هل تكون الاحتجاجات آخر أسافين نعش «الكيان»؟

هل تكون الاحتجاجات آخر أسافين نعش «الكيان»؟

مع اشتداد المظاهرات داخل الكيان الصهيوني، والتي وصلت يوم السبت 25 تموز لتشمل 250 نقطة احتجاج في مناطق متنوعة، لم يعد من السهل التنبؤ بالآثار التي تنتج وستنتج عن هذا الوضع الدخلي في الأيام القادمة، لكن ما لا شك فيه، أن هذه الاحتجاجات تعبيرٌ عن عدم قدرة المنظومة السياسية الحاكمة على حلّ أيٍ من التحديات القائمة أمامهم اليوم.

على الرغم من أن الكيان الصهيوني كان دائم الحضور على الساحة الإقليمية منذ تأسيسه، ولا يمكن لأحد أن ينظر إلى تاريخنا الحديث دون التطرق إلى الدور الأسود والواضح الذي لعبه الكيان فيه، لكن ما يغيب عن أذهان البعض، أن المشروع الصهيوني بشكله هذا جاء كتعبير عن توازن دولي محدد، ووجوده مرهون بمجموعة من العناصر التي رافقته منذ تأسيسه إلى اليوم، ولابد من إجراء مراجعة لكل هذه العناصر في كل مفصل جديد.

هل يستطيع الاقتصاد الصمود؟

سجلت وزارة الصحة الإسرائيلية 1770 إصابة جديدة في يوم الجمعة 24 لتكون أعلى عدد إصابات في يومٍ واحد منذ بدء تفشي الجائحة، ووصلت مجمل الإصابات إلى أكثر من 60 ألف، ويبدو أن الأمور تتجه نحو الأسوأ، شأنها شأن الكثير من المناطق في العالم، فبات واضحاً: أن الاقتصاد (الإسرائيلي) يتلقى ضربات حقيقية، وقد يشهد تراجعاً أكبر مع انتشار المرض أكثر كما هو متوقع، فانخفض مؤشر البورصة يوم الخميس، وتبدو آثار الأزمة واضحة على سوق العمل، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى 21,1% هذا بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي لم تظهر آثارها بشكل كامل بعد، وفي مقال نشر في جريدة هآرتس كُتب فيه: أن ما يشهده الاقتصاد داخل الكيان «ربما يكون الرذاذ الذي يسبق المطر»، فسوق العمل كان يخسر 1000 عامل بشكل يومي، إلا أنهم ينتقلون إلى قطاعات أخرى بشكل سريع، أما اليوم فهذا الرقم لا يجد فرصاً جديدة، أي: إن من يخرج من سوق العمل اليوم لا يستطيع الدخول مجدداً، وتعتمد هذه الأرقام على الضرر الذي لحق بالاقتصاد (الإسرائيلي) إلى الآن ولا يشمل الآثار التي قد تخلفها الموجة الثانية، التي بدأت مؤشراتها بالظهور منذ أيام، إذ تقول التقديرات التي أعلنتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD»: إن الناتج المحلي في الكيان الصهيوني سيشهد آثاراً سلبية أكبر من الاقتصاد العالمي، وتقول المنظمة: إن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة تصل إلى 8,3% على أن يشهد بعض الانتعاش المتواضع في 2021.
أما عن السياسية التي تريد الحكومة اتباعها لمواجهة هذه التحديات فتتسم بالتخبط وعدم الوضوع، فيسعى رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو، والذي يعيش أصعب أيامه، بتوزيع تعويضات نقدية لكل المواطنين تعادل 200$ وهي تشكل مبلغاً زهيداً بالنسبة لوسطي الأجور، الذي وصل حده الأدنى إلى حوالي 2000$ في السنة الحالية، وتلقى هذه السياسة معارضة شديدة إذ إنها غير كافية، ولا تخص الفئات الأكثر تضرراً، ووصلت كتلة هذه المساعدات إلى ما يعادل 1,7 مليار دولار، وهذا ما اعتبرته المديرة العامة لوزارة المال، كيرين تيرنر- إيال، أنه هدرٌ غير مجدٍ ووصفت هذه العملية بأنها « إلقاء لحقائب المال الذي لا نملكه إلى البحر». ومن هذه النقطة يبدو واضحاً، أن هذه الكتلة تشكل عبئاً على الاقتصاد ولن تستطيع الوقوف بوجه السيل الجارف. بل قد تكون المفارقة المضحكة، أن خطة نتنياهو التي أراد منها تهدئة النفوس قد أججت الاحتجاجات أكثر.

الاحتجاجات واسعة وحكومة قلقة

تجددت الاحتجاجات التي يشارك فيها عدة آلاف في مناطق متنوعة، والتي تركزت في الأيام القليلة الماضية في الشارع المجاور لمنزل نتنياهو، وتطالب برحيل رئيس الوزراء، وعلى الرغم من الوضع الصحي المقلق، إلا أن المتظاهرين لا يرون مبرراً لإيقاف التظاهرات التي يحركها الوضع الاقتصادي السيئ، بالإضافة إلى كل العوامل التي باتت تشكل مصدر قلق بالنسبة للمتظاهرين الذين يشكون في قدرة التحالف الحالي على ضبط الأمور، وما يمكن قوله إلى الآن: إن هذه الاحتجاجات مستمرة وستتوسع، وخصوصاً مع ازدياد الآثار السلبية للأسباب التي تحركها، وعلى الرغم من الصدامات التي تجري مع قوات الأمن، إلّا أنها لن تنجح في إيقافيها في الأمد القريب، حتى أن وزير الأمن الداخلي (الإسرائيلي) أمير أوحانا، قال في تصريحات له في يوم الأحد 26 تموز: إنه يخشى أن تقود هذه المظاهرات إلى «سفك الدماء مع تصاعد أجواء الكراهية السائدة».
يمكننا القول: إن النتائج الأولية لهذه الاحتجاجات، هي: الإعلان الضمني عن اقتراب انتهاء الائتلاف الشكلي الذي جمع بين حزب الليكود وحزب أزرق أبيض، فكلا الحزبين الذي يقودهما نتنياهو وبيني غانتس لم يستطيعا تحقيق الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، التي جرت إعادتها لـ 3 مرات متتالية دون نتيجة، مما دفع الفريقين لإيجاد قواسم مشتركة يمكن البناء عليها، إلا أن هذا التحالف لم يتمكن من حل الخلافات الحقيقية، وما هي إلى أيام قليلة حتى بدأ الشرخ يصبح أكثر وضوحاً، ويبدو أن انهيار هذا التحالف بات قريباً مما قد يقودنا إلى انتخابات رابعة، تكون كإعلان للعودة لنقطة الصفر التي حاولت النخب السياسية في الكيان إيهام الناس بتجاوزها.

المقومات التي يحتاجها الكيان

في العودة إلى البداية، وبالحديث عن المقومات التي احتاجها الكيان منذ نشأته للحفاظ على بقائه يمكننا حصرها بمجموعة من الشروط، أولها: دولة لها وزن كبير على مستوى العالم ترعى الكيان وتقدم التغطية السياسية والدعم الاقتصادي بشكلٍ مستمر. أما الشرط الثاني: فهو وجود توازن دولي يكون فيه لحلفاء الكيان الدوليين اليد الطولى، حيث لا يستطيع أحد مخالفتهم أو المساهمة بإدارة «ملف القضية الفلسطينية». والشرط الثالث: هو انقسام الخصوم أو غياب إستراتيجية جامعة لمقاومة المشروع الصهيوني، وآخر هذه المقومات: هي وحدة الصف في داخل النخب الحاكمة التي تشكل مجتمعة قيادة موحدة تمشي باتجاه واحد. أما اليوم، وإن كنا لا نستطيع القول: إن هذه المقومات كانت دائماً حاضرة وبنفس الوقت، إلا أنها لم تغب كلها مرة واحدة كما يجري اليوم، فما يميز هذه الحقبة المفصلية هو اختلال كل المقومات السابقة وهذا ما يترك الكيان حائراً، فالطرق على اختلافها لن تفضي إلى مخرج.
الطريقة التي تدفع فيها الولايات المتحدة بنفسها بعيداً عن هذا الملف عبر طرحٍ يخالف الإرادة والقوانين الدولية، جعل انتقال هذا الملف إلى دولٍ أخرى كروسيا والصين مسألة وقت فحسب، وهذه الدول لا يناسبها وجود هذه المشكلة المشتعلة في هذا المكان الحساس، وإن كان الكيان يرى في الاضطرابات السياسية التي شهدتها المنطقة فرصة لتثبيت جذوره اللينة، لكن لا شك أنه يدرك اليوم أن الاحتمالات باتت تتجه نحو سناريوهات تخالف مصلحته، وهذا ما يفسر سلوكه اتجاه سورية ولبنان وإيران.
استمرار التصعيد الذي يقوم به الكيان اليوم لن يجرّ إلا مزيداً من رص صفوف كل المتضررين من هذا المشروع، لا في الإقليم فحسب، بل على المستوى الدولي، وإن كانت إعادة الانتخابات التشريعية لثلاث مرات على التوالي ممكنةً في الفترة السابقة، فهي لم تعد ممكنةً اليوم، بل سيجر الويلات ويقوض أعمدة النظام القائم حتى انهياره.

معلومات إضافية

العدد رقم:
976
آخر تعديل على الإثنين, 27 تموز/يوليو 2020 15:09