي في 25 من شهر شباط السابق السرية عن وثيقة تخص الصحفي السعودي المعارض، الذي قتل في السفارة السعودية في إسطنبول في تشرين أول 2018، وتلا الإعلان عن الوثيقة سلسلة من الإجراءات التي وعلى الرغم من محدودية تأثيرها، إلّا أنها تحمل دلالات هامة لابدّ أن نتوقف عندها.

تنشغل مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام حالياً بوضع الخطوط العريضة التي ستميّز سياسة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن عن سلفه دونالد ترامب، وفي الوقت الذي تجري محاولة تضليل واسعة للرأي العام، قائمة على الترويج لفكرة «أن تحولات كبرى في السياسة الأمريكية على وشك الحدوث» تشكّل قضية العلاقات الأمريكية السعودية أحد أبرز هذه الملفات، والتي يمكن من خلالها رصد بعض «التحولات الكبرى» المنتظرة!

التقرير الاستخباراتي وما يرافقه

لا ضرورة للدخول في تفاصيل التقرير الاستخباراتي المذكور، المهم هو أنه خلص إلى نتيجة مفادها: أن ولي العهد محمد بن سلمان «أجاز عملية في إسطنبول، تركيا لإلقاء القبض أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي»، ومنذ أن أعلنت الإدارة الأمريكية عن قراراها بنشر هذا التقرير حتى اللحظة، تجري جملة من التصريحات والاتصالات، ترافقها عقوبات صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة الخارجية، تشمل مجموعة من 67 سعودياً، بالإضافة إلى اللواء أحمد عسيري النائب السابق لرئيس المخابرات السعودية. رغم أن التقرير أشار بشكل واضح إلى دورٍ يربط بن سلمان بمقتل الخاشقجي، إلّا أن العقوبات الأمريكية لم تشمله، مما يعطي المؤشرات الأولى على أن للقصة تتمة، وما جرى يُعد الإعلان عن بدايةِ عملية ابتزاز أمريكية لتضمن سلوكاً سعودياً مقبولاً بالنسبة لواشنطن، وهذا ما بدا واضحاً في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والذي قال في حديثٍ مع الصحفيين: إن «الإجراءات التي اتخذت ليست قطعاً للعلاقات، ولكنها بمثابة إعادة ضبطٍ لها، لتكون أكثر انسجاماً مع مصالحنا وقيمنا». فإعادة الضبط التي يجري الحديث عنها لا تهدف للوقوف إلى جانب «حقوق الإنسان» أو «العدالة» بل للإمساك بأوراق للضغط على السعودية، لتعمل بـ «نشاطٍ أكبر» لخدمة مشروع الفوضى الأمريكي في المنطقة.
أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقتٍ لاحق عن إعلانٍ مرتقب، سيصدر في 1 آذار حول السعودية، إلّا أن مسؤولين في البيت الأبيض رجّحوا عدم اتخاذ إجراءات جديدة، معتبرين أن العقوبات التي أُعلنت كافية، في إشارة إلى بقاء بن سلمان غير مشمول بهذه العقوبات.

واشنطن والسعودية

كتب جو بايدن قبل توليه الحكم بشكلٍ رسمي مقالاً في ذكرى مقتل الخاشقجي، وكان هذا بمثابة إعلان عن نية الرئيس الجديد الاستثمار في هذا الملف. وأرسلت الإدارة الأمريكية في الأيام القليلة الماضية مجموعة من الإشارات، كانت أولاها: أن جو بايدن أجرى اتصالاً مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وأعلن أنه لم يتحدث مع ولي العهد، ولا نية لإجراء اتصالٍ كهذا في وقتٍ قريب، حسب تصريحات مسؤولين في البيت الأبيض. في إشارة إلى أن واشنطن قد لا تقبل بولي العهد إذا لم يبد استعداداً لأخذ مصالح الولايات المتحدة في الحسبان في كل إجراءٍ يأخذه، وهذا يشمل جملة من القضاياـ مثل: دور السعودية في ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني في المنطقة، والتزام المملكة بالحفاظ على التوتر مع إيران، وأن تبقى حجراً في وجه النفوذ الصيني والروسي في المنطقة. فإدارة الرئيس الأمريكي تسعى إلى تطويع المملكة عبر ابتزاز ولي العهد بملف الخاشقجي، وإمكانية إعطاء الضوء الأخضر لخصومه في المملكة عبر دفعه خطوة إلى الوراء، والإعلان عن قطع للاتصالات معه شخصياً، مما قد يعطي زخماً لتيارٍ موجود في المملكة ينتظر ظرفاً كهذا للتصعيد ضد ولي العهد. أي: ببساطة التهديد بقدرة واشنطن على دفع السعودية نحو حالةٍ من عدم الاستقرار الداخلي.

مأزق الإدارة الجديدة

حاول الرئيس بايدن أن يعلن عن تعاطٍ مختلف مع السعودية، معتبراً أن سلوك السعودية «لا يناسب قيم الولايات المتحدة»، كم لو أن أيادي واشنطن لم تلوث بدماء ملايين الأبرياء على مر عقودٍ مضت! وسعى بايدن ليظهر أنه قادر على إجراء تغييرات كبرى بطبيعة العلاقة بين البلدين، لكن الرئيس فشل في أول اختبار، رغم أن الكثير من الموالين له كانوا يترقبون «الإجراءات الصارمة ضد بن سلمان» إلّا ان أملهم قد خاب بعد أن تبين أن بايدن كغيره من الرؤساء الأمريكيين، يرى ملف «حقوق الانسان» كأداة لابتزاز خصومهم وحلفائهم، ولا تشغل بالهم جريمة كقتل الخاشقجي، بل ربما يكون قاتلوه قد سمعوا همسات أمريكية دفعتهم للقيام بهذه الجريمة.

وفي السياق ذاته، وجه الصحفي الأمريكي جاك تابر- في تقرير عرضته قناة CNN -سؤالاً للرئيس الأمريكي جو بايدن، حول الفرق بين سياسته اتجاه هذه القضية بالمقارنة مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي حسب ما ذكر تابر في تقريره كان يتبجح بأنه حمى ولي العهد من تبعات هذه الجريمة، مما يجعل الفرق بين بايدن وترامب غير ملحوظ، فبايدن وعلى الرغم من أن إدارته حمّلت بن سلمان المسؤولية، إلّا أنه لم يختلف عن ترامب بالمحصلة، واعتبر تقرير CNN أن بايدن يقول بشكلٍ من الأشكال إنه «مضطرٌ لحماية بن سلمان»، مما دفع الصحفي إلى حصر الفرق بين الاثنين باستخدام الكلمات دون أي فرقٍ جوهري في السياسيات! كان ترامب قد صرّح في وقتٍ سابق: أنه أراد اتخاذ إجراءات ضد السعودية، لكنه وجد أن هذه الإجراءات ستنعكس على الولايات المتحدة بشكل سلبي، ففضل عدم القيام بها، وهذا ما يجري حالياً.

لا نستطيع الجزم بطريقة تعاطي المملكة مع هذه الخطوات، وإن كانت سترضخ لهذه الضغوط أم ستتعامل بشكلٍ مختلف هذه المرة، الخطوات اﻷولى كانت برفض ما جاء في التقرير، وحشد الدول الخليجية للوقوف ضد الاتهامات هذه، وتسعى عبر بعض أبواقها الإعلامية التأكيد على أن العلاقات السعودية- الأمريكية متينة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1007
آخر تعديل على الإثنين, 01 آذار/مارس 2021 01:54