دروس غزو العراق... ونهاية العنجهية الأمريكية
بتاريخ 20/3/2003 شنّت القوات الأميركية حربها الهوجاء على العراق تحت ذريعة محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية، والحفاظ على الأمن الدولي والانتصار للشعب العراقي، خوفاً من «سلاح نووي» قد يملكه قادة العراق. فما الذي حققته الحرب الأميركية على العراق بعد 15 عاماً من بدايتها؟
كيف يمكن إسقاط تجربة الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 على التهديدات الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، بشن ضربات عسكرية على الأراضي السورية اليوم، وفي ظل التوازنات الدولية الجديدة؟
الحرب وسيلة نجاة!
منذ مطلع الألفية الثالثة، ومع تعمّق الأزمة الرأسمالية في المراكز الإمبريالية، لجأت الدول المأزومة اقتصادياً وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية إلى اختلاق ذرائع جديدة تستطيع من خلالها إفراغ أزماتها في مناطق بعيدة جغرافياً عنها.
فكانت الحرب، الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية، خياراً واحداً لا رادّ له، وكانت أحداث 11 أيلول 2001 بمثابة فتيلة مصطنعة تم إشعالها كمطيّة للدخول في حروب جديدة. ورغم عدم موافقة مجلس الأمن الدولي، حدثت واقعة حرب العراق كنتيجة للمقدّمات السابقة الذكر، حربٌ دامت ثلاثة عشر عاماً أنهكت حال البلاد والعباد، وخلّفت وراءها ما لا يعدّ ويحصى من الكوارث على المستويات المختلفة.
«الديمقراطية الأمريكية»!
لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة عن عدد الضحايا الذين خلّفتهم الحرب التي فتح أبوابها الأمريكيون، وتواصلت على يد أطراف متعددة، مثل: تنظيم «القاعدة» الإرهابي، و«داعش» فيما بعد. ولكن عدا عن الكارثة الإنسانية التي هي نتيجة محتّمة لأية حرب، فقد خلّفت «ذريعة نشر الديمقراطية الأمريكية» الكثير من الأوبئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي ما زالت تفعل فعلها حتى بعد خروج القوات الأمريكية من العراق في 2011.
فقد مهّدت الحرب لنشوء أنظمة سياسية قائمة على أساس التحاصص الطائفي، وتم إقرار دستور جديد يتضمن فيدرالية تقسيمية على أساس طائفي وقومي، هذا الدستور الذي كان نتاج الاحتلال، فوُلد مشوّهاً، وجاء على مقاس من بمصلحته احتدام الصراعات الثانوية في محاولة لتفريق الشعب العراقي، وإلهائه عن المقاومة الشعبية بنزاعات داخلية لا تفضي سوى لمزيد من التأزم.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد عانى العراق طيلة فترة الاحتلال من توسع رقعة الفقر والبطالة وتدنّي الخدمات، وتراجع في الصناعة والزراعة، فقد شهد العراق انتكاسة كبيرة بعد الغزو جرّاء عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها المصانع والمعامل، فضلًا عن تدمير ممنهج للبنية التحتية الصناعية، وعدم تشريع قوانين تراعي المنتج المحلي، وتقييد دور الدولة مقابل فتح الباب للمنظمات «غير الحكومية»، هذا بالإضافة إلى خصخصة ونهب الشركات المملوكة للدولة، وذلك كله في إطار «تحرير» الاقتصاد العراقي، وفرض السياسيات النيوليبرالية برعاية المؤسسات الدولية وشروطها.
حرب خاسرة
كانت حرب العراق، وما سبقها من حروب شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على فيتنام وأفغانستان، بمثابة حقن «مورفين» ومضادات التهاب تخفف قليلاً من آلام سرطان الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الإمبريالية العالمية، ولكنها باءت بالفشل، لا بل وزادت الوضع سوءاً.
فقد بلغت تكاليف الحرب الأمريكية على الإرهاب في 76 دولة منذ عام 2001 وحتى الآن، 6,5 تريليون دولار، حسبما كشفت دراسة أعدّها فريق من «معهد واطسون للشؤون الدولية» بجامعة «براون» الأمريكية، في مطلع العام الحالي 2018.
ونقلت مجلة «ذا ناشيونال» الأمريكية عن الدراسة قولها: إن تكلفة استدانة الحكومة الأمريكية للإنفاق على «الحرب على الإرهاب»، سوف تزيد الدين العام الأمريكي بنحو 8 تريليون دولار بحلول عام 2050.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد كشف في إحدى تغريداته، أن الولايات المتحدة أنفقت 7 تريليون دولار في الشرق الأوسط، في إشارة إلى ما تكبدته بلاده من تكاليف «لمحاربة الإرهاب» في هذه المنطقة.
أمريكا ومفهوم «الحرب» اليوم
بناءً على ما ذُكر أعلاه، نستطيع القول اليوم: إن شن الحروب بحجة نشر «الديمقراطية» و«الأمن» العالمي، لم تعد تنطلي على أحد، وخاصة بعد تجربة العراق الأخيرة.
حيث إن حرب العراق تكاد تكون الحرب الأخيرة المباشرة التي دخلتها الولايات المتحدة الأمريكية بقواها العسكرية، ذلك لأنه في ظل تثبّت الميزان الدولي الجديد لصالح كفّة روسيا والصين والبريكس عموماً، فقد بات خيار الحروب العسكرية المباشرة خياراً صعباً، لا بل ومستحيلاً. وذلك بسبب الأزمة التي بدأت مالية واقتصادية ومن ثمّ دخلت في طورها السياسي، والذي يتجلى اليوم في الانقسامات الواضحة داخل الإدارة الأمريكية، وهي اليوم في طور الدخول بأزمات ذات طابع عسكري، إثر الدخول في سباق التسلح، وإعلان خصمها الروسي عن تقنيات عسكرية روسية حديثة، لا تملكها واشنطن، ولا تستطيع المضادات الأمريكية التصدي لها، والتهديدات الروسية بالتصدي لأية ضربات محتملة على حلفائها بما فيها سورية.
لذلك فإن أية مغامرة أمريكية اليوم بالتدخل عسكرياً، سواء في سورية، أو في أية بقعة أخرى حول العالم، لن تحمل سوى مزيد من الخسائر والتراجع الأمريكي.
المطلوب اليوم
إن عراق اليوم وفي ظل الذكرى الـ 15 للغزو الأمريكي، وما خلفه من فوضى وفساد وفقر، يضع أمام جميع قواه وأحزابه السياسية ضرورات الالتفاف ضمن برنامج عنوانه الأساس: تعزيز الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية، من خلال بناء نموذج اقتصادي يكون فيه للدولة دور أساسي، بهدف استعادة ملكية موارد وثروات العراق، وسياسياً من خلال إسقاط البنى الطائفية، واجتماعياً من خلال تعزيز الوحدة الوطنية والتفاف الشعب حول برنامج وطني.
أما العبر التي يمكن الخلوص بها سورياً بالاستفادة من التجربة العراقية، والرد الإستراتيجي على التهديدات والاعتداءات الغربية العسكرية، فهي بالاستفادة من اللحظة التاريخية وصلابة الحلفاء الدوليين، من خلال الإسراع بالحل السياسي، على أساس القرار الدولي 2254، بكل ما يعنيه من إيقاف للكارثة الإنسانية ومحاربة الإرهاب، والتغيير الجذري والشامل.