2017 وداعاً للهيمنة الأمريكية... أهلاً بإرادة الشعوب!
ونحن نودع عام 2017 ونستقبل عاماً جديداً، لا بد من التوقف عند أبرز العناوين لهذا العام على الصعيدين العربي والدولي، والتي شكلت بمجملها محطة هامة على طريق تشكَل عالم جديد بتوازناته وعلاقاته، حيث كان ملفتاً في هذه الفترة الزمنية درجة تراجع الهيمنة الأمريكية، وتراجع مشروعها بالفوضى والحلول العسكرية، ليقابلها صعود المشروع القائم على إطفاء بؤر التوتر وفقاً للحلول السياسية، والبناء لعلاقات اقتصادية دولية أكثر عدالة وتنمية. في هذا العام، استكمل الحلفاء التقليديون مسار الانفكاك عن الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت العملية لا تزال تجري قدماً، إلا أن سمتها هذا العام قد تجلت تحديداً في مستوى وضوحها، سواء من خلال تصريحات هؤلاء الحلفاء التي بدت «خارج السياق» الذي اعتاد عليه العالم، ابتداءً من الحليف الأوروبي، مروراً بالتركي والخليجي، وصولاً إلى حملة الانعطافات التي أجرتها عدد من القوى المحسوبة تاريخياً على الولايات المتحدة في شرق آسيا. وقبل البدء في هذا العرض الذي تقدمه «قاسيون»، لا بد من الإشارة إلى أنه تم الاعتماد على بعض أبرز الأحداث التي حملها العام 2017 وليس جميعها، ذلك أن الإضاءة على المؤشرات كلها التي تدلّ على التراجع الأمريكي في هذا العام، لن يكون ممكناً في مقالٍ واحد...
التراجع والانقسام الأمريكي جليّ
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2017 تراجعاً في مستوى هيمنتها العالمية، ووضوحاً في انقساماتها السياسية الداخلية، بصورة غير مسبوقة، حيث بدأت عام 2017 باستلام رئيسها الجديد، دونالد ترامب، وهو الشخصية «الملتبسة»، الذي أصبح مزاجه «شمّاعة» تُعلق عليها حزمة كاملة من السياسات المفروضة مسبقاً على جدول الأعمال.
داخلياً، بدا واضحاً الميل لزيادة الضغط على غالبية الشعب ابتداءً من تقليص برامج الدعم الحكومي، وتخفيض الضرائب على الشركات، ورفع القيود على رأس المال، ليتبعها ازدياد معدلات العنف والهجمات الإرهابية في مدن أمريكية عدة.
أما خارجياً، فقد حمل هذا العام مزيداً من سياسات الانكفاء الأمريكي، من خلال تشديد القيود على الحدود، والانسحاب من اتفاقيات «الشراكة عبر الهادئ»، و«اتفاق باريس» للمناخ في شهر حزيران، وصولاً إلى إعلان العزم على تخفيض الميزانية المقدمة للأمم المتحدة بما يصل إلى 285 مليون دولار.
بدا الانقسام بين تيارين داخل الإدارة الأمريكية واضحاً هذا العام، وتكشّف من خلال التصريحات المتناقضة لمسؤولين أمريكيين في قضايا أبرزها «الاتفاق النووي الإيراني» والأزمة في شبه الجزيرة الكورية، فبعد أن أعلن ترامب أنه لن يصدق على الاتفاق، ليحيل الحسم في هذه المسألة إلى الكونغرس أفاد وزير دفاعه، جيمس ماتيس، أمام إحدى لجان مجلس الشيوخ، بأن «الاستمرار في الاتفاق يخدم مصلحة أمريكا الأمنية»، أيضاً أكد رئيس «هيئة الأركان الأمريكية المشتركة» الجنرال، جوزيف دانفورد، على أهمية المضي بالاتفاق. كذلك الأمر بالنسبة للتفاوض مع بيونغ يانغ فبعد أن صرح وزير الخارجية، ريكس تيلرسون بأن «الولايات المتحدة مستعدة للحوار مع كوريا الشمالية عندما تكون مستعدة لذلك»، أشارت تصريحات لمتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بعد يوم واحد فقط، بأن «الوقت الحالي ليس مناسباً على ما يبدو لإطلاق محادثات مع كوريا الشمالية، في ظل تجربتها الصاروخية الأخيرة، التي أجريت في 29 تشرين الثاني الماضي».
الدولار معزول... وواشنطن كذلك!
سلسلة من الهزائم اختتمت واشنطن عامها، حيث بدا واضحاً انكشاف زيف المكافحة الأمريكية للإرهاب، مع إعلان روسيا نهاية «داعش» على ضفتي نهر الفرات، لتعري الادعاءات الأمريكية بطول المعركة وصعوبتها. أما الضربة الصاعقة، فكانت اتخاذ عدة خطوات جدية عالمياً لكسر هيمنة الدولار، كان أبرزها: فتح الصين، إحدى أكبر الدول المستوردة للطاقة في العالم، الباب للعقود الآجلة للنفط الخام بسعر اليوان الصيني، والذي سيكون قابلاً للتحويل إلى الذهب، بالإضافة إلى اتخاذ دولٍ أخرى إجراءات على هذا الصعيد، مثل: روسيا وفنزويلا وإيران وتركيا، وما حدث في الجلسة الاستثنائية للأمم المتحدة، بخصوص قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، حيث صوت مندوبو 128 دولة ضد القرار، وامتنعت 35 دولة عن التصويت، أما الدول التسع التي صوتت مع القرار، فأقل ما يقال عن معظمها أنها دول ميكروسكوبية، لا وزن ولا حضور لها في القرار السياسي الدولي.
أما خطاب الرئيس الأمريكي في نهاية العام حول استراتيجية الأمن القومي، فلم تأت بجديد بل كانت صدى للحملة الانتخابية، وهي استمرار لسياسة تنظيم التراجع، والانكفاء إلى الداخل، دون أن يسعفه الحديث المطوَّل عن «إنجازات» إدارته خلال العام الفائت، والتي تكذبها الوقائع السياسية على امتداد مساحة العالم.
الأزمة أمريكية... والخليج ملحق
حمل عام 2017 انقسامات في منطقة الخليج العربي، متمثلة في انفجار الأزمة بين قطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي في حزيران، في ظل حملة إقليمية تقودها السعودية، محاولة من خلالها تعديل موازين القوى في المنطقة بما يحدّ من شدة تراجعها ربطاً بالتراجع الأمريكي.
حمل النصف الثاني من عام 2017، تخبّطات سعودية، في سياساتها الخارجية والداخلية، لتعكس أزمة عميقة. داخلياً جرى نقل ولاية العهد إلى محمد بن سلمان في حزيران، بعد الزيارة المشهورة لترامب إلى المملكة في شهر أيار، بما يحاكي انقلاب داخل العائلة الحاكمة، ليعلن عن حملة لـ«مكافحة الفساد» أدت إلى اعتقال أمراء ورجال أعمال سعوديين ومصادرة أملاكهم، وهي في حقيقة الأمر خطوة تهدف إلى الإطباق بشكل كامل على السلطة بيد محمد بن سلمان، وإنهاء الوضع السابق للعائلة المالكة وامتيازاتها السياسية والاقتصادية.
على الصعيد الخارجي، ونتيجة لمعطيات الأمر الواقع والتوازنات الدولية الجديدة، زار الملك سلمان بن عبد العزيز روسيا في أول زيارة من نوعها لملك سعودي، توّجت بتوقيع حزمة واسعة من اتفاقيات التعاون بين البلدين.
فشل السعودية كان واضحاً في حسم الملف اليمني لمصلحتها، حيث وصلت الكارثة الإنسانية هناك إلى مستويات غير مسبوقة، مهددة بمجاعة هي الأكبر في التاريخ الحديث، بينما فشلت محاولة حسم المعركة من خلال انقلاب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على جماعة «أنصار الله» مما أدى إلى مقتله.
وفي محاولة أخرى في لبنان، لم ينجح الضغط السعودي على رئيس الوزراء سعد الحريري لتقديم استقالته بتأزيم الوضع في لبنان، ولم يحرّك الوضع الإقليمي والدولي ضد إيران و«حزب الله»، بالشكل والمستوى المطلوب سعودياً، حيث دفعت جملة المواقف الرافضة لتوتير الأجواء السياسية، إلى تجاوز الأمر، ليعود الحريري ويتراجع عن الاستقالة.
أوروبا تتغير...
لم يكن عام 2017 بالعادي على القارة الأوروبية، ففي فرنسا، كما ألمانيا والنمسا ودول أخرى من قبلها، أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة فيها تغيراً ملحوظاً في الفضاء السياسي، سمته العامة تراجع أحزاب كبرى تقليدية، وتقدم قوى من نوع آخر، وبشكل أكثر تحديداً، تراجع «الاشتراكيين الديمقراطيين» والمحافظين مقابل تقدم قوى اليسار واليمين الشعبوي، مستندين إلى التغير العام لدى الشعوب الأوروبية في مستوى الرضى عن أداء المنظومة الأوروبية برمتها، بما فيها من مؤسسات تقليدية كالاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية...
من جهة أخرى، حمل هذا العام مزيداً من الاعتداءات الإرهابية على امتداد أوروبا، وتصاعد الدعوات الانفصالية، الأمر الذي كان واضحاً في استفتاء إقليم كتالونيا للانفصال عن إسبانيا، والذي حصل على موافقة شعبية بالأغلبية لكن الحكومة المركزية تمكنت من قمعه بالقوة.
وعلى هذا النحو، بدا واضحاً هذا العام الافتراق الأوروبي الأمريكي الجاري، حيث ظهرت خلافات حول قضايا عدة بين الطرفين للعلن، سواء الموقف من «الاتفاق النووي الإيراني» أو من العقوبات الأمريكية ضد روسيا والشركات الأوروبية المساهمة في «خط السيل الشمالي 2» والذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وليس أخيراً الموقف من نقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس. حيث لم يكن مستغرباً تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول «التحدي» الذي تعيشه أوروبا، والمتمثل_ حسب ما أعلن من على منبر جامعة السوربون في باريس_ بـ«فك الارتباط الحتمي والتدريجي عن واشنطن».
مصر تصارع بين عالمين... قديم وجديد
مع مطلع هذا العام، عاشت مصر تحت ضغط العمليات الإرهابية التي لم تقتصر على سيناء والصحراء الغربية، بل وصلت إلى عمق الأراضي المصرية، وإلى عاصمتها القاهرة، حاملة معها استهدافات موصوفة للجيش المصري، وتهديدات باستثمار الورقة الطائفية في البلاد.
أما المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، فكانت أكثر قسوة على المصريين، حيث ارتفعت نسبة من هم تحت الفقر إلى حوالي 27%، ونسبة البطالة إلى 28%، وارتفعت أسعار الوقود بنسبة 50%، وارتفاع معدل الدين العام بنحو 100%.
وفي سياق التحولات في السياسة الخارجية، شهدت توجهات مصر الإقليمية والدولية تحولات مميزة لهذا العام، من دورٍ فاعل ودعم للحلول السياسية في الملفين الليبي والسوري، وصولاً إلى دعم ورعاية ملف المصالحة الفلسطينية، وانتهى بتوقيع اتفاق «إنهاء الانقسام» بين حركتي فتح وحماس.
وفي هذا الصدد، برز استلام مصر زمام المبادرة في ريادة تحالفات أكثر واقعية من تحالفاتها التاريخية التقليدية، إذ بدأ هذا الاتجاه بإنجاز التنسيق الثلاثي مع اليونان وقبرص حول ترسيم الحدود البحرية، كخطوة متعلقة باستثمارات الغاز الهائلة والممكنة في هذه المنطقة. كما يبدو جلياً التطور الشامل للعلاقات الروسية_ المصرية إيجاباً عبر مشروع الضبعة النووي، الممول بقرضٍ روسي قيمته 25 مليار دولار، وكذلك عقود التسليح مع روسيا، التي تطورت باتجاه عقود تكنولوجيا مشتركة لتجميع الدبابات محلياً في مصر، كما هو الحال بالنسبة للطراز تي-90، وهو ما أعلن عنه الجيش الروسي منتصف العام الجاري. وبعد تعثر العلاقات وإيقاف حركة الطيران فيما سبق، وقعت كل من روسيا ومصر هذا العام في موسكو بروتوكول استئناف الرحلات الجوية بين البلدين، بحضور وزير الطيران المدني المصري، شريف فتحي، ووزير النقل الروسي، مكسيم سوكولوف. لينتهي العام بإعلان الحكومة الروسية عن مسودة اتفاق بين روسيا ومصر،ر يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية.
حصرية الانتصار بيد الشعب الفلسطيني
فلسطينياً، وبعيداً عن الانقسامات الفصائلية ومبادرات حلها، اتسم هذا العام بانتصارات الشعب في ساحات معركته مع الاحتلال، حيث توّج إضراب الكرامة للأسرى للمطالبة بتحسين أوضاعهم الحياتية داخل السجون، والذي بدأ في 17/4/2017 وشمل 1800 أسير، بالنصر بعد التوصل إلى اتفاقٍ بين لجنة الإضراب ومصلحة سجون الاحتلال، بعد 40 يوماً من ثبات المضربين.
تلا ذلك الانتصار الذي حققه الفلسطينيون في معركتهم ضد البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى، التي بدأت في 14 تموز 2017، وانتهت بإجبار قوات الاحتلال على التراجع عنها وإزالتها في 25 تموز 2017.
القدس تُسقط «الوساطة النزيهة»
قاد خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 6 كانون الأول الجاري، وقراره حول القدس، إلى مزيد من التصاعد في الحراك الشعبي الفلسطيني، والذي لا يزال يشمل مناطق قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
وكنتيجة_ أولية فقط_ لهذا الحراك، غدا الحديث عن «الوساطة النزيهة» للولايات المتحدة في عملية السلام أمراً مرفوضاً عموماً، بما في ذلك الموقف «الرسمي» للسلطة الفلسطينية، حيث لم يعد من الممكن لأحد أن يساجل في هذا الأمر دون أن يضع نفسه خارج التاريخ. وبالتالي، صار من المسلم به، أن خروج واشنطن من العملية السياسية، وأية تسوية محتملة للقضية الفلسطينية، يعني أن الكيان الصهيوني قد خسر داعمه الأساسي والتقليدي. وعلى هذه الأرضية، عمّت المواجهات والإضرابات أرجاء فلسطين، في القدس والضفة الغربية وغزة، ما دفع بجيش العدو إلى إعلان حالة الاستنفار القصوى.
صعود الشرق
على مدار شهور هذا العام، تجلّت واضحة عملية تمتين التحالف الروسي الصيني، والتي انعكست بدورها في عددٍ من السياسات المشتركة حول الكثير من الملفات الدولية، ابتداءً من الأزمة السورية، التي نجحت الجهود الروسية فيها بالقضاء على تنظيم «داعش»، بعد فترة «نقاهة» طويلة عاشها هذا التنظيم تحت كنف العملية غير الجدية التي قادها «التحالف الدولي ضد داعش»، وصولاً إلى استمرار الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني بوصفه معبّراً عن واقع التوازنات الجديدة، وليس انتهاءً بتطويق محاولات التصعيد الأمريكي على تخوم الخصمين الاستراتيجيين، بما في ذلك أوكرانيا، وكوريا الديمقراطية، وميانمار...إلخ.
وفي هذا الإطار، تواصل عمل المشاريع الاستراتيجية المشتركة التي تترابط جميعها في فكرة الإجهاز على الهيمنة الأمريكية، حيث دشنت أذربيجان وجورجيا وتركيا، خطاً للسكك الحديد يربط الدول الثلاث، هدفه اختصار الوقت الذي تستغرقه الرحلة من الصين إلى غرب أوروبا، كما سعت كوبا لزيادة حجم تجارتها مع الصين، والانضمام لمبادرة الحزام والطريق، كرابط إقليمي محتمل لنشر المبادرة في أنحاء أمريكا اللاتينية والكاريبي، بما يمهد لخروج القارة اللاتينية من براثن السيادة الأمريكية عليها.
باسل الأعرج
بعد عام من ملاحقته هو ورفاقه، استشهد الشاب باسل الأعرج في منزله بالضفة الغربية، بعد اشتباكٍ مع قوات العدو، وذلك بعد أن زجت به السلطة الفلسطينية مع رفاقه في السجن، بتهمة «محاولة تنفيذ عملية ضد «إسرائيل»».
فوزي الجنيدي
بات الطفل الفلسطيني، فوزي الجنيدي، بمثابة أيقونة لانتفاضة القدس الأخيرة، بعد أن التقطت له صورة خلال اعتقال قوات العدو له، حيث التف حوله ما يقرب من 20 جندياً، ممسكين به وهو معصوب العينين.
إبراهيم أبو ثريا
استشهاد الشاب إبراهيم أبو ثريا 29 عاماً، قنصاً بالرصاص، والذي اشتهر بمقاومته للعدو، وإصراره على المشاركة في اشتباكات شرق مدينة غزة، رغم بتر قدميه خلال عدوان عام 2008
عهد التميمي
قوات العدو تعتقل الطفلة عهد التميمي، بعد قيامها بصفع جنديين صهيونيين، دخلا إلى منزلها للقيام بعمليات القنص ضد الشباب المتظاهرين في قرية النبي صالح. وقد تحولت التميمي إلى أيقونة للحراك الفلسطيني بعد اشتهارها في أكثر من مواجهة مع جنود العدو الصهيوني.