مفاوضات البريكست تعكس عمق الأزمة الأوروبية
بعد الاستفتاء الذي أجرته المملكة المتحدة في حزيران 2016 لتقرير علاقة المملكة بالاتحاد الأوروبي وتقديم، تريزا ماي، رئيسة وزراء المملكة الطلب الرسمي للخروج من الاتحاد الأوروبي في آذار 2017، بدأت عدة جولات من المفاوضات بين الجانبين الأوروبي والبريطاني لترسيم آلية الخروج البريطاني من الاتحاد .. فإلى أين وصلت ؟ وإلى أي حد يعكس جدول أعمال التفاوض، الأسباب التي دفعت ببريطانيا بتقديم طلب الخروج من الاتحاد الأوروبي؟
من الناحية القانونية، فإن المدة المحددة لمفاوضات خروج أية دولة من الاتحاد هي سنتان من تاريخ تقديم الدولة للطلب، وهي قابلة للتمديد بالتراضي بين الطرفين، وفي حال عدم التمديد، فإن الأمور لن تكون في صالح بريطانيا من الناحية المالية.
وأما فيما يخص جوانب هذه المفاوضات، فهي تتمثل في بندين، أولاً: آلية خروج بريطانيا من الاتحاد، وثانياً: العلاقات المستقبلية بين الجانبين. وحسب الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي، فإنه يندرج في تفاصيل هذين البندين العديد من القضايا، التي يمكن مجازاً تقسيمها إلى جزئين: منها ما يهتم بالجوانب القانونية كالحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مع بريطانيا، ووضع مواطني الجهتين في كل من الجهة الأخرى، وأخرى اقتصادية، وهي الأهم. ومن المفارقات عدم وجود نقاط سياسية للنقاش، وإن كان هذا ينم عن شيء، فإنه ينم عن السبب المباشر والقريب الذي دفع بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، أي السبب الاقتصادي.
يمكن تلخيص القضايا الاقتصادية على جدول المفاوضات في نقطتين أساسيتين: الالتزامات المالية بين الطرفين، والتي على ما يبدو ستؤدي ببريطانيا إلى دفع عدة عشرات من المليارات للاتحاد، وفق ما هو معلن حتى اللحظة، ووضع شركات كل من الطرفين لدى الجانب الآخر، وهي النقطة الحساسة وربما الأهم.
ربطاً مع الأسباب
الأسباب التي دفعت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، يمكن القول: إنها تتجسد في أولاً: أسباب اقتصادية مباشرة، ترتبط بجدوى العلاقات الاقتصادية المستقبلية مع الاتحاد، حيث يدرك البريطانيون جيداً، أن الاتحاد الأوروبي ينقسم إلى شريحتين من الدول: وهي دول منتجة ورافعة للاتحاد كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ودول أخرى طرفية تعتبر سوقاً لتلك الأولى ككرواتيا واليونان وسلوفينيا، أي، بعبارة أخرى تبادل لا متكافئ على مستوى الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا الأمر يفرّض مجموعة من الوظائف على الدول المنتجة، تتمثل في رفع تلك الدول الصغيرة نسبياً من الناحية الاقتصادية، في حالة الأزمات الاقتصادية والسياسية، وهو أمر كان رابحاً وممكناً بالنسبة لبريطانيا في فترة الهيمنة الأمريكية على العالم.
أما الآن، وهنا ننتقل إلى السبب الثاني، وفي حالة ظهور شركاء نديين وجديين على الساحة الدولية كدول «البريكس» نموذجاً، لهم حصة كبيرة من السوق العالمية، فإن الاتحاد الأوروبي يصبح مهدداً، والارتباط به سيؤدي إلى دفع فواتير معينة، وتبدو بالنسبة لبريطانيا خسارة، نظراً لطبيعة اقتصادها القائم على المؤسسات المالية والخدمية والنفطية، وأنواع محددة جداً من الصناعات، بخلاف ألمانيا التي تعتبر الاتحاد اوروبي سوقاً مهمة بالنظر لطبيعة اقتصادها الصناعي الشبه كامل، كصناعة السيارات والسفن والطائرات والتكنولوجية الحديثة.
جدول أعمال جلسات التفاوض، يعكس الجانب المباشر من الأسباب التي دفعت ببريطانيا نحو الانفصال، ولكنه لا يمكن له أن يصيغ السبب الأساسي والجذري ألا وهو التوازن الدولي الجديد.