من بيروت إلى بكين حَوّل!

من بيروت إلى بكين حَوّل!

يرى البعض مبالغة في تشبيه ما جرى في بيروت في 4 آب، بما جرى في هيروشيما وناغازاكي في 6 و 9 آب قبل 75 عاماً، ولكن وعلى الرغم من أن حجم الدمار والضحايا الذي فاق عددهم 220 ألفاً في المدينتين اليابانيتين لا يقارن مع ما جرى في لبنان، إلا أنّ للحدث وزناً كبير اً لا يمكن قياسه بحجم الدمار والضحايا.

يعاني لبنان من أزمة سياسية واقتصادية خانقة، كانت سبباً لحركة احتجاجية واسعة امتدت منذ 17 تشرين الأول الماضي (بل وقبل ذلك بسنوات) إلى اليوم. إلا أن هذه الحركة لم تستطع إيجاد مخرجٍ مناسب، بل ازداد تعقد الوضع أكثر، وبات الناس غير قادرين على تحمل المزيد من الأعباء، وهنا وفي هذه اللحظة ينفجر مرفأ بيروت الذي قد يكون بمثابة «شعرة» تقصم ظهر المنطقة كلها، إذا ما تركت أسباب هذا الحدث ونتائجه دون علاجٍ سريع.

قياس نصف قطر الانفجار!

على الرغم من ضرورة الكشف عما جرى في المرفأ، وضرورة كشف كل الملابسات والمسؤولين عن هذه الجريمة التي تبدو أنها حلقة من الأحداث المتسلسلة، التي لا تقف عند تاريخ دخول هذه المواد إلى المرفأ، بل ربما تعود إلى تأسيس لبنان بهذا الشكل ليكون البلد كله قنبلة موقوتة لا مرفأه فحسب، فلبنان اليوم في خطرٍ حقيقي، والمدخل الوحيد لتدارك ما يجري هو انتقال البلاد إلى مرحلة جديدة حقاً، تقطع بأسرع ما يمكن مع النظام الذي خلفه الاستعمار بهذا الشكل. وإن كان البعض يرى في هذا الكلام تكراراً، ويرى أن لبنان كان قد فشل سابقاً بإنجاز هذا التغيير، ليدخل في حرب أهلية طاحنة لعقود، فهو ينسى أن الظرف الدولي الذي دخل فيه لبنان حربه الأهلية لم يعد يشبه يومنا هذا أبداً. ويبقى سؤالنا اليوم حول: من هي القوى المعنية بهذا التغيير؟ وهل هي قادرة على إنجاز هذه المهمة؟
من التسطيح أن ننظر لوضع لبنان اليوم من منطق داخلي فحسب، فهو جزء من منطقة باتت شديدة الترابط، وإن كان حجم لبنان جعله بموقع المُتأثر بما حوله أكثر من كونه مؤثراً بهم، إلا أن تفجير لبنان ربما سيحمل آثاراً سلبية على منطقة واسعة، لذلك سُمع صدى تفجير المرفأ لا في بيروت فحسب، بل في كل المنطقة الممتدة من المتوسط إلى بكين، فهذه المنطقة الواسعة تزداد ترابطاً بسبب أن الحرائق أياً كان مكان اندلاعها فستطال الجميع، لذلك توجهت أنظارهم إلى المرفأ لا بوصفه صافرة البدء التي تعلن اشتعال المنطقة، بل بوصفه حدثاً يمكن أن يتحول إلى بؤرة توتير جديدة، تضاف إلى القائمة الطويلة المشتعلة.

لا نحتاج بؤرة جديدة

مشروع تفجير لبنان، أو أي مكان في المنطقة، سيجد قوى تقف في وجهه، فإذا كانت روسيا والصين تقومان منذ عقدٍ من الزمن بالتصدي النشط لكل محاولات التوتير، واستطاعتا خلال هذه المدة حشد دولٍ ذات وزنٍ إقليمي، مثل: إيران وتركيا، وإن كان معسكر «إطفاء الحرائق» تحت الرعاية الروسية والصينية يتعامل على مدار الساعة مع مئات النقاط الساخنة، إلّا أنه لا يرغب بإضافة نقطة حساسة كلبنان إلى خريطة التوتر.
ومن هذه الزاوية، لا بد أن نسأل: هل من الممكن حشد القوى السياسية التي تسعى لتجنّب الحريق؟ هذا ممكنٌ طبعاً في داخل لبنان وخارجه، فانفجار المرفأ أضاف سبباً جديداً لغضب الشارع اللبناني المنتفض، والذي يظهر أن هنالك محاولات محمومة لحشره ضمن حسابات ضيقة، تهدف لتصفية حسابات داخلية، أو تقديم خدمات للغرب، حتى قبل أن يطلبها، وهذا ما يُساهم في خلط الأوراق في الداخل أكثر مما يسهم بتمتين الجبهة الداخلية المتهتكة، فالمهمة الملقاة على الشارع اللبناني اليوم، مهمة شاقة بلا شك لكنها ممكنة، إلّا أن إمكانية صياغة شعارات قادرة على حشد معظم اللبنانين أمرٌ ممكن، وإن كان الشارع لا يزال يخطو خطواته الأولى على طريق التغيير، إلا أنه يملك المقومات الأولية لإنجاز هذا الخطوة، ومن الممكن صياغة برنامج إنقاذ شامل يسمح بتغيير النظام، الذي بات مهمة لا يمكن تجاهلها، فالظرف الدولي يسمح بذلك، وحالة الشلل التي يعاني منها لبنان لا يمكن التأقلم معها، فهي حالة شديدة الثقل ستفرض على الجميع إيجاد المخارج، لذلك سيكون الشارع في لبنان متيقظاً وسريع الالتفاف حول المبادرات التي تعطي مؤشرات الخلاص.

«وصفة جاهزة»

إن كان الجميع قد حفظ أنّ لا وجود لوصفة واحدة جاهزة لحل مشاكل الجميع، وإن كانت هذه الجملة تحمل بعض الصحة، إلا أنها تخفي حقيقة أن هناك ما هو مشترك بين وصفات جميع مشاكل منطقة الشرق هذه! فإن كانت الحرائق تعم المكان فيجب قطع الأكسجين الذي تعتمد عليه هذه النيران أولاً، ومن هنا يكون الدولار هو هذا الأكسجين، فحرمان الولايات المتحدة من سلاحها الأساسي هو خطوة لا بد منها، وإن كان لبنان– كغيره من بلدان المنطقة– وصل إلى طريق مسدود مع الغرب، فالمخرج بالاتجاه المعاكس حتماً. فالكل يعلم أن لبنان عاش على إنعاش دولاري منذ عقود، لدرجةٍ بات فيها مجرد التهديد بقطعه يسبب الاختناق له، يضاف إلى هذه الحالة فرض قوى سياسية على الشارع لا ترى في الغرب إلا أباً روحياً لا تجوز إلّا طاعته، ونراها تتسابق عند كل مفصل جديد لتقديم الولاء، بل من المضحك أن ترى هذه القوى في فرنسا القدرة على تقديم يد العون، أو لعب دور إيجابي في الداخل اللبناني، كلعب دور الضامن لعملية التغيير، ففرنسا تغرق هي الأخرى وقت يكون لتجربة لبنان ودول الشرق درسٌ يخلّص الفرنسيين مما هم مقبلون عليه، فالمعركة التي تخوضها شعوب المنطقة الممتدة من المتوسط إلى أقاصي آسيا، هي إرثٌ عالمي، وهي معركة شاقة يتم ضمنها رسم عالمٍ جديد. ومن هنا يكون تفجير المرفأ لا إعلان نهاية بل إعلاناً- ربما يكون الأخير– عن إمكانية لتجاوز مآسي الماضي، إعلاناً لتحالف جديد ينهي الاستعمار والأنظمة التي خلفها... إعلاناً عن آخر الانفجارات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
978
آخر تعديل على الإثنين, 10 آب/أغسطس 2020 12:54