الحراك العراقي بين التفريق والتمثيل!
يزن بوظو يزن بوظو

الحراك العراقي بين التفريق والتمثيل!

إن تظاهرات الشعب العراقي الآن ليست بجديدة، إلا أن الجديد هو هدفها الأخير بإنهاء منظومة التحاصص، الأمر الذي يشكل رعباً لمنظومة «بريمر» بقواها المشاركة محلياً وإقليمياً.

ترافقت مع الموجة الأخيرة للشعب العراقي مطالب بإنهاء منظومة التحاصص القائمة في البلاد، وهذا بدوره مؤشرٌ على أن الحراك بات يناقش قضايا سياسية تتطلب تغييراً حقيقياً في بنية النظام العراقي بمجمله، تطور جاء نتيجة تراكم تجارب الشعب العراقي مع هذه المنظومة والقوى السياسية الموجودة فيها، إلى درجة فقدان الثقة بالكامل وانعدام أيّ أملٍ منها.

انتهى وقت «بريمر»

هذه النتيجة التي توصل إليها الشعب اتجاه المنظومة صحيحة كلياً، ورفضه لها ولوعيد قواها السياسية المختلفة والمتكررة بعد الآن رفضاً قاطعاً هو أيضاً موقفٌ يتناسب مع الضرورات الموضوعية المنتصبة أمامهم في البلاد ونتاجاً عنها، حيث بات مستوى تردّي الأوضاع المعيشية والبطالة عن العمل ومنسوب النهب والفساد، يفرض موقفاً عابراً لكل الانتماءات ما قبل الوطنية، من طائفية ومذهبية وقومية، دافعاً نحو حلول وطنية جامعة، تعني كل الشعب العراقي المتضرر من هذه السياسات، لتتحد بوجهه كل تلك القوى السياسية القديمة محلياً لتفريقه ترهيباً وقمعاً.

الحكومة: إنها «المؤامرة»

إن القوى السياسية القائمة في البلاد الآن، ورغم اعترافها المتواضع والخجول بوجود قضايا مطلبية محقة، إلّا أنها لا ترى من الحراك الشعبي الجاري عموماً إلا كونه «مؤامرة» على هذا التيار أو ذاك، مع امتداداته الدولية، حيث تنقسم القوى السياسية بين امتداد لنفوذ إيراني، وأخرى امتداد للاحتلال الأمريكي وحليفه السعودي، ورغم عدم إنكارنا وجود مثل هذه الأهداف السياسية التي تحاول بعض القوى امتطاء الحراك الشعبي لتنفيذ أجندات لها، إلا أن تأثيرها حتى الآن على الحراك يحتاج مُكبّرة لرصده، فلا تزال الصورة العامة للحراك تنادي بإنهاء منظومة التحاصص وطرد كل القوى الخارجية من البلاد.

عنف وترهيب

بالإضافة إلى ما سبق، وبناء على الذريعة التي صنعتها هذه القوى في الحكومة وخارجها، تتعرض الاحتجاجات لشتى أنواع القمع والترهيب، وصولاً إلى القتل بالرصاص الحيّ، فالقوى الأمنية تعمل على تفريق المظاهرات بالقوة وباستخدام الغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، بالإضافة إلى قيام جهات خفية بـ«قنص» المتظاهرين، أما على المشهد السياسي فتتم المواجهة بين هذه القوى بإلقاء اللوم حول ما يجري على الأرض فيما بينها، وتعمل الماكينة الإعلامية الغربية والأمريكية على تأجيج وتحمية الأجواء الناشئة باتجاه «إيران»، ثم الحكومة العراقية الحالية، عقاباً على عدة مواقف اتخذتها سابقاً بغير المصلحة الأمريكية.

فجوة التراجع الأمريكي

لا يمكن فهم ما يجري الآن دون العودة والتذكير بالوضع الدولي الجديد، حيث لتراجع الولايات المتحدة الأمريكية وتخفيض تواجدها العسكري في العراق إضافة إلى انسحابها مستقبلاً، قد صنع فجوةً في منظومة «بريمر» التي هي حجرها الأساس، وسبب باختلال في توازنها، فالقوى السياسية التي تشكلت ونُصّبت بعد 2003، هي قوى تابعة وفاسدة ببنيتها، وكانت تمتلك وزناً شعبياً بناء على «الشخصيات» بتوابعها الطائفية والمذهبية، لا «البرامج» والمواقف الوطنية، لتأتي الموجة العراقية الأخيرة هذه، وتُسقط عن كل هذه القوى حواملها الوهمية، مطالبةً بمواقف وبرامج وطنية حقيقية ما من أحدٍ منها قادر على صناعتها.

نحو تطوير الحراك الشعبي

ما ينبغي التركيز عليه الآن، هو تطور الحركة الشعبية العراقية، وأن تتخذ القوى السياسية التي لم تدخل في شباك «بريمر» موقفاً يتكيّف مع متطلبات الحركة الجديدة ومساعداً لها نحو إنشاء كيانات سياسية جديدة كلياً، تكون حاملاً لهذه الضرورات الوطنية الجامعة، فتبدأ بتنظيم نفسها نحو صناعة خطط وأهداف مرحلية وصولاً إلى البرامج السياسية، حول القضايا الثلاث الأساسية الآن: طرد القوى الخارجية وعلى رأسها الأمريكيون، وتغيير النظام السياسي القائم، واقتلاع الفساد... فالمواجهة الاحتجاجية في الشارع وحدها لا تكفي لحل المشاكل، بل إن استمرارها على هذا الشكل من التصعيد وسيل الدماء يُنذر بنشوء صدامات جدية بين مكونات الشعب العراقي نفسه بما يخدم منظومة التحاصص تلك.

التفاوض لا يعني القبول

وأخيراً، فإنه بمجرد وجود حوامل سياسية وطنية ببرامجها تعبر عن مصلحة الشعب العراقي وتصبح ممثلاً حقيقياً له، سيكون هذا كفيلا بانتزاع ذريعة من الفرقاء في منظومة التحاصص بعدم وجود طرفٍ تفاوضي، ومن جهة أُخرى فإن وجود هذا الطرف مع قاعدته الشعبية وضغطها كفيلٌ بالبدء لفرض نفسه واتخاذ إجراءات جدِّية نحو التغيير الحقيقي عبر التفاوض والحوار نفسه... فمن يقول أنهُ لا تفاوض مع الحكومة بشكل قاطعٍ، مستنداً بذلك إلى الموقف الشعبي العفوي برفضه للحكومة، يعني فيما يعنيه إبقاء الحركة الشعبية على ما هي عليه بلا تمثيل، بغاية إضعافها وتفريقها... فالتفاوض هذا لا يعني منه توسيع مقاعد حكومية وبرلمانية لتشمل هؤلاء الممثلين، بل نحو مرحلة انتقالية حقيقية تنهي القديم، وتبني الجديد، دون الغرق في متاهات الفوضى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
937
آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين1/أكتوير 2019 14:03