الأمريكيون و«صفعة» القرن
استمراراً منها في محاولة فرض وهمٍ اسمه «صفقة القرن» دولياً فيما يخصّ فلسطين قبيل موعد عقد مؤتمر البحرين، تقوم الولايات المتحدة بالضغط على مختلف الأطراف الدولية بمختلف الذرائع والوسائل لهذه الغاية. لكن وبالإضافة إلى فشل «الصفقة» قبيل إعلانها أساساً، إلا أنها على الجانب الآخر ستُحدث هزيمة وضرراً جديداً بالأمريكيين وحلفائهم ومصالحهم.
تتوسع وتتزايد دائرة الضغوط الأمريكية وذرائعها بهذه الغاية مؤخراً، حيث تجري إعادة فتح قضية مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي وتداولها سياسياً وإعلامياً لابتزاز السعودية، وشكلت وفاة الرئيس السابق محمد مرسي المفاجئة مادة دسمة لواشنطن يجري استثمارها للضغط على مصر بهذا الاتجاه، أما فيما يخصّ روسيا فالأمر ذاته حيث جرى اتهامها مؤخراً بإسقاط طائرة بوينغ الماليزية التي سقطت في أوكرانيا منتصف عام 2014.
السعودية
صدر يوم الأربعاء السابق تقريرٌ من محققة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أغنيس كالامار، بشأن قضية مقتل خاشقجي، تتهم فيه مباشرة الدولة السعودية وتحمّلها مسؤولية الجريمة، بتصعيدٍ أعلى من سابقه حيث كانت تقتصر التُهم على أفرادٍ بعينهم. ورغم تحميلها المسؤولية للدولة السعودية إلا أنها أكدت أيضاً وبالتحديد ارتباط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالقتل عبر أدلة موثوقة. ورحّبت كالامار في تقريرها بقيام الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بتوقيعهم عقوبات اقتصادية على عددٍ من السعوديين، لكنها انتقدت كون هؤلاء الأفراد من «رتب منخفضة» أيّ: وزنٍ منخفض في الداخل السعودي، معتبرة أن العقوبات ضد الأفراد لا تعالج حقيقة أن الدولة السعودية هي المسؤولة، وطالبت بفتح تحقيق جنائي دولي. قام هذا التقرير المصاغ غير مباشرة من واشنطن، بتحريك ملف الخاشقجي من جديد في وجه السعودية في هذه اللحظة من التوتير مع إيران في الخليج ليشكل ابتزازاً مُضافاً بغاية النهب الأمريكي لها، وقُبيل مؤتمر البحرين من جهة أخرى للضغط عليها بتيسيره وتقديم تنازلات تطبيع مُعلنة.
مصر
انت وفاة الرئيس السابق محمد مرسي في هذا الوقت هدية مناسبة لمختلف الأطراف لاستثمارها بالضغط على مصر، أوّل هذه الأطراف كانت واشنطن عبر أدواتها وحلفائها، فبعد الحدث بقليل دعت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقل في وفاة الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، مشيرة إلى ضرورة أن يشمل ظروف احتجازه في السجن، وقال الناطق باسم المفوضية «تم إبداء قلق من ظروف احتجاز السيد مرسي، بما في ذلك مسألة حصوله على مساعدات طبية مناسبة». لتدين وزارة الخارجية المصرية تشكيك مفوضية حقوق الإنسان هذا، واتهمتها بالتسييس المتعمد لحالة وفاة طبيعية. والتقطت أطرافٌ دولية عديدة هذه الدعوة ودأبت بالضغط من خلالها، بالإضافة إلى التوتر والاستنفار الأمني الداخلي عقب الوفاة، لكنّ وجود مصر في البحرين وتقديمها تنازلات تخصّ «صفقة القرن» كدولة لها الوزن والتأثير الأكبر إقليمياً في المنطقة وبحدودها مع فلسطين، هو الأولوية الأمريكية حالياً من هذا الابتزاز.
روسيا
بعد 5 سنوات من سقوط طائرة بوينغ الماليزية في شرقيّ أوكرانيا في أثناء تصاعد المواجهات العسكرية حينها بين الجيش الأوكراني ومقاتلي جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من طرف واحد، عادت من جديد الاتهامات الأمريكية الموجهة ضد روسيا بتحميلها مسؤولية الحادث عبر تصريحات فريق التحقيق المشترك في التاسع عشر من الشهر الجاري، تزعم تورط عسكريين روس به، الأمر الذي نفته موسكو قطعياً في بيان صدر عن خارجيتها وقالت «مرة أخرى توجه اتهامات لا أساس لها إلى الطرف الروسي تهدف إلى تشويه صورة الاتحاد الروسي». وقال رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد «هدف إجراء تحقيق دولي في كارثة طائرة الخطوط الجوية الماليزية في سماء أوكرانيا عام 2014 لم يكن لإثبات الحقيقة، بل اتهام روسيا» مضيفاً ««نحن غير سعداء، لأنه منذ البداية أصبح هذا التحقيق قضية سياسية تتعلق بكيفية اتهام روسيا». بالتأكيد، هي قضية سياسية تتغير دوافعها وغاياتها بناء على زمنها وظروفها، وفي الوقت الراهن، فإن هذه المسألة لا تتعلق بالضغط على روسيا باتجاه «صفقة القرن» نفسها فقط، بل بكل الدور الروسي دولياً.
المحصلة
رغم كل هذه المستجدات والإجراءات والضغوط إلّا أنّ «الصفقة» لا تزال وستبقى، فاشلة قبل إعلانها، فعلى الأقل نُذكّر أن روسيا والصين وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي وغيرهم جميعهم رافضون لها مباشرةً، أمّا على المستوى العربي فإن دول الخليج ورغم تواطؤ «تحت الطاولة» والتطبيع غير المُعلن، لا يمكن لهم أن يجازفوا بهذه المسألة مع شعوبهم، وتحديداً في هذا المرحلة من الاحتقانات والموجات الصاعدة. لكنّ بعيداً عن الصفقة ذاتها، فإنّ هذا السلوك الأمريكي يدفع نحو تعقيد الملفات والعلاقات الدولية أكثر، ويرفع من حدّة التوتير الموجودة، تعقيدٌ وتوتير بلا ذروة، أيّ بلا مواجهات مباشرة أو حروب، فقط «حافة هاوية» دون المجازفة بأبعد من ذلك، مما يدفع موضوعياً بالمجتمع الدولي للبحث عن حلول للتعقيدات وتخفيض للتوتيرات بعيداً عن الأمريكيين وبغير مصالحهم، مما سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى قلب جميع هذه «الطاولات» في وجه واشنطن كـ «صفعة» القرن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 919