الحرب التجارية الأمريكية على ماذا؟
تشن أمريكا حربها التجارية على العالم كلّه، وإن كانت تظهر بشكل أكبر على الصين، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تستثني أحداً من عقوباتها وتهديداتها، من حيث الشكل: تريد أمريكا كبح نمو الاقتصاديات المعادية كما تصفها الألة الإعلامية الأمريكية، ووزير الخارجية مايك بومبيو، لكن في المضمون كل ما تقوم به أمريكا: هو تدمير تلك المفاهيم الاقتصادية الكلية، أي: مجموع السياسيات النقدية والمالية التي حاربت من أجلها أمريكا أكثر من سبعين عاماً.
فهذه العلاقات التجارية التي لا تعجب أمريكا، هي نفسها من أنشأتها وبنت في سبيلها أكثر من 750 قاعدة في أكثر من 130 دولة، وجنّدت لها فقهاء اقتصاديين ومنظّرين وطوابير مساندة في أغلب دول العالم، وهنا يطرح السؤال: لماذا تدمر أمريكا ما صنعته؟ وهل تحل القومية المشكلة الاقتصادية كبديل للعولمة؟
لماذا تدمر أمريكا ما صنعته؟
إذا فرضت الولايات المتحدة مجموعة من الرسوم الجمركية على الصين على بضائع بأكثر من 600 مليار دولار بحوالي 25 % وفي نفس الوقت شنت هجوماً على عملاق التكنولوجيا الصينية «هواوي»، حيث قام الرئيس ترامب الذي يفرض حالة الطوارئ بمنع الشركات الأمريكية التي تساهم في إنتاج هواتف وحواسب شركة «هواوي» من التعامل مع الشركة الصينية، شمل المنع منتجات غوغل ومعالجات ARM وفي نفس الوقت هدد الرئيس الأمريكي الدول التي تقوم بتخفيض قيمة عملاتها لدعم صادرتها والإفلات من الرسوم التجارية بعقوبات وإعادة تقييم اقتصادي، وتشمل هذه التهديدات الصين وألمانيا والسويد ومجموعة أخرى من الدول, تعزي الولايات المتحدة سلوكها هذا مع الصين إلى عجز الميزان التجاري مع الصين، وإلى خرق الصين لقواعد براءات الاختراع، ورغم المرونة الصينية في المفوضات التجارية، إلا أن أمريكا تصّر على تأجيل توقيع اتفاق تجاري مع الصين، لأن أي اتفاق مع الصين لن يغير شيئاً من الرؤية الأمريكية للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أمريكا، فهي طبقاً لشعارات ترامب الشعوبية، تريد إعادة الصناعة إلى داخل أمريكا وإعادة الشركات الصناعية العملاقة إلى داخل أمريكا، وهذا يدخل في باب تنظيم السقوط أو تنظيم التراجع رغم عدم واقعية الطرح بحكم أنه لا يعمل أحد في أمريكا بالأجور التي تدفع في الصين وفي حال أعادت الشركات إنتاجها إلى داخل أمريكا فإن 2000 دولار متوسط الدخل في أمريكا لن تكفي لتغطية النفقات الاجتماعية الأمريكية، حيث سترتفع أسعار المنتجات بشكل جنوني في حال تم إنتاج البضائع في أمريكا، إضافةً إلى العوامل الموضوعية التي أدت بشكل أساسي لانتقال الصناعات إلى خارج الولايات المتمثلة في انتقال الصناعات الأقل ربحية وقيمة مضافة الى مناطق الدخل المتوسط والمنخفض، كنتيجة موضوعية لإعادة توزيع العمل والقيمة العالمي. إذاً، أمريكا في وضعية خاسر- خاسر فهي إن أبقت على العلاقات الاقتصادية التقليدية فإنها ستنهار، وإن غيرت أسلوبها فإنها لن تستطيع إنتاج ما تحتاج بأسعار تضمن أقل تكاليف وأعلى ربحية، وهذا ما يسمى أزمة حكم في أمريكا. فهل تصبح أمريكا اشتراكية كمخرج وحيد من الأزمة الرأسمالية التي وعد ترامب بعدم حصولها؟ هل يستطيع هو منعها؟
القومية بدل العولمة
إنّ من سخرية القدر ما يحصل اليوم على المستوى الاقتصادي العالمي. إنّ ذلك الاقتصاد الذي أنشأته أمريكا أصبح عدو أمريكا الأول، الرئيس الأمريكي ترامب في خطاب الاتحاد، قال: إن العولمة أصبحت عدّواً لأمريكا، وأن الحل: هو الوطنية كبديل أو القومية. وبهذا تقوم أمريكا بفك ما جمعته على مدى عشرات السنيين، لكن بظروف مختلفة، فهي اليوم- على عكس ما بعد الحرب العالمية الثانية- أقل قدرة على التأثير على العالم. هناك عدم اتفاق، وقوى مقاومة ليس فقط عند الأعداء كما تصفهم أمريكا، بل أيضاً لدى الحلفاء. فالسياسيات الأمريكية الجديدة تضر دولاً، مثل: ألمانيا التي تعتمد على دعم قوي من الصادرات. ومثل: موضوعة الرسوم التي ستؤثر على نمو الاتحاد الأوروبي، والذي تقول المؤشرات الاقتصادية أنه لن ينمو كما المتوقع، بل في أسوأ السيناريوهات سنشهد انكماشاً فيه، لذا لن تكون الخطوات الأمريكية محل ترحيب بل سيتم إعاقتها قدر المستطاع، وهي ما تشكل خطراً على النظام الأمريكي، الذي قد يتلقى ضربات قوية حتى من الحلفاء لمنع التغيرات التي ترغبها أمريكا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 915