خسارة ترامب لا تعني العودة بالزمن إلى الوراء!

خسارة ترامب لا تعني العودة بالزمن إلى الوراء!

تنقسم الآراء التي تحاول فهم «التحول المفاجئ» في السلوك الأمريكي، فترى فرقة من المحللين أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان عرّاب هذا التحول، وأن رغبته الشخصية، أو رغبة «حاشيته» المقربة، هي المدخل الوحيد لتفسير هذا السلوك.

في تصريحاتٍ جديدة أدلى بها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، حذّر بلاده ودول أوروبا من التوهم بأن خسارة دونالد ترامب في الانتخابات القادمة سيرافقها تغيير في السياسية الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وأكد ماس أن «السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة تغيرت، وليس فقط منذ أن أصبح ترامب رئيساً»، وبغض النظر عن الأسباب التي يعتقد ماس أنها السبب وراء هذا التحول، إلا أنه ينطلق من كونه واقعاً، ويطالب وزير الخارجية الألماني أوروبا بأن تعزز النظر مستقبلاً فيما يمكن أن تفعله من أجل أمنها بشكلٍ منفصل عن الولايات المتحدة.
هذه الكلمات القليلة، وبعيداً عن الغلاف الدبلوماسي السميك الذي غلّفت به، إلّا أنها تقطع شوطاً كبيراً في فهم المستقبل، فكان يجري إيهام الجميع بما فيهم الشارع المنتفض داخل الولايات المتحدة، أن ترامب كان ينفذ أجندته الخاصة، والتي أثبت الأيام عدم صلاحيتها، وعليه فإن فوز بايدين– من وجهة نظرهم إن حصل– سينتج تغيراً جذرياً في هذه السياسية.

ليست قراراً رئاسياً!

الدور الذي لعبته أمريكا على مستوى العالم لم يكن مرسوماً رئاسياً صاغه أيٌ من الرؤساء الأمريكيين السابقين، لذلك لا يستطيع ترامب أو غيره إلغاءه بمرسوم معاكس، إنما كان هذا الدور معبراً عن وزن أمريكي استطاعت «الإدارات» السابقة إيجاد معادلات له، واستغلاله لمصلحة نخب المال، ففرض الدولار كعملة عالمية مثلاً- ورغم جنونية الفكرة- كان ممكناً في تلك الفترة، وهذا ما أثبته الواقع الذي إن تغيير لن يعود ممكناً فرض الدولار، حتى وإن أجمع الرئيس الأمريكي وكل الرؤساء الأمريكان من قبورهم على ذلك.
المشكلة الأخرى، وهي وإن افترضنا أن لدى بايدين برنامجاً يختلف جذرياً عن برنامج ترامب، فلنا الحق أن نسأل إن كان ترامب نفسه استطاع تحقيق برنامجه كما يشاء؟ فالنظام الأمريكي لم يعد قادراً على المضي باتجاه محدد بل يمضي باتجاهات متعاكسة تكون محصلتها صفرية في الكثير من الأحيان.
فآمال البعض بتحول السياسية الأمريكية الخارجية، إن خسر ترامب الانتخابات، هي آمالٌ بنيت على باطلٍ، فهي تحتاج قبل أي شيء أن نعيد العالم عقدين من الزمن إلى الوراء، وأن نعيد الزراعة والصناعة الصينية المتطورة إلى مرحلة أكثر تخلفاً، وأن نفكك الاتحاد الروسي ونلقي بكل إنجازاتهم العسكرية والتكنولوجية في البحر، وأن نعيد رسم صورة للعالم لم تعد موجودة، صورة لا تستطيع فيها ناقلات نفطٍ إيرانية أن تتحدى عقوبات أمريكية، وتبحر في المحيط الأطلسي، وترسو على شواطئ أمريكا الجنوبية، لتقدم يد العون لأعداء أمريكا هناك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
976
آخر تعديل على الإثنين, 27 تموز/يوليو 2020 15:11