إعادة إعمار العراق وتجريب المجرب!
شهدت الكويت يوم الاثنين 12 شباط الماضي مؤتمراً لإعادة إعمار العراق استمر لثلاثة أيام، واختتم أعماله بتقديم الدول المانحة حوالي 30 مليار دولار، بعد أن تبددت آمال بغداد بجمع حوالي 90 مليار دولار من المؤتمر، لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب.
إسهامات الدول المشاركة في المؤتمر، توزعت على شكل قروض واستثمارات، أمريكية خليجية تركية وأوروبية بشكل أساسي. حيث خصصت الكويت مبلغ ملياري دولار على شكل قروض واستثمارات، فيما تعهدت السعودية بتخصيص مليار دولار لمشاريع استثمارية و500 مليون دولار لدعم الصادرات العراقية، وكذلك الإمارات بمبلغ 6 مليار دولار. وأعلنت تركيا أنها ستخصص خمسة مليارات دولار للعراق على شكل قروض واستثمارات، أما بريطانيا التي قادت اجتياح العراق عام 2003 مع واشنطن، تعهدت بتقديم مبلغ 10 مليار دولار كقروض تصدير سنوية، وكذلك البنك الدولي بمبلغ 4,7 مليار دولار، وأكدت الولايات المتحدة بدورها توقيع اتفاقية بين مصرف التجارة الخارجية الأمريكي والعراق، لمنحه قروضاً بثلاثة مليارات دولار. أما المنظمات غير الحكومية، المشاركة في المؤتمر، فتعهدت بتقديم 330 مليون دولار.
الحكومة العراقية بدورها، والتي قدرت تكلفة إعادة تأهيل المناطق المتضررة بنحو 88 مليار دولار، أعربت على لسان وزير خارجيتها إبراهيم الجعفري، أن المبلغ الذي تم جمعه لا يسد الحاجة، وأن ما تحقق ليس قليلاً، وأن الحكومة العراقية راضية عن هذا العطاء، وأن هذه التعهدات تجسد إرادة المجتمع الدولي في الوقوف إلى جانب بلاده بعد الانتصار على داعش.
فيما وجه بعض السياسيين والنواب في البرلمان العراقي انتقادات للمؤتمر، وسط مطالبات نيابية للحكومة بإلغاء اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» بين بغداد وواشنطن، نتيجة التنصل من مسؤولياتها اتجاه العراق.
يعكس المؤتمر وما نتج عنه حقائق عدة، أولاً: إن الأموال القليلة التي تعهدت بها الدول المانحة، تؤكد أن الغرب واقتصاده المأزوم، هو أعجز عن الدخول في مشاريع لإعادة إعمار العراق، أو غيرها، لذلك فإن التعويل على أموال الغرب ومؤسساته ومنظماته، هو إضاعة للوقت، وينم عن عدم فهم التوازن الدولي الجديد ومفرزاته. ثانياً: إن تعويل الحكومة العراقية على نموذج الغرب وأمواله لإعادة إعمار العراق، هو إمعان في هدر قدرات العراق ونهبها، وتحميل الشعب أعباء إضافية، من خلال القروض والاستثمارات الخارجية، فالتجربة الطويلة للعراق في إعادة الإعمار ونموذجه الليبرالي لم ينجم عنها سوى إضعاف مؤسسات الدولة ونهب الموارد، ومزيداً من الفوضى والدمار، لذلك فإن تجريب المجرب مرة أخرى، يعكس فقط مدى عمق فساد الحكومة العراقية وسياسييها. المطلوب اليوم، هو: مطالبة المجتمع الدولي، والدول المسؤولة عن تدمير العراق، بدفع التعويضات المترتبة عليها، وهو ما يدعمه القانون الدولي، وثانياً: الاستفادة من التوازن الدولي الجديد، والتوجه نحو نموذج جديد لإعادة الإعمار يدعمه الشرق ومشاريعه الجديدة.