المنامة و«الكيان» ومؤتمرٌ بلا نتائج
استضافت البحرين الأسبوع الماضي مؤتمراً حول أمن الملاحة البحرية والجوية في الخليج، وكان لهذا المؤتمر نصيبٌ جيدٌ من التغطيةِ الإعلامية والتحليل السياسي، لكن الأهم هو نقاش نتائج هذا المؤتمر، إن كان تمخّض عنه أية نتائج حقاً، ومن الضروري أيضاً محاولة فهم السبب الرئيس الذي يدفع بوفدٍ من الكيان الصهيوني ليشارك بشكل رسمي في هذا المؤتمر!
امتدت أعمال المؤتمر من 21 إلى 22 من الشهر الجاري تشرين الأول، بمشاركة 29 دولة واستضافته البحرين بالتعاون مع بولندا والولايات المتحدة الأمريكية، ويعد هذا المؤتمر أحد «فرق العمل» السبعة التي جرى الاتفاق عليها في مؤتمر وارسو الذي عقد في شباط من هذا العام، ويعلن «وارسو» في وثائقه سعيه لـ «مواجهة النزاعات الجارية في الشرق الأوسط».
هل إيران على جدول الأعمال؟
بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهوداً كبيرة في محاولةٍ لحشد جبهة عالمية ضخمة لـ «تأمين أمن الخليج»، وأعلنت عن ما اسمته IMSC «التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية»، إلا أن هذا «التحالف» لم يلق ترحيباً بما يكفي، شأنه شأن كل المبادرات الأمريكية الجديدة، وبات واضحاً الآن أن IMSC لن يكتب له النجاح، لذلك كان البعض يظن بأن مؤتمر البحرين يمكن أن يكون بديلاً، أو إطاراً جديداً تتخذ ضمنه خطوات عملية لحل المشكلة في الخليج، الذي باتت أوضاعه غير المستقرة تشكل تهديداً لأسواق النفط العالمية، والتي تمرُّ أكثر من ثلث وارداتها عبر عبر مضيق هرمز.
كل المؤشرات كانت تدل على أن المؤتمر سيسعى إلى وضع حد للنفوذ الإيراني في الخليج، لكن هذا لم يحدث! فالبيان الصحفي الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في 23 تشرين الأول لم يذكر إيران! إنما تحدث عن «الخطوات التي يمكن للدول اتخاذها لمنع الشحنات غير المشروعة المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل» وغيرها من إجراءات السلامة والحد من انتشار الأسلحة... إلخ.
مع أن خطاب وزارة خارجية البحرين كان واضحاً فكانت قد أكدت أن هذا المؤتمر يهدف للتشاور و«تبادل الرؤى» لإيجاد الطريقة المناسبة «لردع الخطر الإيراني وضمان حرية الملاحة في هذه المنطقة الإستراتيجية للعالم أجمع في ظل ممارسات إيران التي تشكل خطراً كبيراً على الملاحة البحرية والجوية». ولكن على ما يبدو التصدي لإيران لم يكن على جدول أعمال هذا المؤتمر، أو ربما لم تكن الدول 29 المشاركة مستعدة لدخول بأي صدام حقيقي مع إيران.
تحركات إيرانية موازية
في محاولة لاحتواء مؤتمر المنامة قامت إيران ببعض التحركات الدبلوماسية، كان أولها إعلانها على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، عن أن إيران أرسلت تفاصيل مبادرتها حول السلام في المنطقة إلى كل الدول المعنية، وقال إن «مبادرات قدمناها وضعت للمناقشة، ويمكنهم مراجعتها والابتعاد عن الأوهام والمشاكل»، ودعا موسوي دول الخليج، إن كانت حقاً تريد «حسن النية والاستقرار وحسن الجوار» بالجلوس مع إيران التي «تريد الحوار مع هذه الدول وإقامة علاقات حسنة معها».
وفي السياق نفسه أعلن محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أنه مستعد لزيارة الرياض إذا سمحت الأجواء بذلك، وأنهم مستعدون لمناقشة مبادرتهم وتفاصيلها مع دول الخليج.
مشاركة الكيان الصهيوني
شكلت مشاركة الكيان الصهيوني في هذا المؤتمر لدى البعض الحدث الأساس، وربما هي كذلك فعلاً. فلهذه المشاركة العديد من الدلالات التي لا يجب إغفالها، فهي بلاشك تندرج ضمن تطبيع علاقات «الكيان» مع الخليج وهي خطوة مرفوضة دائماً، تحديداً بالنسبة لشعوب دول الخليج التي لم تتخل عن القضية الفلسطينية كما تخلت أنظمتها.
وبما أن الكيان الصهيوني، وبلا شك، أحد المساهمين النشطين في أية خطوة للتصعيد ضد إيران، فلا بد له أن يكون حاضراً. لكن السؤال هذه المرة، لماذا تظهر «إسرائيل» على العلن؟ وفي البحرين– التي لا يوجد علاقات دبلوماسية معلنة بينها وبين دولة الكيان – فهذا هو الجديد بالأمر، وعلى ما يبدو بات واضحاً في دوائر اتخاذ القرار داخل الكيان الصهيوني أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبدي جاهزية للدفاع عن «إسرائيل» توازي تلك التي كانت تبديها في الأيام الخوالي، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بات يناقش جدوى الوجود الأمريكي في الخليج أصلاً ففي حزيران الماضي قال صراحة: «نحن لسنا بحاجة إلى أن نكون في الخليج، لأن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على نفط الخليج، فلماذا نحمي خطوط الشحن الخاصة بالدول الأخرى على مدى سنوات عديدة دون أن نحصل على أي شيء في المقابل»، وبعد الهجوم على أرامكو وعلى الرغم من أن ترامب كان يرى «أدلة واضحة» على تورط إيران إلا أنه صرّح: «أعتقد أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على السعودية في الدفاع عن نفسها، وإذا كانت هناك حماية منّا للسعودية فإنه يقع على عاتقها أيضاً أن تدفع قدراً كبيراً من المال».
يستطيع الكيان الصهيوني بلاشك أن يقرأ هذه التصريحات وغيرها من المؤشرات الأخيرة في المنطقة، لذلك بات يقع على عاتقهم اتخاذ تدابير إستراتيجية كبرى في اللحظات الأخيرة، فالكيان- وبعد رفع المظلة الأمريكية عنه في القريب العاجل- سيكون مكشوفاً، لذلك سيكون مضطراً للظهور في الواجهة. وبالتالي، التطبيع مع الخليج والتحالف معه بات في ظل احتمالات الانسحاب الأمريكي ضرورياً أكثر من أي وقت مضى.
أيُّ حل سيكون؟
تبدو الصورة مشوشةً بعض الشيء، وذلك أمرٌ طبيعي فحجم التحول الذي يجري في الخليج وفي طبيعة العلاقات الإقليمية كبيرٌ جداً، وهذا ما يرافقه الكثير من المد والجزر قبل أن يهدأ المشهد.
التطورات التي جرت في الخليج مؤخراً كان لها تأثيرٌ كبيرٌ، فمنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي، وما تلا ذلك من تصعيد عبر «حرب الناقلات» وصولاً إلى الهجوم بالطائرات المسيّرة على شركة «آرامكو» السعودية، وما نتج عنه من تصعيد عسكري، وارتجاجات في سوق النفط، كل هذا بات يفرض الوصول إلى حل ما، وبما أنه بات واضحاً أن لا أحد يرغب حقاً في استخدام أسلحته المكدسة. هذا يعني أن على دول الخليج وإيران الجلوس للحوار والوصول إلى حلول مرضية للطرفين، لتضمن دول المنطقة سلاماً قائماً على الاحترام المتبادل.
الكثير من المبادرات تدور في الأفق، منها المبادرة الإيرانية التي سبق ذكرها، والمبادرة الروسية التي تقول بإنشاء منظمة لضمان الأمن في منطقة الخليج، وكان الرئيس الروسي أعلن عنها رسمياً خلال افتتاح أعمال الجلسة العامة لمنتدى فالداي للحوار الدولي على أن تضم هذه المنظمة- بالإضافة إلى دول الخليج- كلّاً من روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند والدول المعنية الأخرى بصفة المراقب.
على الرغم من التصريحات الساخنة التي سمعناها إلا أن انفراجات في العلاقات بين الخليج وإيران تلوح في الأفق، وتبدو الإمارات العربية المتحدة السبّاقة لكسر الجليد، مما سيمهد الطريق أمام الرياض التي تنتظر هي الأخرى مخرجاً من كل هذا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 937