وجه الشبه الكوري- الإيراني
يستمر التوتر في شبه الجزيرة الكورية، نتيجة التعنت الأمريكي في تعاطيه مع أزمة الأسلحة النووية لكوريا الديمقراطية، حيث يظهر الخطاب الرسمي ميلاً للتصعيد، من خلال ما عبر عنه، دونالد ترامب، في أواسط شهر أيلول الماضي، مهدداً كوريا الديمقراطية بالتدمير الكامل...
في المقابل يبقى خيار التفاوض والوصول إلى حل سلمي لهذه الأزمة موجوداً، لكنه غير مفعّل، طالما أن واشنطن تتفادى عملياً التطرق إليه، رغم محاولاتها من حين لآخر جسّ النبض حول هذا الخيار، عبر الجانب الصيني المتواصل مع أطراف الأزمة كافة، والذي أعدّ إلى جانب روسيا خارطة طريق لبدء حوارٍ ممنهجٍ حول هذه الأزمة...
مأزق الخيار الأمريكي؟
اتهم مؤخراً وزير خارجية كوريا الديمقراطية، ري يونغ، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه أشعل «فتيل الحرب»، ضد كوريا الديمقراطية، داعياً الولايات المتحدة إلى «التوقف عن مهاجمتها».
وصرّح ري يونغ، أمام وسائل الإعلام، يوم الأربعاء 11 أكتوبر الحالي، بالقول : «بعد تصريحات ترامب العدائية والتي لا معنى لها في الأمم المتحدة يمكننا القول: أنه أشعل الحرب ضدنا»، مضيفاً أن زعيم كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون «حذر بحزم بأن على الولايات المتحدة أن تتصرف بطريقة عقلانية وتتوقف عن مهاجمتنا إذا أرادت تجنب إذلال نفسها أمام العالم أجمع بوضع نفسها في مرمى نيراننا».
هنا تبدو كوريا الديمقراطية مستمرة في منهجية «رفع الكلفة على واشنطن»، في حال قررت هذه الأخيرة توجيه ضربة عسكرية لبيونغ يانغ، بما يتناسب مع حجم التصعيد الأمريكي المستمر في هذا الملف، وهو ما يعقّد الأمور أكثر على واشنطن التي أصبحت في موقفٍ محرجٍ دولياً، كونها تطلق شعارات نارية في وجه بيونغ يانغ منذ عدة شهور، وهي تدرك صعوبة التنبؤ بالنتائج المحتملة لحربٍ مفتوحة في شرق آسيا.
يعيدنا هذا المشهد إلى مراحل سبقت «مفاوضات النووي الإيراني»، والتي شهدت أيضاً تضييقاً أمريكياً سياسياً واقتصادياً، وتهديدات عسكرية مستمرة، لكن توازنات القوى الدولية والإقليمية في حينها، دفعت واشنطن اتجاه خيار التفاوض من منطلق «ما يمكن تحصيله اليوم، ربما يصعب تحصيله غداً».
لكن الحالتين الكورية والإيرانية ليستا بالنسخة الكربونية، هنا يجب التطرق إلى الظروف المحيطة اليوم بالملف النووي الكوري، على اعتباره جزءاً من مشروع الحصار الأمريكي للصين تحديداً، وبالتالي يتم ضبط التعاطي الأمريكي مع هذا الملف ضمن اعتبارات معقّدة، لا تخص الملف النووي الكوري وحده، والذي في الحقيقة يمكن أن يكون أسهل الملفات إذا ما توفرت نوايا غربية جدية لإنهائه، لكن إبقاءه في حيز التوتير هو المطلوب في المرحلة الحالية.
النووي الإيراني مجدداً
الملفت في هذه المرحلة، وبالتزامن مع التصعيد الاستفزازي من جانب واشنطن، هو: إعادة طرح الملف النووي الإيراني، في محاولة لتعديل بنوده من حيث الشكل، لكن بالمضمون كتعبير عن رأي «النخب» الأمريكية التي عارضت الاتفاق من الأساس، في محاولة لإعلاء صوتهم مجدداً. هذه المعارضة للاتفاق النووي الإيراني، قد تعني أيضاً معارضة إدماج واشنطن في أية خيارات تفاوضية لاحقة، بما فيها النووي الكوري، أو الوضع في أوكرانيا، حيث تشهد أوروبا الشرقية مؤخراً إعادة حشدٍ للقوات الأمريكية على الحدود مع روسيا.
في العودة إلى الملف النووي الإيراني، هاجم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 11 أكتوبر الحالي، الاتفاق المبرم بين إيران و«مجموعة 5+1» واصفاً إياه بأنه «اتفاق سيء للغاية»، وذلك قبل بضعة أيام من إعلان قراره فيما إذا كانت إدارته ستواصل الالتزام بهذا الاتفاق أم لا، مضيفاً: «لقد أبرمناه من منطلق ضعف، في حين أننا نتمتع بالكثير من القوة».
الموقف الدولي
الملفت: أن الرد على التصعيد الأمريكي لم يقتصر على الجانب الإيراني فقط، حيث أعلن الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، أن طهران تفي بتعهداتها كافة بموجب الاتفاق النووي المبرم مع «مجموعة 5+1» في عام 2015.
وفي السياق نفسهِ شددت، هيلغا شميت «الأمين العام لإدارة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي» في خطاب ألقته في 11 أكتوبر الحالي، أثناء المؤتمر الأوروبي الإيراني الخاص بشؤون الاستثمار في إيران، على أن الصفقة النووية ليست اتفاقاً ثنائياً بين طهران وواشنطن، بل هي اتفاق متعدد الأطراف. مؤكدة أن: «دول الاتحاد الأوروبي، مستعدة لبذل كل ما بوسعها بغية الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران».
وعليه تبدو واشنطن أقرب إلى تجديد الالتزام بالاتفاق في هذه المرحلة، بغض النظر عن استمرار الخطاب التصعيدي، ولكن من الأرجح أن تسعى إلى تعديل بعض بنوده، بهدف الحد من قدرة إيران على تطوير قدراتها النووية، وبالتالي عرقلة حالة كسر التبادل اللامتكافئ، بين المركز والأطراف، والتي يعززها تطور القدرات اليوم في أجزاء عدة حول العالم، بما فيها إيران وكوريا الديمقراطية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 832