«RIC» تحالفٌ واعد يكبر بلا ضجيج

«RIC» تحالفٌ واعد يكبر بلا ضجيج

شكّلت العلاقة الثلاثية بين الصين وروسيا والهند علامة فارقة، فالدول الثلاث تشكل مزيجاً فريداً ومتكاملاً يمكن اعتباره نموذجياً لبناء علاقات استراتيجية حقيقية، وفي الوقت الذي تحاول الدول العظمى في العالم ووسائل الإعلام «غض البصر» عن اللقاءات الثلاثية التي تجري في الآونة الأخيرة، إلا أن نتائجها لن تبقى في الظل طويلاً.

بعد التصعيد الحدودي الدموي الذي جرى في منطقة جبال الهيملايا أواسط شهر حزيران الجاري، في نقطة ساخنة على الحدود بين الهند والصين، شهد الأسبوع المنصرم قمة ثلاثية افتراضية جمعت روسيا والصين والهند على مستوى وزراء الخارجية، بدعوة من روسيا الاتحادية، وجرى الجزء الأساسي من هذا الاجتماع بعيداً عن وسائل الإعلام التي يبدو أنها ترغب في تجاهل الحدث أساساً، بمقابل تركيز أكبر على مواضع الخلاف، فكانت حصة الفيديو الذي يصور عراكاً للجنودٍ من الجيشين الصيني والهندي أكبر من حصة اللقاء المهم لهذه الدول المؤثرة، أو الكلمات القليلة المؤثرة التي خرجت من قاعة المؤتمر.

وساطةً أم أكثر من ذلك؟

كغيرها من الملفات الدولية الشائكة، يشكل الخلاف الصيني الهندي موضوعاً للاستثمار السياسي، فقد حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر شهر أيار الماضي عرض خدمات بلاده للعب دور الوسيط بين البلدين، وقال ترامب في تغريدة على موقع «تويتر»: «.. الولايات المتحدة جاهزة ومستعدة وقادرة على القيام بوساطة أو لعب دور الحكم في الخلاف الحدودي المشتعل حالياً بينهما»، إلا أن العرض قابله رفضٌ حاسم من البلدين، وإن كان من المتوقع أن ترفض الصين هذه الوساطة، إلا أن موقف الهند الرافض كان أكثر وضوحاً، وجاءت تصريحات وزير الدفاع الهندي الذي أعلن رفض بلاده التدخل الأمريكي، مؤكداً أن البلدين قادران على حل خلافاتهم عبر المحادثات الثنائية، مضيفاً: أنه أبلغ نظيره الأمريكي برغبة الهند بحل الخلاف دون وساطة طرفٍ ثالث، ويشكّل الموقف الهندي هذا ملمحاً جديداً في سلوك نيودليهي مع واشنطن، التي كانت تستثمر علاقتها مع الهند لمحاولة تكبيل الصين، وإيجاد حاضنة للمخططات الأمريكية في آسيا. وعلى الرغم من أنه لا يمكننا القول– إذا ما نظرنا إلى المعطيات كلها– بأن الهند انعطفت في علاقاتها مع الولايات المتحدة، إلا أنها باتت تتأثر بشكل كبير بالتغيرات الجارية في العالم، وإن كانت بعض الدول استطاعت أن تبتعد عن الولايات المتحدة بشكل أسرع، تعاني الهند من تركيبة غير متجانسة في نظامها الحاكم تجعل من حركتها أكثر بطئاً.
ترى موسكو بالتأكيد الخلاف الصيني الهندي، ويشكل بالنسبة لها عامل قلق حتى وإن لم تر فيه خطراً حقيقياً، إلا أن ما تحاول موسكو فعله هو أكبر من لعب دور الوسيط، لا لأنها تملك عصاً سحرية! بل لأنها تعلم النتائج الإيجابية لتقارب الدول الثلاث فيما بينها.

«RIC» ما الذي يجري تداوله؟

حملت التصريحات التي أدلى بها المشاركون في قمة «RIC» (روسيا والهند والصين)، الكثير من الرسائل إلى العالم، فعلى الرغم من التوتر الحدودي إلى أن اللقاء تناول مجموعة واسعة من القضايا، ولا بد لنا من الوقوف قليلاً عند بعض هذه التصريحات قبل الوصول إلى نتائج أولية لهذا اللقاء.
تحدث وزير الخاريجية الروسي سيرغي لافروف حول الخلاف الحدودي الجاري، معتبراً أن «بكين ونيودلهي لا تحتاجان إلى مساعدة خارجية لتسوية خلافاتهما» مؤكداً: أن بلاده لا تحاول مساعدة الهند والصين لتطوير علاقاتهما الثنائية، بل إنها ترى أنهما يملكان كل الفرص لمعالجة وحل المشاكل فيما بينهما، بالوقت الذي يرى فيه لافروف: «الاستخدام اللاحق لإمكاناتنا وإمكانات دولنا الثلاث، سيستمر في لعب دور مهم في تحقيق الاستقرار في الشؤون العالمية، وسيظل يساعد المجتمع الدولي بأسره في الحل الفعال للعديد من المشاكل الملحة في عصرنا».
في دوره أوضح وانغ يي، عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني، أن على الصين والهند وروسيا «الالتزام بالحفاظ على النظام الدولي، وفي القلب منه الأمم المتحدة، وعليها الحفاظ على النظام الدولي على أساس القوانين الدولية، ودعم التعددية لتعزيز وتحسين الحوكمة العالمية»، وأضاف يي: أن الدول الثلاث تعتبر «دول رئيسية تلتزم بالاستقلال الاستراتيجي، وعليها أن تدرك تماماً الوضع العام للتعاون الذي هم شركاء فيه، وأن توفر الفرص لبعضها البعض، وأن تتخذ إجراءات من منظور مساعدة البلدان الثلاثة على تحقيق التنمية وتجديد شباب الأمم وحماية السلام والتنمية على الصعيد العالمي»، وأنه ينبغي حسب تعبيره، معالجة العوامل الحساسة في العلاقات الثنائية والتعامل معها بشكل صحيح.
أما وزير الخارجية الهندي أيس. جايشانكر، فقد استغل الذكرى 75 للقضاء على الفاشية، ليذكر الصين وروسيا بأن 2,3 مليون جندي هندي كانوا سنداً حقيقياً للحلفاء في حربهم على دول المحور، وبأن قوات بلاده استطاعت الحفاظ على خطوط الإمداد الأساسية في جبال الهيمالايا، والممر الفارسي. واستنكر جايشانكر أن بلاده لم تلق التقدير والاعتراف اللازم على الرغم من دورها الفاعل لا في الحرب العالمية فقط، بل لما تشكله من وزنٍ ملحوظ في الاقتصاد العالمي، والذي لم تجر ترجمته على شكل وزن سياسي موازٍ كمجلس الأمن مثلاً.

الخلافات موجودة

العلاقات الروسية الهندية التي تعود إلى زمنٍ بعيد، وإن لم تكن هذه العلاقات واضحة المعالم دائماً، إلا أنها تتجسد اليوم عبر شراكات اقتصادية وعسكرية، يجري التركيز بشكل أكبر على صفقة منظومة الدفاع الروسية S-400 إلا أنها ورغم أهميتها إحدى مفردات هذا التعاون، فالشركات الهندية تستثمر في قطاعات الطاقة الروسية، وقد تضاعف حجم الاستثمار هذا بين عامي 2015 و2020، بالإضافة إلى الكثير من المصالح الاقتصادية التي تشكل مجتمعة أساساً لعلاقات استراتيجية، وهذا هو حال العلاقات الصينية الروسية التي تعد علاقات مصلحة شديدة التشابك، ولا يمكن فصلها بسهولة، ويجمعها اليوم العمل الدؤوب على إزاحة الدولار والاعتماد على خيارات بديلة، ولكي تزداد سرعة التحولات الجارية لابد للهند من أن تكون مشاركاً فعالاً في هذا التحالف، فبمقدور هذه الدول الثلاث تغيير المعادلة في آسيا بشكل حاسم، وهو ما سيكون له أثرٌ على مستوى العالم كله، فإن كان لدى الهند طموحٌ مشروع بتجسيد وزنها البشري والاقتصادي على الساحة السياسية العالمية سيكون هذا «مهراً» ستسعد روسيا والصين لتقديمه بمقابل أن تكون الهند سنداً في قطع خيوط واشنطن

معلومات إضافية

العدد رقم:
972
آخر تعديل على الثلاثاء, 30 حزيران/يونيو 2020 02:30