يزن بوظو يزن بوظو

الوحدة الفلسطينية ضرورة تاريخية

يعيش الكيان الصهيوني أزمة كبرى مرتبطة بالأزمة الأمريكية، وكما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ميزان القوى الدولي الجديد لا يتلاقى مع المصلحة الصهيونية، بل خلافاً لذلك، فإن تراجع المعسكر الغربي يجعل من أزمة الكيان أكبر وأشمل، مما يدفع الكيان ليكون أكثر تأثراً وهشاشةً اتجاه الضربات التي يتلقاها.

عانى الكيان من أزمة في تشكيل الحكومة دامت لأكثر من سنة، وفشل لـ 4 مرات على التوالي في تشكيلها رغم كل «المساعدات والهدايا» الأمريكية كـ «صفقة القرن»، إلى أن «تجاوز» الأمر مؤقتاً عبر تشكيل ما سُمي بحكومة «وحدة وطوارئ» بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، عبر تسليم رئاسة الوزراء للأول، وحقيبة وزارة الحرب للثاني لمدة 18 شهراً، ثم يصبح غانتس رئيساً للوزراء. وقد صادق الكنيست الصهيوني على تعديل قانوني يسمح بتشكيل حكومة التناوب هذه بين حزبي «الليكود» و«كاحول لافان».

الجوهر الصهيوني ذاته

إنّ هذا الاتفاق بين الحزبين، ليس حلاً لمشكلة الكيان، بل لا يتعدى أن يكون محاولة لتجاوز عقبة تشكيل الحكومة مؤقتاً بغاية تسيير الأعمال، وبمعنى آخر، فإن المشكلة السياسية الداخلية قد جرى دفنها مؤقتاً أمام الإعلام فقط، وسرعان ما سوف تعود للظهور بتفاعلاتها، ولا سيما أننا نتحدث عن «أزمة حكم» يعاني منها الكيان، وليس مجرد «مشكلة طارئة» في موضوع تأليف الحكومة.
ما يجمع هذه القوى الصهيونية أنها نشأت على أساس برامج حرب لا أكثر، وكان التوسع والصراع مع الجانب الفلسطيني ودول الجوار هو حجر الأساس في هذه البرامج
ففيما يجري تسويقه بأن نتنياهو والليكود، وباعتبارهم أقصى يمين ضمن التركيبة الصهيونية ومعاييرها، هم الأكثر فجاجةً، إلا أنهم لا يختلفون عن غانتس أو أية قوى أخرى سوى بطبيعة الخطاب الإعلامي والخطوات البرامجية الجزئية. وبمعنى آخر، فإن هذه القوى لا تختلف عن بعضها فيما يتعلق بالمسائل الخارجية والاحتلال ومجمل البنية الصهيونية، أما خلافاتها فتتعلق بمصالح ضيقة لكل فئة أو بخلافات تكتيكية تتعلق بالمشروع الصهيوني ذاته.

التصعيد كخطى استباقية

مع اشتداد الأزمة الأمريكية ومع الثقل الذي تتركه على الكيان الصهيوني، تزداد حاجة الأخير إلى فتح جبهات للحفاظ على نفسه ولاستثمارها داخلياً، لكن الوضع مختلف هذه المرة، فالتهديدات المحيطة باتت أكثر وضوحاً، وتبدو عناصر الهجوم المضاد قد اكتملت، فتأثيرات إعلان «صفقة القرن» على الشارع والقوى الفلسطينية قد دفعت باتجاه خطوات عملية وأولية نحو وحدة الصفّ الفلسطيني، وقد لاقت دعماً دولياً مباشراً ومن روسيا تحديداً، عبر العديد من الاجتماعات بين الخارجية الروسية والفصائل الفلسطينية والتي تكررت فيها جميعاً الدعوة نحو وحدة الصف، والمضي باتجاه تنفيذ القرارات الدولية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، ليبدأ الكيان فور إعلانه تشكيل الحكومة بخطوات تصعيدية استباقية ظهر منها حتى الآن الحديث عن ضم الضفة الغربية.
فبعد التلميح بهذا الأمر من قبل الكيان، أعطى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ضوءاً أخضراً لهذه الخطوة عبر تصريح له يفيد بأن هذا الفعل هو شأن «إسرائيلي»، ثم قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بأنهم «على استعداد للاعتراف بالإجراءات الإسرائيلية الرامية لبسط السيادة وتطبيق القانون على مناطق من الضفة الغربية».
إنّ المسألة بالنسبة للأمريكيين هنا تتلاقى مع المصلحة الصهيونية بوصفها تصعيداً سياسياً قد يؤدي لنشوء توترات جديدة في المنطقة، وفي القضية الفلسطينية، إلا أن ما يغفله أو يتجاهله الطرفان هو ما قد تحمله هذه الخطوات من تأثيرات معاكسة لأحلامهم.

ضرورة وحدة الصفّ

هذا التصعيد، وما قد يتلوه، سيولّد بطبيعة الحال ردود فعلٍ وخطوات تشابه ما جرى بعد إعلان «صفقة القرن»، بل وبما أنها تدور حول خطوات عملية مباشرة، ستكون هذه الردود والخطوات أقوى وأسرع، فهذه التهديدات تضع جميع القوى الفلسطينية أمام استحقاقات عالية للقيام بدورها الفعليّ، وضمن موازين القوى الجارية وتطورها، فإن ما تفرضه الظروف الموضوعية أولاً الآن هو إنجاز وحدة الصفّ الفلسطيني والدفع في اتجاه تطبيق القرارات الدولية التي أُجهِض تطبيقها سابقاً بفعل الوزن الأمريكي عالمياً.
إن وضع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة المتأزم والضعيف، يُعطي فرصة تاريخية للفلسطينيين للقيام بضربات كبرى موجعة، مما سيسمح بتعزيز مواقعهم وتغيير قواعد اللعبة بشكل جذري، إلا أن هذا التحول مشروط بجاهزية العامل الذاتي للقوى الفلسطينية الموجودة اليوم لتلبية هذه الضرورة، عبر التكيّف مع التطورات والظروف الجديدة، ولعلّ الخطوة الأولى المذكورة سابقاً هي الأصعب الآن، إلا أنها تسير نحو تنفيذها كما تبين من الإشارات الصادرة من مختلف القوى الفلسطينية في الفترة الماضية، عبر الاجتماعات والنداءات نحو إقامة شكل جامعٍ وموحد للقوى الفلسطينية، بصرف النظر عن اسمه الشكليّ.
وبالحديث عن تطبيق القرارات الدولية، هنالك نقطة لا ينبغي إغفالها أبداً، وهي أن النقاش في مسألة «حل الدولتين» لا ينبغي اعتباره مكافئاً لـ«التعايش مع الاحتلال»، وهو ما تحاول بعض القوى في منطقتنا الترويج له بهذه الطريقة أو تلك، بل ينبغي التأكيد على أن الظرف الحالي (وسمته الأساسية تراجع الوزن الأمريكي وصعود القوى المناوئة له) بات يسمح للشعب الفلسطيني بتثمير نضالاته سياسياً، وتمكين نفسه لاستعادة حقوقه كلها، وهذا الحديث إن كان يتم اعتباره سابقاً نوعاً من الأحلام، فإنه اليوم واقعياً بشكلٍ لا يقبل الجدل.
إن خيارات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني محدودة، فالولايات المتحدة تنسحب من المنطقة بشكل متسارع، وتحاول أن تدفع الكيان لمزيد من التصعيد، علّه يستطيع سكب كمية أكبر من الزيت فوق النار المشتعلة في الإقليم، لكن الوقائع الجديدة تشير إلى أن كل تصعيد أمريكي في المنطقة يليه انسحابٌ أسرع وأوسع، وهذا هو مصير الكيان الصهيوني أيضاً، فتراجع وزن الغرب على الساحة الدولية يعني أفقاً أوسع للشعب الفلسطيني وطموحاته وحقوقه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
964
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:47