الدول الاسكندنافية «الهرمة» ... ماذا تفعل لمواطنيها؟
رشا النجار رشا النجار

الدول الاسكندنافية «الهرمة» ... ماذا تفعل لمواطنيها؟

تدل المؤشرات اليوم إلى أن كبار السن سيكونون في وضعٍ صعب في مواجهة وباء فيروس كورونا، وهذا يضع «الدول الهرمة» أمام تحدٍ صعب للحفاظ على أرواح النسبة الأكبر من مواطنيها، ومن المستغرب أنّ المعطيات في دول الرفاه الاجتماعي لا تدل على إجراءات من نوعٍ خاص، بل بعضها لا يلتزم حتى بإجراءات الحدّ الأدنى!

على الرغم من أنّ فيروس كورونا لم يشكل إلى الآن مشكلة حقيقية في عدد من دول أوروبا إلاّ أن الشكل الذي تُدار به هذه الأزمة سيفجر الأوضاع قريباً.


سبب «الرفاه» الاسكندنافي
يطلق مصطلح «دول الرفاهية الحديثة» على تلك الدول التي تكون فيها الحقوق الاجتماعية مصحوبة بالحقوق المدنية والسياسية، أي وجود مستوىً جيداً من الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، وقد نشأت هذه الدول في ثلاثينيات القرن العشرين لسبيين أساسيين، الأول: هو النضالات التي قادها عمّال تلك الدول سعياً للحصول على حقوقهم، والسبب الثاني والأهم: هو وجود النموذج المنافس: الاتحاد السوفييتي، حيث بوجود نموذج بديل عن الرأسمالية كان لا بدّ من إيجاد أنظمة قادرة على تحقيق مستوى جيّداً من المعيشة لشعوبها، لدرء شبح «الاشتراكية» عنها قدر الإمكان، معتمدةً في ذلك على العلاقة غير المتكافئة مع دول العالم الفقيرة التي أمّنت عبرها فائضاً دون المساس بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. ولكن الوباء الحالي الذي يعصف بالعالم كلّه يضع هذه الدول على المحكّ في اختبار لقياس إمكانية الأنظمة الصحية لديها على استيعاب الكارثة، ولا سيّما في ظلّ الإجراءات المتأخرة التي اتخذتها حكومات هذه الدول.


السويد... و«النموذج المتراخي»
حظيت السويد على وجه التحديد باهتمامٍ إعلامي كبير، بعد أن سلكت طريقاً مختلفاً في اتخاذ الإجراءات مقارنةً مع غيرها، ففي الوقت الذي أغلقت فيه الدانمارك والنرويج حدودهما ومطاعمهما ومنحدرات التزلج وأخبرا جميع الطلاب بالبقاء في منازلهم هذا الشهر، أغلقت السويد فقط مدارسها الثانوية وكلياتها، وأبقت مدارسها الابتدائية، وحاناتها، ومطاعمها وحدودها مفتوحة، ولم تضع أية قيود على منحدرات التزلج لديها، وللسخرية فقد كان الإجراء الأكثر صرامة لديها هو عدم السماح بالتجمّع لأكثر من 50 شخصاً! وذلك طبعاً بعد أن كان الرقم هو 500 شخص، ولكن تزايد عدد الإصابات أجبر الحكومة على التقليل من هذا العدد.


احتمال حدوث «العاصفة»!
بلغَ عدد الحالات في السويد حتى لحظة كتابة هذا المقال ما يقارب الـ 6500 مصاب و370 وفاة (أي نسبة وفيات 5.6%)، في حين سجّلت النرويج 5500 مصاب منهم 62 حالة وفاة (بنسبة وفيات 1%)، وكان العدد الأقل في الدانمارك حيث سجلت حوالي 4000 مصاب بينهم 161 حالة وفاة (بنسبة وفيات 4%). وقد أثارَت هذه الأرقام جدلاً حول فعّالية الطريقة التي اتّبعتها السويد في التعامل مع الفيروس، وبحسب عالم الأوبئة أندرس تيجنيل في وكالة الصحة العامة في البلاد فقد لوحظ منحنىً مسطحاً نسبياً لعدد الإصابات خلال الأسابيع الماضية، إلاّ أنها تشهد الآن «منحنى حاداً إلى حدّ ما»، الأمر الذي يشير إلى أنّه من الصعب بقاء الوضع على حاله في ظلّ «الرخاوة» المتبّعة من قبل الحكومة السويدية تجاه الفيروس، ما يزيد أيضاً من احتمال حدوث «عاصفة من حالات COVID-19». وما قد يزيدُ الطين بلّة هو النقص في المعدّات، والذي صرّحت عنه خدمات الرعاية الصحية مطمئنةً السكان بأنه «حتى الآن لم يتم تجاوزها كما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا».


«لا حاجة لكبار السّن»؟!
هذه الإجراءات المتأخرة أدّت إلى تزايد في انتشار الفيروس في دور المسنين، وفق ما أفادَ به بعض العاملين والممرضين في المستشفيات ودور التمريض السويدية، وذلك بالتزامن مع نقص المعدات الوقائية مثل: الأقنعة.

إذا كان وسطي العمر المرتفع يعدّ أحد المقاييس الأساسية للرفاه الاجتماعي فهذا يفترض سياسة مختلفة، وإن الترويج بشكل وقح لفكرة موت كبار السّن على أنها فكرة طبيعية ومستساغة ويجب تقبّلها يتناقض مع فكرة الرفاه، وهذا ما يجري تطبيقه في هذه الدول اليوم، حيثُ «لا بأس من موت كبار السن الذين يشكّلون عبئاً على الميزانيات، فهم لا يعملون والدولة مضطرة لتقديم الضمانات لهم» وفي ذلك جور عظيم لحقوقهم بصفتهم أحد أسباب هذا الرفاه.

قد يستغرب البعض هذا السيناريو، ولكن ليس مستبعداً قيام تلك الحكومات بتطبيقه، ففي مؤتمر صحفي عُقد هذا الأسبوع، طُرحت على رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوففين أسئلة حول ما إذا كان العدد المتزايد للحالات في دور رعاية المسنين في السويد دليلاً على استراتيجية فاشلة، وكان جوابه:«لا أعتقد إنها علامة على ذلك، هذا ما تبدو عليه الأمور في جميع أنحاء أوروبا، لقد قلنا طوال الوقت: إن الأمور ستزداد سوءاً قبل أن تتحسن».

هل تشهدُ دول الرفاه الاجتماعي تراجعاً في مستوى الرفاه؟
الإجابة عن هذا السؤال تحتاج للنظر فيما هو أعمق من أزمة الفيروس المستجد، وإن كانت الأخيرة قد أضفت على السطح بعضاً من عيوب هذه الأنظمة - وهذا ما بدأ مواطنو تلك الدول يستشعرونه بقوة – إلّا أنّ للمجريات الأخرى دوراً جيّداً أيضاً في تغيير سيرورة الأحداث، فعلى سبيل المثال: شهدت النرويج انكماشاً غير مسبوق في اقتصادها وتراجعاً في سعر عملتها إثر أزمة أسعار النفط الأخيرة، حيثُ قالت هيلدي بيورنلاند، أستاذة الاقتصاد في كلية الأعمال التجارية في أوسلو وفق صحيفة «الفايننشال تايم»: «إن الأسوأ أمامنا، سنصبح أكثر شبهاً بالبلدان الأخرى، لا يمكننا الاستمرار في توسيع عجز ميزانيتنا» وكان محافظ البنك المركزي النرويجي قد حذر سابقاً من التراجع الاقتصادي، حتى قبل وصول أزمة الفيروس إلى النرويج. وهذه الدلائل تضعُ إشارة استفهامٍ كبرى حول إمكانية الاستمرار بتقديم «الرفاه» لشعوبٍ تعاني أنظمتها من ثقل السياسات الراكضة وراء إنقاذ البنوك والاحتكارات العالمية الكبرى يضاف إلى ذلك التغيرات التي يشهدها العالم والتي ستحرم دول الغرب في نهاية المطاف من خزاناتها الاحتياطية (شعوب العالم الفقير).

معلومات إضافية

العدد رقم:
960
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:55