واشنطن تنزّ عفنها... ليبيا بقعة أخرى!

واشنطن تنزّ عفنها... ليبيا بقعة أخرى!

مع تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية دولياً عن مختلف الملفات، وهزائمها السياسية والاقتصادية والعسكرية، من فنزويلا إلى سورية إلى كوريا فالهند وباكستان، ومع كل خطوة للخلف، تستعر واشنطن لتصعيد ملفٍ دولي آخر جديد في محاولة تعقيد الأوضاع، وتأزيم الساحة الدولية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، آخرها بعد فنزويلا في الشهرين الماضيين، ليبيا اليوم.

تشهد ليبيا منذ 2011 أزمة سياسية عسكرية عميقة ومعقدة جداً، أدت إلى انهيار الدولة وانقسام الساحة السياسية بشكل أساسي بين حكومتين متنازعتين يقودها فُرقاء ليبيون، هما: «حكومة الوفاق الوطني» في غرب ليبيا، بقيادة فايز سراج والميليشيات المنضوية بغطائها، والحكومة الموازية في الشرق، يدعمها مجلس النواب و«الجيش الوطني الليبي» بقيادة خليفة حفتر.

لا حلّ عسكرياً

إن الوضع الليبي وظرفه محلياً ودولياً منذ بداية الأزمة وحتى الآن، لا يتيح مجالاً لأيّ من الأطراف بحلّه عسكرياً، الأمر الذي دفع بروسيا والأمم المتحدة إلى الضغط باتجاه الحلول السياسية والحوار، الأمر الذي أثمر بضعة خطوات مبدئية في السنين الماضية، حيث جرت عدة اجتماعات ثنائية لكل حكومة منهم مع الأطراف الدولية، تم التوصل فيها إلى سُبل تهدئة أوّلية واتفاقات بالحدّ الأدنى لدفع الأوضاع نحو الاستقرار، تمهيداً للعمل على آلية حل سياسي يؤمن وحدة البلاد وشعبها... وليتجلى بوضوح، كأيّ من الملفات الدولية الأخرى المتشابهة بخطوطها العامة، الدور الأمريكي في عرقلة هذه المساعي عبر ذراعه الممتدة من خلال الدول الأوروبية نفسها، ويتبين للمتابع للتطورات الليبية أيضاً، مدى عمق الاختراقات الحاصلة داخل الحكومتين، وتأثيره على القرارات السياسية والعسكرية المتخذة منهما، بتوقيتها وتصعيدها، لتظهر كتخادم يضرب أيّ تقدّم سياسي.

تقسيم أم استدامة اشتباك؟

يجري الحديث منذ سنين عن تقسيم ليبيا إلى دولتين أو أكثر، لكن ما يجري هو غير ذلك، إنّ هذا الأمر مرتبط بأزمة المركز الرأسمالي، فلو أنّ هذه الأحداث الليبية بسنينها الثماني جرت قبل عشرين سنة على أقل تقدير، لتمّ إنجاز التقسيم وإعلانه بسنته الثالثة، الأمر اليوم غير ذلك، فمستوى الأزمة الرأسمالية والخطر الذي يترصد لواشنطن، لا يسمح بأيّة حالة استقرار بأيّ ملف دولي، ولو كانت عبر «التقسيم»، والحالة الليبية مثالاً، حيث الأساس العسكري والسياسي موجود منذ حين، لكن مستوى أزمة واشنطن من جهة، والانقسام الحاصل داخل إدارتها، لا يسمح ولا يريد سوى استدامة الاشتباك والحرب، ليس في ليبيا وحدها، بل وفي الملفات الأخرى، فالحال اليوم ليست بالتقسيم ضد وحدة البلاد، بل باستدامة الحروب ضد إخمادها.

ملفّ دولي- هزيمة- ملف جديد

إذا نظرنا لأخبار الملفات الدولية منذ بداية سنة 2019 وحتى الآن نرى الآتي: الملف السوري موجود على طول الخط، الملف الكوري برز مؤقتاً ثم عاد ليهداً، تبعه الملف القديم الجديد الهندي-الباكستاني ثم هدأ أيضاً، تلاه الملف الفنزويلي بكل تصعيده وأيضاً هدأ، واليوم الملف الليبي الذي انطلق بعد كل فشل لواشنطن في الملفات السابقة، بعد أن أعلنت قوات «الجيش الوطني الليبي» بقيادة خليفة حفتر إطلاق عملية تحرير طرابلس، ضمن تصعيد عسكري كبير وخطير، نشبت على إثره معارك عسكرية عل تخوم العاصمة الليبية، أخلّت بالاتفاقيات السياسية الحاصلة قبل ذلك، وهو الهدف المراد تحقيقه... لكن كأيّ من الملفات السابقة: سوف يهدأ أيضاً، لتستمر عمليات الحلول السياسية بالمضي للأمام على حساب محاولات التصعيد والتوتير.

حالة احتضار

هذه الملفات اليوم، بشكل ظهورها وتهدئتها بين الحين والآخر، تعبّر عن تطهير التوازن الدولي الجديد لمخلّفات وعفن التوازن القديم بقيادة واشنطن، وكلّ ملفّ منها يمثّل حالة نزّ للأذرع الأمريكية المتعفنة الموجودة داخلها، والتي لا حاجة لبترها مباشرةّ، الأمر الذي تعمل وفقه القوى الدولية الجديدة، فالمرض الحاصل داخل المركز بانقسامه واقتراب انفجار الأزمة المالية وخلافاته مع حلفائهِ كفيل عبر تطوره بتماوت هذه الأذرع... وما تفعله القوى الجديدة الصاعدة هو: تهدئة آثار حالة الاحتضار هذه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
908
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2019 13:52