النووي بين أمريكا «الملاك» وروسيا «الشيطان»

النووي بين أمريكا «الملاك» وروسيا «الشيطان»

قالت هيئة الأركان الروسية بتاريخ 06/08 عبر مقالِ نشرته في صحيفة «النجم الأحمر» بأن «أي صاروخ سيطلق باتجاه روسيا سيتم التعامل معه على أنه نووي». وفي الوقت الذي يراه البعض تصريحاً يمثل تصعيداً خطيراً من قبل موسكو، يراه آخرون بأنه خطوة ردعٍ بدرجة أعلى، بناء على كيفية معالجة مسألة التهديدات العسكرية الأمريكية- الروسية الجارية على الأمن الدولي، بتحميل المسؤولية فيها على واشنطن أم موسكو؟

الأمن الدولي واتفاقيات الأسلحة

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما أنتجته من حوادث وكوارث مهولة كانت ذروتها نوويتيّ الولايات المتحدة الأمريكية، باتت مسألة «الأمن الدولي» ضرورة لا بدّ من المحافظة عليها، والعمل من أجلها كأولوية دائمة، مُحددة بخطوط حمراء على رأسها «الحرب النووية»، الأمر الذي أنتج منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، الذي يضمّ بأعضائه القوى الدولية النووية الخمس في ذلك الحين، مع حقّ النقض «الفيتو» لكلّ واحدة منها داخل المجلس، وبهذا الصدد، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقاً بمقاله بمناسبة ذكرى الحرب الوطنية العظمى، بأن حق النقض «هو البديل المعقول الوحيد للصدام المباشر بين الدول الكبرى».
بالإضافة لذلك، فإن المسؤولية الأكبر بهذا الأمر كانت تقع على الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا «وريثة الاتحاد السوفييتي» باعتبارهما القوى العظمى الرئيسة دولياً، وعليه جرى توقيع العديد من الاتفاقات المتعلقة بالأسلحة والتسلح لكلٍّ منهما بشكل ثنائيّ، نذكر منها معاهدات: «الحدّ من الأسلحة الإستراتيجية/ ستارت» و«الحد من الأسلحة الهجومية الإستراتيجية/ سورت» و«الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى» و«الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية».

نهج الأحادية الأمريكية عموماً

مع مؤشرات قرب انفجار الأزمة الرأسمالية وما ستحمله من خسائر دولية على الولايات المتحدة، بدأت الأخيرة باتخاذ منعطف مختلف وأحادي، اتجاه هذه الاتفاقيات، وبدء موجة تصعيدات عسكرية، ففي عام 2002 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش انسحاب بلاده من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية، وفي 2003 جرى احتلال العراق ونصب القواعد العسكرية الأمريكية فيها، فضلاً عن دولٍ أخرى غيرها، وبات هذا النهج متصاعداً، وصولاً إلى العقد الحالي مع اشتداد الأزمة والخسائر الأمريكية لتزيد بشكل طردي مساعي واشنطن في اتباع هذه السياسات الأحادية، ويبدأ التلميح بالانسحاب من معاهدات أخرى، وبالفعل، وصولاً إلى أواخر 2019 حين أعلن الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى.
ومن المفيد أيضاً، التذكير بانسحاب واشنطن من عدة اتفاقيات دولية أخرى كالتجارة الدولية، وباريس للمناخ، والنووي الإيراني، ثم مع الأزمة الاقتصادية الأخيرة المرافقة لتفشي الوباء الفيروسي عالمياً، بدأت بشن الهجوم على منظمة الصحة العالمية، ومن هذه مدخلاً للهجوم على مجمل منظمة الأمم المتحدة نفسها، تمهيداً- فيما يبدو- إما للانسحاب من بعض مؤسساتها، أو لمحاولات فضّها وإعاقة عملها عموماً، وحتى بالنسبة لحلفائها التاريخيين يُهدد ترامب بالانسحاب من حلف الشمال الأطلسي «الناتو».

ردود فعل دولية روسيا إحداها فقط

في مقابل كل انسحاب لواشنطن من هكذا معاهدات أو اتفاقيات أو منظمات، إنما تنفضّ عن ظهرها مسؤوليات والتزامات دولية، بغية التفرّد بمصالحها وأهدافها بأسلوب «البلطجة الدولية»، مُهددة بذلك مجمل السلم العالمي و«الأمن الدولي»، لتجد ردود فعلٍ دولية معادية لها من جميع الأطراف دون استثناء، بما فيه الاتحاد الأوروبي كما نشهد مؤخراً من بوادر نشوء حربٍ تجارية بينه وبين الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، فإن الإجراءات الروسية على الصعيد العسكري من تطوير الأسلحة، ونشر القوات واجراء المناورات وغيرها، إنما هي أحد ردود الفعل الدولية تلك على سلوك واشنطن المُعادي، وليكون لها طابع دفاعي خالص في وجه الهجوم الأمريكي، فبعد انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ المتوسطة، أعلنت عن عزمها «نشر أنظمة صاروخية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وربما في أوروبا أيضاً»، وفقاً لبيان صدر عن الخارجية الروسية بتاريخ 03/08، وجاء في البيان نفسه «من الواضح أن نشر الصواريخ الأمريكية المتوسطة وقصيرة المدى في مختلف المناطق في العالم، سيقوض الأمن العالمي والإقليمي، وسيؤدي إلى تصعيد خطير لسباق التسلح.» وبعد ذلك بيوم، أعلن سلاح الجو الأمريكي ببيانٍ له عن اختبار صاروخ «مينوتمان 3» محمّلاً بثلاثة رؤوس نووية فوق المحيط الهادئ.. علماً بأن الولايات المتحدة وخلال الأشهر القليلة السابقة أيضاً عملت على إعادة نشر وتموضع قواتها في أوروبا نحو الدول الشرقية منها، على الحدود الروسية مباشرة، ولتقوم موسكو بردود فعلٍ مماثلة بنشر قواتها ومنصاتها الدفاعية والهجومية.

خطوة إضافية باتجاه الردع

يجري الحديث الآن عن مفاوضات لمعاهدة «ستارت-3»، وبينما تسعى موسكو إلى ضمّ بكين إليها باعتبارها قوة نووية وعسكرية كبرى موازية في العالم اليوم، تدفع واشنطن باتجاه استبعادها ومحاولة بائسة لصنع خلافات بين الدولتين، فخلف التصريحات «الوردية واللطيفة» الدبلوماسية للخارجية الأمريكية برغبتها دخول بكين إلى المعاهدة، إلا أن سلوكها الاقتصادي والسياسي والعسكري المعادي لها والاستفزازي اتجاهها يثبت عكس ذلك تماماً.
وعلى إثر هذا السلوك الأمريكي برمته، والمُهدد للأمن الدولي مباشرةً، جاء تصريح هيئة الأركان الأخير السابق بأن أيّ صاروخ قد يُطلق اتجاه روسيا سيجري التعامل معه على أنه نووي، والردّ عليه مباشرةً لحظة رصده، أي حتى قبل وصوله إلى الأراضي الروسية نفسها، ليكون موقفاً عسكرياً- سياسياً حازماً بغية «ردع» الخطر الأمريكي بشكل أعلى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
978
آخر تعديل على الإثنين, 10 آب/أغسطس 2020 13:26