ليبيا: تصعيد جديد واحتواء روسي وغياب أمريكي
عاد التصعيد المصري- التركي للظهور خلال الأسبوعين الماضيين في الملف الليبي، ليصل ذروةً جديدة، ومع هذا التصعيد أيضاً اشتدت تحليلات «تؤكد» قيام حربٍ لا محالة، لكن ما لبثت أن عادت الأمور إلى هدوئها، وبرزت دعوات الدفع اتجاه التسوية السياسية بعد توسع الدور الروسي.
خطوة التصعيد الأولى
منذ الذروة السابقة في بداية هذا الشهر عمد طرفا الأزمة الليبية على حشد القوات العسكرية في محيط مدينة سرت الإستراتيجية، والنفطية. في الـ 15 منه، وأكد اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، بأن «الساعات المقبلة ستشهد معركة كبرى في محيط سرت والجفرة» ليكون هذا الإعلان لحظة بدء ذروة تصعيدٍ جديدة، حيث أضاف: إن المعركة «لن تكون ليبية فقط، وإنما ستدخل فيها أطراف عربية وأجنبية» بإشارة منه إلى مصر وفرنسا في مواجهة تركيا.
تأمين الغطاءات السياسية والقانونية
في اليوم نفسه، - صرّحت جامعة الدول العربية على لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط: إن موقفها يرفض «التدخلات التركية» في دعمٍ سياسي لمصر- وقد نشرت وسائل إعلام مصرية تقارير تفيد بنشر الجيش الوطني الليبي لمنظومات دفاع «إس-300» الممتلكة من قبل مصر في الأراضي الليبية، مما شكل إشارة أعلى في جدية الردع المصري على محاولات دخول قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى سرت والسيطرة عليها. - وأجرى الرئيسان المصري والفرنسي اتصالاً هاتفياً بحثا خلاله الملف الليبي، حيث أشاد ماكرون بالتحركات المصرية الأخيرة، مما يُعطي إشارة إلى تعاون الدولتين في جبهة واحدة.
في اليوم التالي، 16 من الشهر وما تلاه، كان النشاط المصري يحشد جميع الغطاءات المحلية والإقليمية والقانونية لتدخّل جيشه، ليجتمع الرئيسان عبد الفتاح السيسي مع مشايخ القبائل الليبية، حيث أعلن الأخيران خلال اللقاء عن «كامل تفويضهم للرئيس المصري والقوات المسلحة المصرية للتدخل لحماية السيادة الليبية»، ويصرّح السيسي خلاله بأن الدخول المصري «سيغير المشهد بشكلٍ سريع وحاسم».
بهذه الأثناء طالبت حكومة الوفاق الوطني الليبية بعقد جلسة لمجلس الأمن الدولي وفقاً لما صرّح به الناطق باسم وزارة خارجيتها، محمد القبلاوي، حيث قدمت طلباً رسمياً بذلك إلى رئاسة مجلس الأمن دون أن تلقى رداً حتى الآن.
وفي 18 من الشهر أصدر كلٌّ من رؤساء ألمانيا وإيطاليا وفرنسا بياناً مشتركاً بأن هذه البلاد مستعدة لفرض عقوبات على منتهكي حظر السلاح في ليبيا، وجاء فيه «نحث جميع الأطراف الخارجية على إنهاء تدخلها المتزايد في ليبيا» بإشارة إلى النشاط التركي.
في 19 اجتمع الرئيس المصري مع مجلس الدفاع الوطني لبحث الأوضاع العسكرية، بحضور شخصيات، مثل: وزير الدفاع ورئيس أركان القوات المسلحة ورئيس المخابرات العامة وقائد البحرية والجوية إلخ.. وكان لإشارة الإعلان عن هذا اجتماع أيضاً تأكيدٌ لا يقل أهميةً عن نشر اس-300 في جدية الإرادة المصرية.
وأخيراً، أعلن البرلمان المصري في يوم الاثنين 20 من هذا الشهر عن تفويضه وموافقته على تدخل القوات المسلحة المصرية لحماية الأمن القومي المصري، بعد اجتماع سريّ أجراه بناء على طلب من مجلس الدفاع، بالموافقة على التدخل العسكري في ليبيا، لتكتمل كل الإجراءات اللازمة قبل التنفيذ.
التهدئة التركية والأوروبية
قبل يوم من إعلان البرلمان المصري، أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، بأن بلاده ليست مع التصعيد الجاري، حيث قال: «لسنا مع تصعيد التوتر في ليبيا. ليست لدينا أية خطة أو نية أو تفكير لمجابهة أية دولة هناك»، مضيفاً بحديث آخر: «نحن لا نسعى إلى نيل التقديرات، بل إلى حل الأزمة، ودفع العملية السياسية، وفق قواعد الأمم المتحدة، ومخرجات مؤتمر برلين».
وفي اليوم التالي من إعلان البرلمان المصري، أدلى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بأن «الحل الوحيد في ليبيا سياسي، وكل من اختار الحل العسكري حتى اليوم مني بالهزيمة».
وأصدر الاتحاد الأوروبي بياناً يؤكد من خلاله قلقه من التهديدات بالتدخل في الشأن الليبي جاء فيه «يجب أن تتوقف دعوات الجهات الفاعلة الإقليمية في الصراع الليبي من أجل التحرك.. إن التهديدات باللجوء إلى التدخل العسكري خطيرة... الرد الوحيد الكافي لصالح ليبيا والمنطقة بأسرها هو تكثيف الجهود الجماعية لإيجاد حل سياسي من خلال المفاوضات».
النشاط الروسي
خلف هذه التهدئة من قِبل جميع الأطراف، كان النشاط الروسي في أعلى مستوى له حتى الآن بما يتعلق بالأزمة الليبية.
في 15 بحث الرئيس الروسي بوتين مع آل نهيان ولي عهد أبو ظبي تطورات الوضع في ليبيا، وأكدا فيه أهمية الحوار وتوحيد الجهود الدولية من أجل التوصل لتسوية سياسية.
وفي اليوم نفسه، أجرى بوتين اتصالاً آخر مع المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل لبحث التطورات الليبية، حيث أكدوا عبر بيان الكرملين عن موقف مشترك بضرورة تجاوز الأزمة الليبية بالأساليب السياسية حصراً، وإطلاق حوار ليبي- ليبي بالتوافق مع مخرجات مؤتمر برلين وقرار مجلس الأمن الدولي 2510.
في 16 الشهر بعد ظهور موجة التصعيد الجديدة صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بأن غياب السلام المستدام في ليبيا سيجلب مزيداً من الدمار إلى هذه البلاد.
وفي 21 أجتمع وزير الخارجية سيرغي لافروف مع نظيره المصري سامح شكري ليؤكد الطرفان عبر بيان صدر عن الخارجية الروسية، بأنه لا يوجد حل بديل للوضع في ليبيا إلا من خلال المفاوضات استناداً لمؤتمر برلين والقرار الدولي 2510 أيضاً.
اتفاق روسي- تركي
وصولاً إلى 22، حيث أجرت روسيا وتركيا مشاورات رفيعة المستوى بشأن ليبيا انتهت بصدور بيان مشترك من وزارتي خارجية البلدين فيه ما يلي: 1- مواصلة الجهود المشتركة بهدف تهيئة الظروف لإحلال وقف طويل الأمد ومستدام لإطلاق النار. 2- الإسهام في دفع الحوار السياسي الليبي- الليبي بالتنسيق مع الأمم المتحدة. 3- حث أطراف النزاع على تأمين وضمان الوصول الإنساني والمساعدات العاجلة. 4- النظر في إنشاء مجموعة عمل روسية- تركية مشتركة بشأن ليبيا.
من الجدير بالذكر، أن النشاط الأمريكي «الرسمي والمعلن» خلال هذه الموجة كلها، اقتصر على لقاء جمع ترامب وماكرون في 20 من الشهر، وجاء في بيان البيت الأبيض، بأن الصراع بين حكومة الوفاق في طرابلس وقوات الجيش الوطني الليبي «قد تفاقم بدخول قوى أجنبية وأسلحة».
على الرغم من أن الملف الليبي لم يشهد حتى اللحظة انطلاقاً للعملية السياسية، إلا أن ما يجري هو محاولة لاحتواء النزاع في محاولة لضبطه ضمن الحدود التي لا تتسبب في إفشال العملية السياسية، فامتداد الصراع العسكري ودخول دول جديدة على الساحة سيزيد من تعقيد الأمور، وسيشكل عائقاً جدياً أمام الطريق الآخر الذي يضمن وحده حلاً لهذه الأزمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 976