«طريق الحرير القطبي»... وتذليل العقبات «الأبدية»

«طريق الحرير القطبي»... وتذليل العقبات «الأبدية»

تتمتع التحالفات بأهمية بالغة إستراتيجياً، وتحدث أفضل هذه التحالفات عندما يتمتع المشاركون بها بميزاتٍ خاصة يقدمونها في سبيل رفع الوزن النوعي للمتحالفين ككل. على ما يبدو فإن هذه السمة الأبرز التي ترتبط بالتحالفات متعددة الأقطاب التي تقودها كل من روسيا والصين، وعدد متزايد من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية في السنوات الأخيرة.

في وقتٍ وجدت فيه بعض الدول الأسيوية نفسها مضطرة لتكون جزءاً من التمحور الأمريكي في آسيا. وبالتالي، جزءاً من الضغط الأمريكي الهائل الموجّه نحو الصين بوصفها خصماً إستراتيجياً ذا إمكانات ضخمة، ووجدت دولٌ عدّة من «حلف الناتو» نفسها مرتهنة لخوض صراعٍ طويل الأمد مع روسيا تدفع هي فاتورته لمصلحة الأمريكي، كان الحلف الروسي الصيني يسير قدماً في مسار تفكيك بؤر التوتر والنزاعات الإقليمية التي زرعها الأمريكي في عددٍ من بقاع العالم. وشيئاً فشيئاً، يتزايد عدد الدول التي تنحاز إلى هذا الحلف، إما اقتناعاً بميل الكفة نحوه، وإما كردة فعل على سلسلة الخيبات الأمريكية إزاء الحلفاء.
وفي هذا الإطار، تمثل زيارة الرئيس الصيني إلى الهند، والتي جرت مؤخراً، واحداً من الأمثلة التي تحققت بفضل التكاتف الصيني الروسي، والإصرار على عدم السير في خط الصدع الذي يحاول الأمريكي ترسيخه دولياً بوجهٍ عام، وفي آسيا خصوصاً.

الهند تنضم إلى «طريق الحرير القطبي»


في عام 2018، نشرت الصين كتاباً أبيض حول سياستها إزاء القطب الشمالي، متعهدة بالعمل المشترك وشرح رؤيتها بشأن «طريق الحرير القطبي»، وشدّدت الوثيقة التي حملت عنوان «سياسة الصين إزاء القطب الشمالي»، والصادرة عن مكتب المعلومات التابع لمجلس الدولة، على أن الصين لديها مصالح مشتركة مع دول القطب الشمالي، ومستقبل مشترك مع بقية العالم حيال القطب الشمالي.
وتغطي المنطقة اليابسة في القطب الشمالي مساحة نحو 8 ملايين كيلومتر مربع تعود السيادة عليها إلى كندا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا والنرويج وروسيا والسويد والولايات المتحدة، فيما تبلغ مساحة المحيط القطبي أكثر من 12 مليون كيلومتر مربع، حيث تتقاسم الدول المطلة عليه ودول أخرى حقوقاً ومصالح بحرية فيه وفقاً للقانون الدولي.
وينظر بشكل واسع إلى «طريق الحرير القطبي» على أنه الفرع الثالث للحزام والطريق، حيث يضيف طريقاً بحرياً آخر بالإضافة إلى بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي وإفريقيا والبحر المتوسط من جهة وجنوب الباسيفيك والأوقيانوس من جهة أخرى، وتأمل الصين العمل مع جميع الأطراف لبناء طريق الحرير القطبي من خلال تطوير طرق الشحن بالقطب الشمالي، وتتطلع إلى تطوير مشترك لموارد النفط والغاز والمعادن وغيرها من مصادر الطاقة غير الأحفورية والصيد والسياحة في المنطقة مع دول القطب الشمالي، مع احترام تقاليد وثقافة سكان القطب، بما في ذلك السكان الأصليون، والحفاظ على البيئة الطبيعية.
الجديد في الموضوع هو الموافقة الهندية على الانضمام إلى طريق الحرير القطبي، وذلك خلال مشاركتها في المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي عقد في مدينة فلاديفوستوك الروسية خلال شهر أيلول من هذا العام. وكذلك، ظهور بوادر موافقة يابانية على الانضمام إلى المشروع ذاته، في وقتٍ ترفض فيه اليابان الدخول في التحالف الأمريكي في منطقة الخليج.
ودفعت الهند مباشرة بمليار دولار في خط ائتمان للتنمية في مناطق أقصى شرق روسيا المرتبطة بالمشروع، إضافة إلى استثمار 7 مليارات دولار حالياً من قبل الشركات الهندية في مجال النفط والغاز في روسيا. وهو الرقم المرشَّح للتضاعف أكثر من مرة بحسب تصريحات الرئيسين بوتين ومودي.

ماليزيا تعزز علاقاتها مع بكين وموسكو

في حين دفعت ماليزيا طويلاً ثمن اندفاعها وراء المجمع الصناعي العسكري الأمريكي للمشاركة في مناورات عسكرية موجهة ضد الصين في المنطقة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، يمثل الرئيس الحالي مهاتير محمد نقطة تحول في الموقف من الصين، من خلال الدعوة إلى زيادة التعاون والانخراط في مشروع طريق الحرير الجديد. وأسفرت زيارة الرئيس محمد إلى فلاديفوستوك عن إنشاء جامعة لصناعات الطيران الروسية التي سترعاها الحكومة الروسية في ماليزيا، وإعلانه استعداد بلاده للاستثمار في الشرق الأقصى لروسيا وفتح أسواق جديدة هناك.

منغوليا وطريق الحرير الجديد

بعيداً عن المحاولات الغربية الرامية إلى إدخالها في «حلف الناتو»، تسعى منغوليا اليوم للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، حيث كان إنشاء ممر اقتصادي بين الصين ومنغوليا وروسيا في عام 2016 لحظة فاصلة بالمعنى السياسي في البلاد، التي شهدت تبدلاً واضحاً في الموقف من الجارتين، خالقة بذلك صلات حيوية مع روسيا والصين.
وقبل فترة، زار الرئيس بوتين منغوليا، حيث وقعت الدولتان «معاهدة العلاقات الودية والشراكة الشاملة» لتحقيق «دفع الشراكة الإستراتيجية إلى مستوى جديد كلياً». وأعلن بوتين عن صندوق استثماري مشترك وعن تقديم قرض بقيمة 1,5 مليار دولار، أعلن رئيس منغوليا أنه سيستخدمه لبناء المزيد من السكك الحديدية عبر الحدود الصينية لتصدير الفحم والمعادن نحو الحدود الروسية. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 2017، نمت التجارة الروسية المنغولية بنسبة 22%.

الحفاظ على أمن آسيا

يشير التعاون الصيني الروسي إلى أن البلدين يسعيان إلى تذليل العقبات التي بدت عالقة أبدياً بين دول آسيا، ويشير تعاونهما في مجال الدفاع خصوصاً إلى أن كلا البلدين بصدد صياغة آليات للأمن العالمي، وفي آسيا تحديداً، حيث وضعت الصين بدعم من روسيا خطاً أحمر أمام إقامة الولايات المتحدة واليابان مشروعاً شبيهاً للناتو في آسيا.
في هذا السياق، لا تستخدم روسيا نفوذها في آسيا فقط لحل النزاعات الإقليمية بين الصين والدول الآسيوية، ولكن اتخذت أيضاً تدابير وقائية لصالح الصين. فعلى سبيل المثال: عندما أظهرت روسيا مخاوفها بشأن تركيب الولايات المتحدة لمنظومة دفاع جوي صاروخي على أرض كوريا الجنوبية، كانت الصين قد أعلنت مسبقاً: أن هذا التصرف معادٍ لها. وعلى الرغم من أنَّ الولايات المتحدة قالت: إن هناك حاجة لنظام أمريكي لمواجهة أي هجوم صاروخي من كوريا الشمالية، فإن روسيا والصين اعتبرتا هذه الخطوة تشكل تهديداً مفتوحاً لأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وعلى الصعيد الأمني، تُشكل منظمة شانغهاي للتعاون عامل حماية لمشروع طريق الحرير ومشروع أوراسيا الكبرى. حيث إن أحد الأغراض الرئيسة لمنظمة شانغهاي كان بمثابة القوة المقابلة للناتو القادرة على تشكيل آلية متعددة الأطراف لصد النزاعات التي تقودها الولايات المتحدة في المناطق المتاخمة لروسيا والصين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
936
آخر تعديل على الأربعاء, 23 تشرين1/أكتوير 2019 12:50