«قطاع الصحة» بين معسكرين... كيف تدار الأزمة؟
جنى أمين جنى أمين

«قطاع الصحة» بين معسكرين... كيف تدار الأزمة؟

عادت المقارنة بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي إلى الواجهة وبقوة، ذلك لأن «أزمة الصحة» التي يشهدها العالم اليوم وضعت النموذجين في اختبار حقيقي وسيكون لنتائجه بلا شك أثرٌ كبير في سير الأحداث في المستقبل القريب.

نشرت الجريدة الماركسية الهندية «ديموقراطية الشعوب»، مقالاً بعنوان «الرأسمالية والاشتراكية وجائحة كورونا»، تحاول الجريدة الأسبوعية من خلاله تقديم مقارنة أولية بين تعامل الحكومات الرأسمالية مع الجائحة من جهة، في مقابل الحكومات التي لم تسلّم قطاعها الصحي للشركات الخاصة التي تبحث عن الربح من جهة أخرى، وتحديداً في كوبا والصين، ويشير المقال إلى تجربة مقاطعة كيرلا في الهند التي يحكمها الحزب الشيوعي الهندي، وتقدم المقاطعة حسب المقال نموذجاً أفضل بمراحل من بقية أنحاء الهند. ويصل تعداد سكان المقاطعة الهندية إلى أكثر من 34 مليون، وسجلت 400 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا ما يشكل 2% من إجمالي الإصابات في البلاد.
فيما يلي نص المقال كما جاء في الجريدة الهندية:

استجابة الرأسمالية للجائحة

لقد ساعد هذا الفيروس الصغير القاتل على إظهار الاختلافات من جديد بين كلٍ من الرأسمالية والاشتراكية، ولكن هذه المرة من بوابة التعامل مع هذا الوباء. فمن جهة، نجد داخل رأس الهرم الإمبريالي العالمي المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية المؤسسات والشركات الخاصة تسيطر على القطاع الصحي لتحوله إلى قطاع ربحي، وجاءت الأحداث الحالية لتظهر مدى رداءته في التعامل مع هذا الوباء المستجد، تجلى ذلك في نقص عدد الأسرة في المستشفيات ووحدات العناية المركزة بالإضافة إلى نقص أجهزة التنفس الإصطناعي، وقلة معدات الوقاية الطبية. حتى في الأحوال الطبيعية، فإن الرعاية الصحية هناك باهظة الثمن ولا يمكن للملايين تحمل نفقاتها، ما يعكس بوضوح التفاوت الطبقي الشاسع في المجتمع الأمريكي، الذي يحظى أغنياؤه بأفضل الخدمات الطبية والدوائية.
على عكس الولايات المتحدة الأمريكية كان للبلدان الرأسمالية المتقدمة الأخرى قطاع عام صحيّ أفضل وأكثر كفاءة نسبياً، إلاّ أن السياسات الليبرالية الجديدة مع سنوات من التقشف في الإنفاق على هذا القطاع أدت إلى إضعافه وتآكل بنيته. لقد عانت هيئة الخدمات الصحية الوطنية «NHS» في المملكة المتحدة من نقص التمويل والخصخصة؛ وكذا هو الحال لدى القطاع العام الصحي في إيطاليا. ولهذا يشهد مواطنو هذه البلدان في الأزمة الحالية مدى حمق تلك الإجراءات التي أدت إلى تقويض النظام العام الصحي بشكل صارخ.

كوبا والصين في المقدمة

على النقيض تماماً، نجد أن الجزيرة الكوبية، وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية والحصار الإقتصادي، اعتمدت على جهودها ومواردها الخاصة في بناء نظام صحي نموذجي يحتذى به، هدفه خدمة الناس بشكل مجاني أو مع رسوم رمزية. كما طورت كوبا من صناعاتها الدوائية معتمدةً على التكنولوجيا الحيوية، هذا فضلاً عن البعثات الطبية الكوبية المُسخّرة لخدمة الشرائح الأكثر فقراً من شعوب بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي وإفريقيا. وكما شهدنا مؤخراً إرسال الكوادر الطبية والعاملين في القطاع الصحي الكوبي إلى كلٍ من إيطاليا وفنزويلا وأربع دول كاريبية أخرى للمساعدة في أزمة فايروس كوفيد-19. إن هذه المؤشرات في القطاع الصحي الكوبي ما كانت لتتحقق لولا وجود نظامٍ اشتراكي وفّر مجانية التعليم، وحافظ على استقرار الأمن الغذائي والسكني، ناهيك عن التغيرات الكبيرة والمهمة في قضايا المرأة.
في الصين أيضاً اتُخذت جهود جبارة ووُضعت الموارد والإمكانيات الطبية على أهبة الإستعداد لاحتواء الفيروس في مدينة ووهان ومقاطعة هوبي والحد من انتشاره، حيث وصف التقرير المشترك لمنظمة الصحة العالمية والصين هذه الإجراءات بأنها «الأكثر جرأة وفرادة في احتواء الأمراض عبر التاريخ». تمكنت الصين من هذا الإنجاز بسبب نظامها الصحي العام والقوي. في عام 2009 نشرت الحكومة الصينية وثيقة رسمية حملت عنوان «آراء بشأن تعميق تحديث النظام الصحي» الذي شمل التزاماً سياسياً حمل على عاتقه إنشاء نظام صحي قوي وفعال، وبمتناول الجميع بأسعار معقولة قادر على تغطية حاجات جميع المواطنين بحلول عام 2020. إن التقدم الذي جرى تحقيقه في هذا الإطار هو أمرٌ جليّ وواضح. في عام 2017 حقق إجمالي الإنفاق في القطاع الصحي نمواً من 5% إلى 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي. كما وشهد العام ذاته على انخفاض معدل الإنفاق الشخصي من إجمالي الإنفاق الصحي إلى 29%، بالإضافة إلى أن نسبة 82% من إجمالي المرضى استفادوا من خدمات القطاع العام الصحي. تمتلك الصين صناعة دوائية عملاقة تزود شركات الأدوية حول العالم بالمواد والكواشف الكيميائية اللازمة في الصناعات الدوائية. كل هذه الإنجازات آنفة الذكر تم تحقيقها من خلال اتباع نمط التخطيط الممنهج مع تنمية القطاع العام البعيد كل البعد عن الربح.

الهند والقطاع الصحي

بالمقارنة، فإن لدى الهند نظاماً صحياً هو الأسوأ والأكثر خصخصة في العالم، حيث يبلغ الإنفاق العام على القطاع الصحي 1% من الناتج المحلي الإجمالي. ويشكل الإنفاق الشخصي على القطاع الصحي ما يقارب الـ70% من الإنفاق الإجمالي، وتتم رعاية 44% فقط من المرضى في مستشفيات القطاع العام. وباستثناء مراكز الطوارئ الطبية الحكومية، فإن القطاع الصحي ليس قادراً على تلبية حاجة الشعب الهندي.
الحالة الاستثنائية في اللوحة السابقة هي مقاطعة كيرالا التي نالت التقدير الكبير للإجراءات السريعة والناجعة التي اتبعتها في محاربة وباء كورونا، يرجع هذا إلى القطاع العام الصحي الذي جرى تطويره وتحديثه وإعادة هيكلته عبر عقود في ظل حكومة جبهة اليسار الديموقراطي «LDF» حيث جرى تحويل المستوصفات إلى عيادات، وتم تجهيز الأسرة بشكل جيد بالمعدات والطواقم الطبية. كما جرى تحديث المستشفيات وتدريب العاملين فيها على أحسن وجه. إن المؤشرات الصحية المبهرة في مقاطعة كيرالا هي نتاج النهج الاشتراكي الذي اتبعته حكومة جبهة اليسار الديموقراطي، والتي تتجلى ثمارها أيضاً في قطاعات الأمن الغذائي والتعليم والسكن والصرف الصحي.
لقد أظهر الوباء الحالي بشكل لا لبس فيه مدى الآثار السيئة للنظام الرأسمالي على صحة الشعوب، وبالمقابل يثبت النهج الاشتراكي جدارته في مواجهة الأزمات. وعلينا في المستقبل الاستفادة من تجربة المواجهة مع وباء كورونا في النضال من أجل تحقيق تغييرات جذرية اقتصادية اجتماعية في بنية مجتمعاتنا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
962
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:51