هل يحلّ السلام على شبه الجزيرة الكورية!
في يوم الجمعة 27 نيسان الجاري، بدأ الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن، قمتهما التاريخية، بالمصافحة على الخط الفاصل بين البلدين، لتنتهي القمة باتفاق تاريخي بين الكوريتين...
اتفقت الكوريتان، في لقاء تاريخي حفل بالكثير من الرمزية بتجاوز عقود من الخلافات، وفي قمة هي الأولى من نوعها منذ 11 عاماً، والمرة الأولى التي يدخل فيها زعيم كوري شمالي أراضي الجنوب، منذ نهاية الحرب الكورية في عام 1953، لينتهي اللقاء ببيان مشترك عبّر عن بدء «عهد جديد» في شبه الجزيرة الكورية.
حول الاتفاق
عهد جديد من السلام، حيث لن تشهد شبه الجزيرة الكورية حرباً بعد الآن... هذا ما جاء في البيان الختامي لقمة الزعيمين الكوريين اللذين أكدا أن الهدف المشترك لبلديهما، هو: تنفيذ عملية نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، بالقول: «أكد الجنوب والشمال أن هدفهما المشترك هو تنفيذ عملية نزع الأسلحة النووية بالكامل من شبه الجزيرة الكورية. واتفق الجنوب والشمال على إجراء خطوات نشطة للتعاون مع المجتمع الدولي في قضية نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية».
تضمن الاتفاق أيضاً، هدف تقليص الأسلحة على مراحل من أجل تعزيز الثقة وخفض التوتر العسكري، وأن الكوريتين تعتزمان تحويل اتفاقية الهدنة لعام 1953 إلى معاهدة سلام، والبدء في التفاوض مع الولايات المتحدة والصين بهذا الشأن.
من جهة أخرى، فإن التحضيرات جارية للقاء الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون، ومن المتوقع أن يُعقد في غضون الأسابيع الـ3 أو الـ4 المقبلة.
في أسباب التوافق
وهنا من الطبيعي أن نتساءل عن سبب هذا الانعطاف في الأزمة الكورية نحو الحل، بعد أن شهدت الفترة الماضية غير البعيدة، تصعيداً إعلامياً وسياسياً موجهاً ضد كوريا الديمقراطية وتجاربها النووية، وصل إلى حد التهديد بتصعيد عسكري وتنبؤات بحرب نووية. فما الجديد اليوم؟
يعتبر الاتفاق الكوري الأخير، انعكاساً واضحاً لميزان القوى المتبدل اليوم، فالحل السلمي والتوافق في شبه الجزيرة الكورية، يعني فشل المحاولات الأمريكية المحمومة لتفجير الوضع في هذه البقعة من العالم. ويعكس بشكل أكثر وضوحاً، أن الجنون والتخبط الأمريكي سواء من خلال الإعلام أو التصريحات السياسية، أمر لا يعول عليه، طالما أن الأزمة الاقتصادية للمنظومة الرأسمالية الغربية ومركزها الأمريكي، هي مستمرة وتتعمق يوماً بعد يوم.
ويعزز الفكرة القائلة: إن مشروع قوى السلم والدول الصاعدة هو أقوى وأكثر قبولاً وصحةً من مشروع الفوضى الأمريكي، وهو بدأ يترسخ كأمرٍ واقعٍ، ومن الجدير بالذكر هنا، أن ملامح حل الأزمة الكورية بدأت في عام 2017 عندما اقترحت روسيا والصين خارطة طريق للحل والعودة إلى المفاوضات.
المواقف الدولية
الاتفاق بالعموم لاقى ترحيباً دولياً واسعاً، لكن الموقف الروسي والصيني تمايز عن الموقف الغربي. حيث إن روسيا وعلى لسان نائب وزير الخارجية الروسي، إيغور مورغولوف، أكدت على ضرورة الاستمرار بالمفاوضات السداسية لتسوية الوضع في شبه الجزيرة الكورية، باعتبار أن السداسية إطار مؤسساتي لا بديل عنه لتعزيز الجهود الجماعية الفعّالة في هذا الإطار، وقال موروغلوف: «إن روسيا تشعر بالرضى لكون عملية التسوية في شبه الجزيرة الكورية تتماشى مع خارطة الطريق التي اقترحتها روسيا قبل نحو عام ودعمتها الصين»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن روسيا مستعدة لدفع مشاريع ثلاثية بمشاركة الكوريتين، بالقول: «نعتزم استئناف العمل على إحياء التعاون الثلاثي المشترك بين موسكو وبيونغ يانغ وسيئول للقيام بمشاريع اقتصادية بين الكوريتين، بما في ذلك مشاريع تتعلق بالبنية التحتية». كذلك الأمر بالنسبة للصين، التي أكدت أن الاتفاق سيعطي زخماً للعملية السياسية في شبه الجزيرة.
بالمقابل، فإن الموقف الغربي، وتحديداً الموقف البريطاني وحلف «الناتو»، تمثّل بالدعوة إلى إبقاء العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ. حيث أشار وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، إلى أن الوثيقة الصادرة عن القمة «ليست النهاية»، وأن بريطانيا لا تزال ملتزمة بتطبيق العقوبات حتى تنفذ كوريا الشمالية التزاماتها بشأن وقف إطلاق الصواريخ.
وهنا يبدو واضحاً الاختلاف بين سياسة الغرب بالتعامل مع الأزمات، من خلال الضغط والحصار، بما يدفع باتجاه مزيدٍ من التوتر، مقابل سياسة الصين وروسيا القائمة على تقديم الدعم والتطوير بما يدعم السلم والاستقرار.
سلم واستقرار
في هذا الإطار، يحمل الاتفاق آفاق تنمية وسلام تنتظر شبه الجزيرة الكورية، كما أن الحديث لا يخلو عن إمكانية إعادة توحيد الكوريتين في المستقبل، وهو الأمر الذي تمت الإشارة إليه خلال القمة الكورية.
فمن جهة تم التأكيد على أن نزع الأسلحة النووية سيتم قريباً، حيث نقل المتحدث، يون يونغ تشان، عن الزعيم الشمالي قوله: «سنغلق موقع التجارب النووية في أيار القادم، ولضمان الشفافية أمام المجتمع الدولي، نعتزم دعوة خبراء دوليين وصحفيين إلى كوريا الشمالية للتحقق من ذلك». مضيفاً أن «الزعيم كيم أكد أنه لن تكون هنالك حاجة لامتلاك أسلحة نووية، إذا أنهت واشنطن حالة الحرب رسمياً، وتعهدت بعدم الاعتداء».
ومن جهة أخرى، اتفقت الكوريتان على تنفيذ مشاريع كانت معلّقة، واتخاذ خطوات جادة لربط السكك الحديدية والطرق بين البلدين وتحديثها واستغلالها لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار في شبه الجزيرة الكورية، بالتوازي مع الحديث الروسي عن نيتها دعم مشاريع البنية التحتية في المنطقة.
والأهم، يبدو أن هذا الاتفاق هو مقدمة لخروج القوات الأمريكية من المنطقة، استكمالاً للتراجع والانسحاب الأمريكي من مناطق عدة حول العالم، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، قائلاً: إن الولايات المتحدة مستعدة لأن تبحث مع الحلفاء وكوريا الشمالية سحب قواتها من شبه الجزيرة الكورية، في إطار مفاوضات معاهدة السلام.
يقدم الاتفاق الكوري نموذجاً لحل الصراعات والأزمات سلمياً حول العالم، وهو المنطق الذي سيفرض نفسه في نهاية المطاف على ملفات عدة، يدعمه تبدل موازين القوى والواقع الجديد في العلاقات الدولية، وهو الأمر الذي يتطلب من القوى المحلية والإقليمية ضرورة التقاط الظرف التاريخي الجديد، والاستفادة من الظرف الدولي الناشئ لحل قضاياها الداخلية، بما يضمن أمنها ووحدة أراضيها.