السودان: احتجاجات حتى التغيير
في التاسع عشر من شهر كانون الأول الجاري بدأت في السودان موجة من الاحتجاجات، إثر قرارات حكومية تُفضي إلى رفع أسعار الخبز والمحروقات بنسب تفوق الـ100% لبعض السلع، الأمر الذي كان أكثر من كافٍ لدفع شعبٍ 46% منه فقراء حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2016 إلى الشارع .
لاشك أن تفجر الاحتجاجات في السودان وتصاعدها في هذا الوقت قد ساهم به أيضاً المناخ العام الدولي والإقليمي، الذي يشهد بدوره حركات احتجاجية الطابع، وهو ما يُعتبر عاملاً موضوعياً لا بد منه في سبيل نزول القوى الشعبية إلى الشارع للمطالبة بما تصبو إليه.
الدعاية الحكومية وتشويه الحركة
منذ بدء الاحتجاجات المذكورة تتضارب التقارير الإعلامية فيما يخص أرقام الضحايا، ولكن ما يمكن التأكيد عليه أن هذه الحصيلة تتراوح بين 20 إلى 50 قتيلاً، وهو ما لا تخفيه السلطات الحاكمة، بالإضافة إلى اعتقالات واسعة طالت حتى قياديين في أحزاب سياسية معلنة ومرخصة من قبل السلطات المختصة منهم: شيوعيون وبعثيون وناصريون.
وكان لارتفاع حدة ووتيرة الاحتجاجات بعض التأثيرات الإدارية كتعليق الدراسة في الجامعات والمدارس في بعض الولايات، الأمر الذي اعتبرته بعض الجهات المعارضة للحزب الحاكم محاولة منه للحد من الوتيرة المتسارعة للحركات الاحتجاجية المناهضة له. أما الأمر الذي يمكن اعتباره إيجابياً فيتمثل باستجابة البرلمان لبعض القوى المعارضة في استجواب وزير الداخلية للتحقيق بمسألة سقوط ضحايا في الاحتجاجات السلمية، الأمر الذي لم يحدث في دول عربية أخرى أثناء الاحتجاجات السلمية التي حصلت فيها.
على الصعيد الإعلامي لم يتجاوز الخطاب السياسي للحزب الحاكم دهاليزه الضيقة والمغلقة، والتي لا ترى سوى مصالحها المباشرة والضيقة هدفاً وغاية، من خلال التركيز على فكرة وجود «مندسيّن» وراء المظاهرات، وعلى قيام البعض بعمليات نهب وحرق للممتلكات الخاصة والعامة، كما أن تصريحات وزير الإعلام والاتصالات السوداني لم تخرج عن الإطار العام الدبلوماسي الداعي إلى الهدوء وعدم الانجرار خلف «دعاة الفتنة» والقول: إن الأوضاع الاقتصادية السيئة ستتحسن وهي ماضية في هذا الاتجاه. إن عدم التركيز على تقصير الحكومة في أداء مهامها، وسياستها التي أدت إلى تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، والذي هو في واقع الأمر السبب الجوهري والأساس الذي يدفع الناس إلى التظاهر، يعتبر تشويهاً للحقائق، وابتعاداً عن الحل، الأمر الذي لن يزيد الوضع سوى سوءٍ واحتقانٍ.
إن المؤشرات الإعلامية تَشي بأن حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم– وهو الجناح السوداني لتنظيم الإخوان المسلمين- قد بلغ درجة متقدمة من التخلف والعمه السياسي، وهو ما يؤكد على أنّ التغيير قادم لا محالة في نهاية المطاف