الأمم المتحدة هي الضامن للتعددية في النظام الدولي الجديد

الأمم المتحدة هي الضامن للتعددية في النظام الدولي الجديد

أقام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ندوة عبر اتصال مرئي في «معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية» بتاريخ 27 نيسان، تحدث فيها عن رؤية الخارجية الروسية لمجمل التطورات الدولية، ومنها «الأمم المتحدة» التي كانت النقطة الأساس في حديثه.

ترجمة وإعداد: يزن بوظو

مع انتشار وباء فيروس كورونا المستجد عالمياً، والأزمة الاقتصادية، وحرب أسعار النفط مؤخراً، بالإضافة لما سبقهم من حروب عسكرية وكوارث اجتماعية أدت إلى مزيدٍ من الأزمات الإنسانية بكل مكان، بات الجميع يسأل: ما هو المستقبل؟ وهل يحمل حلاً لهذه المشاكل الناشئة وكيف سيكون ذلك؟.

المشاكل المشتركة تحتاج حلولاً وتعاوناً مشتركين

افتتح لافروف حديثه بالإشارة إلى أن «الاقتصاد العالمي قد تلقى ضربة قوية» ودون أن يُجَمّل الواقع بديباجات دبلوماسية، قال مباشرةً: بأن «علاجه سيحتاج وقتاً طويلاً»، ورغم صحة هذا القول بناء على معطيات اليوم، فإننا نضيف توضيحاً بأن زمن هذا العلاج، أياً يكن شكله، مرهونٌ ومتناسب مع مستوى النشاط الدولي فيه، وليس على المستوى الفردي بل الجماعي بنفس القدر، فكما قال أيضاً: بأن أزمة الوباء «قد أظهرت بشكل جليّ مدى ترابط واتصال جميع الدول، وجميع مجالات الحياة في عالم اليوم»، فإن حل هذه المشاكل لن يكون إلا بنفس الحجم والسياق:
«لقد حذرنا طويلاً من مخاطر التقليل من التهديدات العابرة للحدود وليس فقط الإرهاب الدولي، وأسلحة الدمار الشامل غير المسيطر عليها، والجرائم الإلكترونية، والأزمة البيئية، بل أيضاً الأوبئة... فحتى أكثر الناس تشدداً ينبغي عليهم أن يقتنعوا أن ليس باستطاعتهم صدها لوحدهم... فالدول التي قررت عزل نفسها عن بقية العالم قد عانت بنفس الدرجة... بات واضحاً بأن هناك مطالب كبيرة للعالم طلباً كبيراً في العالم بأن يعمل ويتضامن مع بعضه».
وحول سلوك بعض الدول الغربية: «من الطبيعي نحن نكره أن نرى محاولات مؤسفة لاستغلال الأزمة الراهنة بغاية تحقيق خطوات صغيرة وأنانية ولحظية... من المتناقض أن الدول التي تقدّم أنفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان، وأبطال الديمقراطية، تستخدم الأداة غير الشرعية المتمثلة بالعقوبات عبر التحايل على مجلس الأمن الدولي، ويسعون الآن إلى تسييس المساعدات الإنسانية أثناء الوباء... وأعني أولاً: تلك الدول التي تقع تحت العقوبات الأحادية، مثل: سورية وفنزويلا وكوريا الشمالية».

أهمية الأمم المتحدة والتعددية المتمثلة بها

نرى أنه من الخطير جداً استخدام الوضع الراهن للتقليل من أهمية مبادئ الأمم المتحدة ومجمل نظامها، التي عبر منظماتها تبقى الآلية الوحيدة للتعاون المتعدد، وهذا ينطبق بالكامل على أعمال منظمة الصحة العالمية، فنعتبر أن الهجوم ومحاولات إلقاء اللوم على هذه المنظمة يؤدي إلى نتائج عكسية، وغير عادل... فلنأمل أننا حينما نتعلم من دروس الأزمة الراهنة، سنتمكن من تقوية مركز الأمم المتحدة... ومن الواضح أن هناك منظمات أخرى، إلا أنها جميعاً تعمل وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ذاته، وسأذكر بالتحديد «مجموعة العشرين» التي تضم «مجموعة السبعة» و«بريكس» واقتصادات دولية كبيرة أخرى، إن إنشاء وعمل مجموعة العشرين هو في الحقيقة دليل على أن الدول الغربية الموجودة في مجموعة السبع لم تعد تسطيع وحدها التعامل مع المشاكل الدولية، أو أن تقدم حلولاً لها.
في هذا العام نحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين لعيد النصر في الحرب الوطنية العظمى، ومن المهم جداً اليوم ألاّ ننسى هذا الفعل البطولي... إن الذكرى الـ 75 لعيد النصر تتزامن مع الذكرى الـ 75 لولادة الأمم المتحدة، فقد كان ممكناً إنشاء هذه المنظمة بروح التعاون بين تحالف الأعضاء المناهضين لهتلر، واليوم، إن القوى الكبرى التي امتلكت مفتاح هزيمة النازية وإنشاء منظمة الأمم المتحدة تحمل مسؤولية خاصة، كما يوضح ميثاق الأمم المتحدة، ونحن مقتنعون بأن مساهمة الدول الأعضاء الخمسة الدائمين في هذه اللحظة الحرجة من التقدّم العالمي يرتبط بوضع الوجهة للتقدّم المقبل، لمرحلة ما بعد الأزمة.
فعموماً، بالحالة التي يعيشها العالم الآن وتغيراته التكتونية، فإن نماذج الأحادية أو الثنائية القطبية قد عفا عليها الزمن، ليتشكل نظام دولي متعدد المراكز، وإن هذه لمرحلة تاريخية طويلة، ولن تجري خلال شهر أو اثنين أو حتى سنة، إن هذه مرحلة يتغير فيها العالم، هذا العالم الذي كان يتطور وفقاً للنماذج الغربية لأكثر من خمسمئة عام، بينما الآن يجب الاعتماد على التنوع الثقافي والحضاري الأوسع وأخذه في الاعتبار بالسياسة العالمية، وبالنظر إلى دور الأعضاء الخمسة الدائمين، فقد قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق مبادرة لعقد قمة لرؤسائها، لمناقشة كامل المهام التي يجب معالجتها على أعلى مستوى في سياق تنفيذ مبادئ وأهداف الأمم المتحدة في ظروف اليوم، أولاً وقبل كل شيء: ضمان المساواة في السيادة بين الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك التسوية السلمية للصراعات والنزاعات.

المعركة المتشابهة

ذكر لافروف أثناء حديثه، وبعدة مواقع، ضرورة التخلي عن الخلافات الصغيرة بين الدول والتعاون لمواجهة عدوّ مشترك، كما جرى قبل 75 عاماً في مواجهة النازية، وذكر مثالاً عن ذلك حينما قال «بالحديث عن الحرب العالمية الثانية والحرب الوطنية العظمى، ففي أيار من عام 1943، وبمبادرة من الاتحاد السوفييتي، قررت الأممية الشيوعية أن توقف عملها، وقال جوزيف ستالين عبر مقابلة مع الإعلام الغربي في وقت لاحق بأن هذا كان فعلاً ضرورياً للقضاء على كل العقبات الإيديولوجية بطريق توحيد جهود القوى الكبرى في مواجهة النازية... إن هذا أحد الأمثلة التي خطرت لي الآن، إنها توضيحية للغاية وتساعدنا على فهم روح التعاون التي أدت إلى الانتصار خلال سنوات حربنا على العدو المشترك، وأعتقد إلى درجة كبيرة بأن التهديدات الحالية تتطلب إلى حد كبير نفس الوحدة».
فلاشة: إن نماذج الأحادية أو الثنائية القطبية قد عفا عليها الزمن ليتشكل نظام دولي متعدد المراكز وإن هذه لمرحلة تاريخية طويلة ولن تجري خلال شهر أو اثنين أو حتى سنة

اختتم وزير الخارجية الروسي ندوته بالقول:

«إن الحفاظ على السلام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة سكيون في الصدارة: التأكيد مجدداً على المساواة في السيادة بين الدول، واختيارها الحر لمستقبلها، واحترام التنوع الثقافي والحضاري للعالم الجديد، والحاجة إلى توحيد الجهود والارتقاء فوق الأشياء الثانوية، التي تشمل تجميع الاختلافات تقريباً، وأن نجمع جهودنا للتغلب على التحديات العالمية بما فيها تحديات مشابهة لفيروس كورونا».

معلومات إضافية

العدد رقم:
965
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:42