هل تدقّ الحربُ الإيرانية الأمريكية طبولها؟!

ارتفع مستوى التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في الآونة الأخيرة إلى درجة الحديث عن حربٍ محتملةٍ بين إيران والدول الحليفة لواشنطن كإسرائيل ودول الخليج، تحت رعاية أمريكية، فهل تتواجد الإمكانية الموضوعية لحدوث مثل هذه الحرب؟ وما هو مصير العلاقات الأمريكية الإيرانية في ضوء كل ما تشهده من توتّر وتصعيد؟

«حربٌ» قديمة جديدة

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يجب التذكير بأنّ الحدّ الذي وصلت إليه العلاقة الإيرانية الأمريكية (أيّ: الحديث عن حرب) لم يكن وليد المصادفة، فالتوتر قائمٌ منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، ولا زالت تداعيات هذا الانسحاب تفعل فعلها بالتأثير ليس فقط على العلاقات بين الدولتين المعنيتين، إنما بالتأثير على العلاقات كافّة في منطقتنا والعالم.
وهذا ما جرى بالفعل عندما قامت الولايات المتحدة منذ حوالي الشهر بإلغاء الإعفاء من العقوبات التي كانت مفروضة على المستوردين الأساسيين للنفط الإيراني، وتشمل ثماني دول هي: تركيا وإيطاليا واليونان والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، هذا الإجراء الذي هدّدت من خلاله واشنطن بفرض عقوبات على كلّ من يستورد النفط الإيراني، ساعيةً إلى ما سمّته بـ «تصفير» الصادرات الإيرانية. ورغم قدرة إيران على إيجاد أقنية موازية لتصدير النفط والالتفاف على العقوبات الأمريكية، إلّا أنّها أكّدت خطر هذه العقوبات على اقتصادها، واقتصاد الدول الحليفة المتعاونة معها.

كيف بدأ سيناريو «الحرب»؟

في سياق عملية التصعيد ذاتها، قامت الولايات المتحدة الأمريكية ودون موافقة الكونغرس بتمرير صفقات لبيع الأسلحة للسعودية والإمارات والأردن بقيمة 8,1 مليارات دولار، وتحتوي هذه الأسلحة على معدات تخص الطائرات والاستطلاع والرصد والمراقبة والذخائر وغيرها من اللوازم، إضافةً إلى إرسال حاملة طائرات (أبراهام لينكولن) ومجموعة قاذفات من طراز «بي-52» وصواريخ باتريوت، كلّ ذلك تحت ذريعة «وجود دلائل على خطر واقعي من قبل قوات النظام الإيراني» وفق ما عبّر عنه القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان، فقد أعلن الجيش الأمريكي أنّ الحرس الثوري الإيراني مسؤول بشكل مباشر عن الهجوم على ناقلات النفط قرب ميناء الفجيرة الإماراتي.
في المقابل، اقترحت إيران على مجلس التعاون الخليجي توقيع معاهدة عدم اعتداء بينهما، من أجل «بناء الثقة لإقامة علاقات صداقة مع كل دول المنطقة»، وأكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، استعداد موسكو لتقديم دعمها لعقد معاهدة بين إيران وبلدان الخليج حول عدم استخدام القوة.

تصعيد إيراني مقابل

أحد ردود الفعل الإيرانية على التصعيد الأمريكي كان في الخامس عشر من شهر أيار الماضي، حيث أعلنت طهران تعليق العمل ببعض الالتزامات الواردة في الاتفاق النووي الإيراني، كإنذار للانسحاب منه، مما سيدفع باتجاه التوتير أكثر فأكثر، ولكن يمكن النظر إلى الخطوة التي اتخذتها إيران على أنها وسيلة من أجل تحسين شروط التفاوض.
سبق رد الفعل هذا تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، وتعليق حركة الملاحة التجارية البحرية العالمية، الأمر الذي دفع الروس باتجاه إطلاق العديد من التصريحات التي تحذّر من خطورة اتخاذ إجراءات مماثلة، فقد صرّح ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي في حوارٍ له مع قناة RT: «قدمنا اقتراحاتنا للإيرانيين بضرورة تجنب تدمير ما تبقى من الاتفاقات، وأهمية الحفاظ على ماهية الاتفاق النووي ودور إيران المحوري في ذلك».

هل ستحدث الحرب؟

في العودة إلى السؤال الذي طرحناه حول إمكانية قيام حرب، فلدى الإجابة عنه لا بُدّ من وضعه ضمن السياق العالمي الذي تتطور فيه العلاقات الدولية، والأخذ بعين الاعتبار تغيّر موازين القوى، فعلى الرغم من التراجع العامّ الذي تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى العسكري مقارنةً بالتقدّم الذي تحققه روسيا تحديداً في هذا المجال، فإن الدافع الأكبر لنفي احتمالية حدوث الحرب هو النتائج غير المضمونة التي ستتمخض عنها، ولا سيّما في هذا الظرف الدولي الذي يتّسم باللجوء إلى الحلول السياسية والمفاوضات كطريق لحلحلة جميع الملفات العالقة، والذي تشكّل فيه قوة الردع العسكري المضادّة جزءاً أساسياً فيه.

ما المقصود من هذا التصعيد؟

يمكننا بالنظر إلى تصريحات العديد من المسؤولين الأمريكيين فيما يخص هذا الموضوع، رصد اختلافات في اللهجة ما بين تصعيد وتهديد من جهة ودعوات إلى حوار وتفاوض من جهةٍ أخرى. يمكن تفسير ذلك بحالة الانقسام الذي تزدادُ عمقاً ضمن الإدارة الأمريكية، فالتيار الفاشي يدفع إلى إثارة البلبلة قدر المستطاع بين دول المنطقة، ضمن سياسة إشعال الحرائق نفسها التي تسير بها الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصاً تحريض دول الخليج ضدّ إيران بشكل أساسي، أمّا التيار العقلاني فيهدف إلى تحسين شروط التفاوض بالنسبة له. وبكلتا الحالتين يبدو أنّ النجاح الذي تعوّل عليه الولايات المتحدة في تحقيق مُرادها يبقى رهن التطورات الدولية الجارية ضمن الوضع الدولي الجديد، والتي ستجعل أمريكا وحلفاءها يفكرون ألف مرةٍ قبل الإقدام على شنّ حربٍ فعليةٍ ضد إيران.

معلومات إضافية

العدد رقم:
916
آخر تعديل على الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2019 15:33