المغرب وإيران: ما الذي حدث؟
فجأة ودون تمهيد بدأت وسائل الإعلام الكبرى تتناقل خبر قطع المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وذلك على خلفية ادعاء المغرب بأنّ السفارة الإيرانية في الجزائر تزوّد جبهة «البوليساريو» في الصحراء الغربية بصواريخ مضادة للطائرات.
رغم عدم إيراد أدلّة على ذلك، ورغم إنكار إيران والجزائر هذه الاتهامات، فقد وجدت وسائل الإعلام المملوكة للشركات الغربية الفرصة سانحة لإيراد الكثير والكثير من التحليلات عن «صلات» إيران بدعم «الإرهاب»، حتّى أنّ بعضها وصل به الأمر للإعلان بأنّ المغرب قد قطعت الطريق هكذا على إيران من تحضير شيء كبير على مستوى منطقة شمال إفريقيا بأكملها.
ومن خلال بعض المتابعة المتأنية لسياق الأحداث الكلي، وللتحليلات المناقضة لتلك التي توردها وتمولها وسائل الإعلام السائد، ربما نتمكن من إيراد بعض النقاط التي تشرح مثل هذه الخطوة بحيث يكون شرحنا أبعد رؤية بقليل من التركيز على الحدث بعينه.
اللّحاق بالركب
على الموقع الذي ترغب الملكيّة المغربية بأن تتموضع ضمنه في الصراع الغربي- الشرقي الذي نرى تداعياته حول العالم، وفي منطقتنا خصوصاً. ففي سياق الادعاءات الغربية بدءاً من اتهام روسيا بأنّها سممت العميل السابق في بريطانيا، إلى اتهامها بالتغطية على استخدام الحكومة السورية للسلاح الكيماوي، إلى التهديد بالحرب التجارية، إلى محاولة الحشد ضد إيران والانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، يمكننا أن نرى: أنّ المغرب تحاول هنا اللّحاق بركب حلفائها.
ففي نهاية المطاف المغرب مسماة من قبل الولايات المتحدة بأنّها «حليف رئيس ليس من الناتو MNNA»، وهي عضو في «التحالف الإسلامي العسكري لمقارعة الإرهاب» الذي تقوده السعودية. ولا يخفى عن أحد الهوى المغربي بالكيان الصهيوني.
محور بضائع
قدمت المغرب العام الماضي طلباً للانضمام إلى «المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ECOWAS» رغم عدم جوارها لأيّ من دول المجموعة. ورغم أنّه قد تأجل البتّ في الطلب حتّى وقت لاحق نتيجة «القلق من تحوّل المغرب لممر لبضائع أوروبية تتسلل للمنطقة نتيجة اتفاق التجارة الحرة بينها وبين بروكسل»، فقد يكون الهدف المغربي من الانضمام لهذه الشراكة، هو: أن تصبح محور بضائع بين الغرب ودول غرب إفريقيا، وبعدها مع جميع دول القارة.
وهذا يجعلها توّاقة لإظهار ولائها للغرب، خاصة بعد تمرير القرار الغربي في مجلس الأمن لتمديد المحادثات بين «البوليساريو» والسلطات المغربية تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي يخدم المصالح المغربية، والذي امتنعت روسيا والصين عن التصويت عليه لكن دون رفع الفيتو في وجهه. وقد صرّح نائب المبعوث الروسي للأمم المتحدة سافرونكوف في حينه: «لم نرفع الفيتو لأننا ندرك قيمة استمرار عمل الأمم المتحدة في الصحراء الغربية».
إعادة توجيه البوصلة
قد لا تكون الصلة المباشرة واضحة، ولكن لا بدّ هنالك صلة من ناحية الصورة ككل. فرغم تقليل وسائل الإعلام الغربية لزيارة الملك المغربي لموسكو في 2016 وتوقيعه اتفاق تعاون عسكري وأمني مع روسيا كخطوةٍ لتعزيز العلاقات بين البلدين في جميع الاتجاهات، فقد تكون هذه الخطوة قرباناً بسيطاً على مذبح إعلان الولاء للتحالف مع الغرب، وربما تستتبعها في وقت لاحق خطوات أكثر، رغم أنّ الظرف في الوقت الراهن لن يسمح للمغرب بالشطط أكثر من هذا، خاصة بعد الاضطرابات المستمرة التي تشهدها البلاد، والتي وإن كانت صغيرة نسبياً، إلّا أنّها لا بدّ مؤثرة.
الجارة المشاكسة
على سبيل التبسيط، يجب النظر دوماً إلى الصراع القديم- الجديد بين المملكة المغربية المحسوبة من حلفاء الغرب، وبين جمهورية الجزائر التي لطالما ربطتها علاقات طيبة بالاتحاد السوفييتي وبروسيا بعدها. ناهيك عن أنّ الجزائر هي من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقات طيبة مع إيران وسورية أثناء الفترة الدموية الماضية.
عندما نرى الأمر من هذه الناحية، فلا يمكننا إلّا أن ننتظر في الفترة القادمة ادعاءات أمريكية عن نشاط إيران «وأذرعها الشريرة» في الجزائر، وهو الأمر الذي قد يتخذ ذريعة لمحاولة ضرب الاستقرار في الجزائر، التي ينتظرها الكثير من الاستحقاقات في الفترة القادمة. وليس علينا أن ننسى السنوات الدموية التي عانتها البلاد في التسعينيات، وأنّها ربّما تكون هدفاً قادماً لحرب هجينة تشبه تلك المشتعلة في سورية. ليس علينا التقليل من شأن قوى الحرب في الغرب وفي أمريكا خصوصاً، والتي تريد إشعال المنطقة بأيّ ثمن.
ولن يكون هذا الادعاء مختلفاً عن ادعاءات سابقة بضلوع إيران في «تمويل الإرهاب في إفريقيا»، وتحديداً في 2010 عندما سحبت السنغال سفيرها من إيران تحت ادعاء أنّها «تشحن السلاح إلى المنطقة» وأنّ ردودها «لم تكن مرضية ومقنعة».
قد تكون جميع هذه الأسباب هي الدافع وراء التوجه المغربي، إلا أنّ الدافع الأخير هو الأكثر أهميّة من بينها جميعاً، وعليه فلا يجب أن نتفاجأ إن شهدنا بعد فترة تحركات غربية تستند إلى الاتهامات المغربية لإيران، أو على الأقل تتوافق معها وتدخل ضمن السياق ذاته.