بريكست: تأجيل جديد
إن الاستعصاء البريطاني الجاري منذ بضعة سنوات حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي ليس عبثياً بأسبابه، ولن تكون نتائجه كذلك، إلّا أنّ العبث هو ما يجري الآن بين تلك الأسباب إلى لحظة اتخاذ قرار بشأنه، مما يجعل من الملف بمعطياته الحالية كحلقة مُفَرغة.
لم يحدث أمر مستغربٌ أو جديدٌ فيما يخص «بريكست» بعد كل الضجيج الإعلامي الذي رافق صعود بوريس جونسون بتحديده لنهاية شهر تشرين الأول الحالي موعداً نهائياً وثابتاً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سواء أكان ذلك باتفاق أو بلا اتفاق، لتدخل البلاد دوامة جدالات سياسية لم تفضِ إلا إلى ما تحدثنا عنه سابقاً، في ظل توازنات القوى القائمة، فلن يطرأ أي جديد على هذا الملف، وها قد تم تأجيل بريكست إلى موعدٍ آخر.
اتفاق جديد؟
بعد كُل الجدل السابق في الأسبوعين الماضيين، ومن مناورات وتهديدات سياسية بين مختلف القوى البريطانية، وتكرار جونسون لتصريحاته حول الخروج في 31 من الشهر الجاري بأية حال، صرح يوم الخميس بأن بلاده توصلت إلى «اتفاق جديد عظيم» حول بريكست مع الاتحاد الأوروبي، يفضي إلى أنه يسمح بتفادي عمليات الفحص الجمركية بين إيرلندا وإيرلندا الشمالية، وقال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، إن الاتفاق الجديد آمن لمواطني دول الاتحاد الأوروبي ويضمن وحدة السوق الأوروبية، من دون ذكر تفاصيله. لكن على أية حال، فإن هذا الاتفاق الجديد أياً كان، يحتاج إلى مصادقة البرلمان البريطاني عليه إما لإقراره أو رفضه أيضاً.
البرلمان يؤجل
عقد البرلمان البريطاني في يوم السبت جلسته للتصويت حول الاتفاق الجديد ذاك، قبيل 12 يوماً من الموعد المزمع للخروج، وشدد جونسون قبيل ذلك على أنه يفضل خروجاً من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق على طلب مهلة جديدة بعد تأجيل بريكست مرتين. لينتهي اجتماع البرلمان بقرار إرجاء التصويت على بريكست، بعد أن أيد النواب بأغلبية 16 صوتاً لائحة تدعو إلى «عدم التصويت على الاتفاق». وصرّح جونسون بعد ذلك: «لن أتفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول تأجيل آخر لبريكست، ولا حتى القانون يجبرني على ذلك».
تظاهرات شعبية ترفض بريكست نحو استفتاء جديد
رافقت جلسة البرلمان البريطاني تلك خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين البريطانيين إلى شوارع لندن، مطالبين بإجراء استفتاء جديد حول خروج بريطانيا، حيث رفعوا شعارات تدعو لوقف تنفيذ «بريكست»، واصفين إياه بـ«كارثة وطنية على وشك الحدوث». إن هذا الأمر تطورٌ لافت حول تأثير تعقيدات الملف البريطاني على الحالة الشعبية، فالاستفتاء الشعبي الأساس الذي بُني على أساسه اعتماد الخروج كان بنسبة موافقة تجاوزت النصف، أيّ إن المزاج الشعبي نفسه حول الملف بحالة توازن نوعاً ما، فعدم تنفيذ الاتفاق استناداً إلى التصويت الأصلي أو إجراء استفتاء جديد، يُدخل البلاد بأزمة حول «الديمقراطية» سينتفض عليها نصف الشعب البريطاني الذي أعلن موافقته ونجح فيها. من ناحية أُخرى، فإن الذي قام بالتهديد أولاً حول إخراج الناس للتظاهر بغاية الضغط كان جونسون نفسه، لينفذه الطرف الآخر بدعوته مناصري عدم الخروج للتظاهر بالتزامن مع جلسة البرلمان. إن هذا التصعيد السياسي، يدفع الشعب البريطاني نفسه إلى دخول الانقسام السياسي والحكومي الجاري ليصبح انقساماً شعبياً، وإذا ما فتح باب للتظاهر من كل طرف، فقد يدفع بذلك البلاد نحو مواجهات شعبية قد تفضي إلى الفوضى.
تأجيل جديد، ودوامة عبثية
على أية حال، صوَّت البرلمان البريطاني مجدداً على تشريع يطالب الحكومة بتأجيل الموعد المقرر لبريكست في 31 تشرين الأول، الأمر الذي رفضه جونسون قائلاً بأنه «غير ملزم به»، ليؤكد رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، بعد ساعات، تلقيه رسالة من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، تحمل طلباً رسمياً لتأجيل موعد بريكست حتى نهاية كانون الثاني من السنة المقبلة. مما يؤكد من جديد أن توازنات القوى في الداخل البريطاني لم تُحسم لصالح أيّ من القرارين، ونُضيف الآن بأنها لن تُحسم وستبقى الأمور بحالتها العبثية هذه من دورانها في الحلقة المفرغة إذا ما لم يتم اتخاذ إجراءات وتوافقات جدية تُناسب جميع الأطراف في الداخل البريطاني، ومع الشعب نفسه أولاً، عوضاً عن البحث حول «اتفاق جديد للخروج» والرفض الدائم من الفريق المقابل لأي خروج، وإلا فإن الاستعصاء سيبقى على حاله مسبباً بأزمات سياسية واجتماعية أعلى قد تصل في نهايتها إلى مطالبات بتغيير «النظام البريطاني» كله، حيث لربما يعود مجمل الاستعصاء الحاصل بسببه الرئيس إلى ذاك الاستفتاء نفسه، لما تم إقحام الشعب البريطاني فيه، والآن لا يستطيع أيّ طرفٍ تمرير قراره، أو تمرير قرار الآخر، دون خسارة سياسية حقيقية ودون رد فعل اجتماعي لا يمكن التغاضي عنه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 936