الهند وباكستان والنيومالتوسية
يعود تاريخ الصراعات الدموية بين الهند وباكستان إلى عقود عديدة ماضية، وقد بدأت تلك الصراعات بالضبط بعد شهرين من استقلال كل منهما عن الاستعمار البريطاني عام 1947.
ضمن معاهدتي الاستقلال، لم تقبل «الإمبراطورية التي غابت شمسها»، وبعد كل الجرائم والمجاعات الكبرى التي ارتكبتها عبر أذرعها المختلفة وعلى رأسها «شركة الهند الشرقية المحترمة»، لم تقبل أن تترك شعوب شرق آسيا بسلام، بل وضعت الأساس لنزاعات متعددة لاحقة، كما فعلت بالتعاون مع فرنسا في منطقتنا عبر سايكس بيكو.
في الهند وباكستان جرت عمليات تقسيم متتالية، على أسس دينية وطائفية وقومية، وعبر سلسلة من الحروب، حيث ظهرت إلى الوجود دولة بنغلاديش عام 1971... إضافة إلى سلسلة من الانقسامات الأخرى.
إقليم كشمير
يمتد إقليم كشمير على مساحة تقارب 240 ألف كم مربع، ويقع ضمن ثلاثة دول، الهند تدير حوالي 70% من مساحته، و20% تدار من باكستان، وحوالي 10 بالمئة تدار من الصين... وجرى تأسيس الصراع عبر الحالة المزدوجة لكشمير بالمعنى الطائفي السياسي، وتفعيل النزاع وفقاً لهذا الأساس، حيث تسكن الإقليم أغلبية مسلمة وأقلية هندوسية في حين تدير الهند القسم الأكبر من الإقليم (وهي البلد ذو الأكثرية الهندوسية) في حين تدير باكستان القسم الأصغر من الإقليم (وهي البلد ذو الأكثرية المسلمة).
خاضت الهند وباكستان ثلاث حروب لتحديد مصير الإقليم، أعوام 1947-1948، 1965، 1999، وبقيت الأمور على حالها من حيث توزيع الإدارة ومن حيث بقاء فتيل النزاع جاهزاً للإشعال دائماً.
من «مجاهدي» أفغانستان إلى 11 سبتمبر
دخل الصراع مرحلة أكثر تعقيداً مع توسيع الاستثمار الغربي، والأمريكي البريطاني خاصة، في ظاهرة «المجاهدين» بعد تولي حكومة تقدمية مقاليد الأمور في أفغانستان عام 1978. منذ ذلك الحين دخل شرق آسيا حلقة من التوتر والنزاعات المستمرة المترافقة مع التفشي المنتظم للظواهر الإرهابية وللمنظمات الإرهابية.
ووصل الاستثمار الغربي درجة متقدمة بعد 11 سبتمبر، وانتشار تنظيم القاعدة، ولاحقاً تنظيم داعش.
في ظل هذه التوترات، بات إقليم كشمير نفسه مستهدفاً كمنطقة انتشار وعمليات لمختلف أنواع التنظيمات الشبيهة بداعش.
في العمق
هنالك ما هو أبعد وأعمق من التنافس الإقليمي بين دولتين كبيرتين، ونوويتين، من طراز الهند وباكستان، لتفسير ما يجري من تصعيد منذ أسبوع بين الدولتين.
إنّ سياسة إثارة الصراعات البينية على أسس قومية ودينية وطائفية، باتت سلوكاً عاماً بالنسبة للولايات المتحدة، وللمركز الغربي ككل، في إطار محاولاته التعامل مع أزمته الاقتصادية الخانقة.
في السياق، فإنّ ما ينبغي تذكره دائماً، أنّ مراكز الأبحاث الغربية المشتغلة لمصلحة النخبة الدولية الحاكمة، وعلى رأسها نادي روما 1975، كانت قد وصلت إلى أن الحفاظ على نمط توزيع الثروة على المستوى العالمي، (أي: للحفاظ على النظام الرأسمالي) فإنّه من الواجب الحفاظ على تعداد سكان العالم بحدود 3 مليارات، في ما بات يعرف لاحقاً بالنيومالتوسية، وأحد أهم أدوات تطبيقها هي الحروب البينية الواسعة، وأحد أهم مطارح تطبيقها هي بلدان شديدة الكثافة السكانية من طراز الهند والصين وباكستان التي تضم مجتمعة ما يزيد على 42% من إجمالي سكان العالم
الهند وباكستان تضمان (1,3 مليار، و200 مليون إنسان) على التوالي، وبالمجموع تضمان حوالي خمس سكان العالم.
مؤشرات العمل على تأجيج الصراع الهندي الباكستاني ضمن السياق النيومالتوسي كان من الممكن التقاطها حتى قبل ربع قرن من الآن: «إنّ كل المؤشرات تشير إلى أن النظام العالمي الجديد يؤجج الصراع بين الهند وباكستان حول قضية كشمير. وهناك خطر أن يتحول هذا الصراع إلى صراع نووي»1 ...
الخطط المتغيرة والمتعثرة
بدأت «الحرب الأمريكية على الإرهاب»، بالضبط من آسيا الوسطى، حيث الكثافة البشرية عالية جداً، من أفغانستان، واختيار أفغانستان كقاعدة انطلاق لم يكن عبثاً، فبعد تحضيرها ستكون الاحتمالات مفتوحة نحو الاتجاه الذي يجري تقريره للخطوة التالية صوب (الشمال أو الشرق أو الغرب). وكان أحد احتمالات المخطط أن تكون الخطوة التالية هي مباشرة صوب الشرق نحو الهند وباكستان فالصين، ولكن الطمع بالنفط أزاح الحرب غرباً باتجاه العراق، كما جرى مع هتلر بالضبط أثناء الحرب العالمية الثانية في التعامل مع موسكو.
والمحصلة، أنّ الخطط دخلت في مرحلة من الاضطراب الشديد، وتعرضت لعراقيل كبرى، ولم تصل إلى مبتغاها... ومحاولة نقل المعركة من جديد إلى باكستان والهند، ليس أمامها تقريباً أي أمل في النجاح، فما عجزت الولايات المتحدة عن فعله قبل تبلور التوازن الدولي الجديد، سيكون الآن مستحيلاً بعد تبلور ذلك التوازن.
أولى المؤشرات في هذا الخصوص، هي: الدخول الشديد النشاط لكل من الصين وروسيا ومنظمة شنغهاي على خط الوساطة، وتأريض النزاع بين الهند وباكستان، وأولى مؤشرات التهدئة قد ظهرت إلى السطح يوم الجمعة الفائت مع تسليم الطيار الهندي المأسور لبلاده...
1 قدري جميل، الحضارة البشرية على مفترق طرق، دار الطليعة الجديدة، دمشق 1994، ص83، تحت عنوان وسائل الإبادة الجماعية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 903