القمم العربية والخليجية مفردَتان من مفردات انهيار النظام الرسمي العربي
إِثر تفجيرات الفجيرة في الإمارات خلال شهر آيار الحالي التي استهدفت أربع ناقلات نفطية اثنتان منهما سعوديتان والأخريان إماراتية ونرويجية، واستهداف اليمنيّين لمحطات الضخ وأنابيب النفط السعودي، وسقوط قذائف الهاون جانب السفارة الأمريكية في العراق، دعت المملكة العربية السعودية إلى عقد قمتين للجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي في الثلاثين من الشهر الحالي.
تفرّدت الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن باتهام إيران بالهجمات، وعليه لا يمكن فصل التفجيرات المذكورة عن سياق التصعيد الأخير القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بشقيه: الاقتصادي الرامي إلى تصفير النفط الإيراني وإعلان إيران عن نيتها الرد بإغلاق مضيق هرمز، والعسكري حيث صرحت إيران ردّاً على التهديدات الأمريكية أنها ستكون انتحاراً سياسياً (لمجموعة المتآمرين ومفتعلي الحروب)، فيما بدا أنه توافق ضمني منها مع حلفائها الروس الذين (لا يعملون إطفائية في العالم)، وانتهى بتصريح ترامب بكونه (لا يأمل أن نكون متجهين إلى حرب مع إيران)، وإعلان أن السعي لتسليح المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية هو للردع وليس الهجوم.
وعلى ذلك فإن انعقاد القمتين العربية والخليجية يوضع في سياق الضغط السياسي على إيران، والذي ما فَتِئَت القمم العربية والخليجية في السنوات الأخيرة تمارسه، بما يعنيه ذلك من تصعيد أمريكي بذراع خليجية هذه المرة تجاه ترويكا آستانا الذي تشكل إيران طرفاً أساسياً فيها مع روسيا وتركيا والآخذة بالاتساع الموضوعي في منطقتها الحيوية عبر آسيا وأواسطها، وما يمثله هذا التصعيد من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية للانكفاء نحو الداخل مع الحفاظ على امتداداتها التقليدية الصهيونية ـ الرجعية في المنطقة والعالم.
وبالعودة إلى أسباب نشوء جامعة الدول العربية في 1945 كأقدم منظمة سياسية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية تحت رعاية غربية في حينه، دعت إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها! وما تمثله هذه الدعوة من صد تبلور وعي تحرري تصاعدي يشكل قاعدةً لتوحيد شعوبٍ في منطقة تشكل السيطرة عليها بوابة للهيمنة الدولية. وبتتبع سريع لتاريخ قمم الجامعة العربية، ونتائجها بعد حسم الصراع فيها ضد الاتجاه التحرري القومي ممثلاً بمصر في مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر، وما يعنيه ذلك من خروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني، ولمصلحة الاتجاه الأكثر رجعيةً فيها ممثلاً باتفاقية كامب ديفيد 1978، أعقبها تشكيل مجلس التعاون الخليجي 1981، ثم تبني النظام السياسي العربي ضمنياً للاتفاقية في 1989. أعقبه موقف الجامعة من العدوان على العراق 1990/ 1991، حتى تعرضه للغزو 2003، وما يعنيه ذلك من خروجٍ للعراق من دائرة الصراع إياه، وتبنيها اتفاقيات أوسلو ووادي عربة تسعينات القرن المنصرم، ومبادرة الملك السعودي 2002، وموقفها من الأحداث الجارية في المنطقة برمتها، متضمناً موقفها من الأزمة في سورية بقصد إخراجها من دائرة الفعل وشلِّ قدرتها على المواجهة ضد الصهيونية، حتى لو أدى إلى استهدافها وجودياً. ثم الاستدارة الكاملة لوجهة الصراع العربي ضد الصهيونية نحو الصراع ضد إيران! والذي كانت الحرب الإيرانية العراقية خلال القرن المنصرم تؤدي الدور الرجعي المضمر والمطلوب من النظام السياسي الرسمي العربي، في المنطقة تجاهها الذي يسعى اليوم إلى تمرير صفقة القرن الأمريكية تصفيةً للقضية الفلسطينية، انتهاءً بحصر دور الجامعة في إطار التحريض المذهبي والطائفي، في تقزيمٍ فاقعٍ للمشاكل والقضايا الجوهرية والوجودية لشعوب المنطقة، والتي تمثل الصهيونية إحدى أبرز إحداثياتها.
غير أن التقزيم الحاصل لتلك المشاكل والقضايا في المنطقة، والنفخ في قربة القضايا الثانوية غير المصيرية المثقوبة، والتي مارست جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي دور العرابة فيه وصولاً إلى الفترة الراهنة ـ فترة تغيّر موازين القوى الدولية، وصعود قوى دولية جديدة وجدية في حل بؤر المشاكل حول العالم- يتضمن معنى واحداً اليوم يتصل بكون كلتا المنظمتين باتتا مفردَتين من مفردات انهيار النظام الرسمي العربي أمام عالمٍ جديد آخذٍ بالتشكل في علاقاته الدولية والإقليمية، ولا بد للشعوب فيه أن تعيد تشكيل مفرداتها متجاوزةً نظمها السياسية الرسمية المنهارة
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 915