هل تقهر شعوب القارة الجنوبية الأمريكيين مجدداً؟
استخدمت روسيا والصين حق النقض الفيتو ضد قرار أمريكي في مجلس الأمن بخصوص فنزويلا قال عنه المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي فاسيلي نيبينزيا، أنه في حال إقراره سيشكل سابقة تاريخية في تغير رئيس دولة منتخب بقرار من مجلس الأمن . والحقيقة أن الأمريكيين لطالما شكلوا سوابق بنوا عليها تاريخاً كاملاً من التدخل في شؤون الدول الأخرى وقهر شعوب العالم، ودعم الحكومات والدكتوريات العسكرية وخاصة القارة الأمريكية الجنوبية.
تاريخ نضالي كبير
مُذ بدأت الأزمة الفنزويلية بإعلان رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو نفسهِ رئيساً انتقالياً لفنزويلا متواطِئاً مع الغرب الذي سارع للاعتراف به متدخلا بشأن سيادي في سابقة تاريخية، انبرت الكثير من المنابر للحديث عن عُمر التدخل الأمريكي والغربي في القارة الجنوبية ابتداء من غزو هايتي عام 1905 مروراً بأزمة الكاريبي حتى دعم الدكتوريات العسكرية في البرازيل والأرغواي والأرجنيتن والحديث عن التدخل الاقتصادي، ودعم مافيات المخدرات والسلاح، تلك الأمور التي أصبحت اليوم بدهية وتعترف بها أمريكا على الملأ. الحديث عن الوجود الصيني في القارة والضغط الناشئ على أمريكا بخصوص تعاظم الدور الصيني الروسي، ولأن كل ما سلف صحيح، فإنه من المجحف نسيان قاطرة المقاومة في القارة الجنوبية، وإنهم من يملؤون العالم ضجيجاً، إنهم شعوب القارة.
بدأت المقاومة ضد الاستعمار الإسباني مبكراً في القارة الجنوبية بسيمون بولفار في كولومبيا الكبرى، وغرناطة الجديدة، وسان مارتني قيادي معارك تحرير أمريكا الجنوبية من الاستعمار الإسباني، والتفت حولهما جماهير أمريكا الجنوبية في معاركهما حتى الاستقلال النهائي عن الاستعمار الإسباني عام1826 ورغم الاستقلال لم تستيطع القارة تحقيق حلم سيمون بولفار وحلم جماهيرها بتحقيق وحدة القارة تحت حكم مركزي، بل على العكس اندلعت موجة من الحروب الأهلية فيها، وهنا برز صراع من نوع جديد، حيث أعلنت أمريكا عن مبدأ مونرو في بيان أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونروK في رسالة سلّمها للكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م. نادى مبدأ مونرو بضمان استقلال كل دول نصف الكرة الغربي وضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم. ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكيين لا يجوز اعتبارهم رعايا مستعمرات لأية قُوى أوروبية في المستقبل. والقصد من هذا البيان، هو: أن الولايات المتحدة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكيتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها، ومبدأ مونرو هو مبدأ استعماري، كان محاولة أمريكية للحلول مطرح الاستعمار القديم.
موجات حراك ثوري
إن القانون الاجتماعي الذي يحكم القارة الجنوبية: أنه كلما زاد التدخل الغربي فيها ازدادت ممانعة هذه الدول لكل أشكال التدخل، وزاد وعي شعوبها بضرورة الاستقلال السياسي والاقتصادي، وكل خطوة تخطوها الإمبرياليات العالمية تكون درساً لشعوب القارة، فالمدّ الثوري في القارة بعد الحرب العالمية الثانية ومبادئ الاشتراكية والعدالة الجتماعية قد اجتاحت القارة، ووصول فيديل كاسترو للسلطة في كوبا وشكل موازيين القوى الدولية، والتعادل النووي بين السوفييت والأمريكيين فتح المجال لوصول مجموعة من القادة اليساريين الشيوعين والوطنيين في أكثر من دولة، في البرازيل والأرجنيتن وتشيلي لكن وبسبب تراجع المد الثوري العالمي وتراجع الاتحاد السوفييتي عن دعم القوى الثورية بعد إعلان خرشوف التعايش السلمي مع الرأسمالية، واستطاعت أمريكا قمع الموجة من خلال دعم مجموعة من الدكتوريات العسكرية، استطاعت من خلالهم تأطير القارة تحت سيطرتها لزمن طويل. إلّا أنّ شعوب القارة استطاعت تجاوز هذة المرحلة وبنت لنفسها- بفعل صمودها وتضحايتها- ديمقراطية تحمي بها نفسها من أيةِ محاولة أمريكية لضرب أسس المجتمعات من خلال الانقلابات العسكرية، لتكون درس للديكتاتورية العسكرية، وإن أعاق نمو وتطور أمريكا الجنوبية، إلّا أنه سمح لها بالحصول على بدائل في مواجهة الغرب.
اليوم ليس كأمس
اليوم، رغم أن أمريكا من خلال تدخلها في القارة، تبدو وكأنها منتصرة فإن مقاربة الوضع اليوم، ومقارنة مع حوادث الانقلابات التي جرت في منتصف القرن العشرين، تبدو أمريكا أكثر ضعفاً وأقل تأثيراً على دول القارة، فإن وصول مجموعة من القوى المحسوبة على أمريكا ضمن عملية سياسية ديمقراطية، وأن أخذت شكلاً انقلابياً سياسياً ناعماً، لكنها لم تقضِ على الديمقراطية السياسية المكتسبة التي دافعت عنها شعوب القارة، كشكلٍ من أشكال الاستقلال السياسي عن الغرب، الذي لطالما استعمل الجيوش لتدمير حركة الشعوب، إلّا أنه اليوم الجيش البرازيلي يرفض التدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا، والجيش الفنزويلي يساند شرعية مادورو، والوضع الدولي يتجه صوب انحسار قدرة أمريكا على التأثير، ورغم أن سلاح العقوبات الاقتصادية سلاح فتاك، إلّا أنه لن يدوم طويلاً بحكم الخيارات التى تفتحها الصين وروسيا لشعوب العالم، للتحرر من الهيمنة الدولارية.
إن الأمر لا يتعلق بمادورو وحدة، أو بأي رئيس آخر رغم أهميته، إن استقلال أمريكا الجنوبية هو مطلب شعبي، سيمضي إليه أحفاد سيمون بولفار مستفيدين من تطور وتغير منظومة العلاقات الدولية
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 903