فنزويلا تبحث عن الممرات الآمنة من الأزمة
فصل جديد من الأزمة السياسية التي تعصف بفنزويلا بدأ بعد إنهاء التصويت على اختيار جمعية تأسيسية في الـ30 من شهر تموز الماضي، بمشاركة 8 ملايين ناخب، ووصلت المشاركة إلى 41.53%، حيث رفضت المعارضة الفنزويلية اليمينية إجراء التصويت من أصله، ثم رفضت نتائجه ودعت مناصريها إلى التزام خيار الشارع لـ«الدفاع عن الديمقراطية، وحق تقرير المصير للشعب الفنزويلي»، معتبرة أن الرئيس نيكولاس مادورو «يخطو خطوات على طريق الديكتاتورية»...
يوضح السفير الفنزويلي لدى روسيا، كارلوس تورتوسا، الهدف من إنتخابات الجمعية التأسيسية بالقول «سيتم خلال الجمعية الدستورية في فنزويلا، مناقشة المسائل المتعلقة بنموذج المجتمع في المستقبل، في البلاد، وجميع المسائل التي تقلق المواطنين، وبعد ذلك سيطرح كل ما تقرر الجمعية الدستورية أمام الرأي العام ليقول كلمته الأخيرة»، هذا الطرح من قبل حكومة الرئيس مادورو يمثل الرؤية الرسمية الفنزويلية لمخارج الأزمة الحالية، فما هو التعبير السياسي عن توقيت هذه الانتخابات، وهل بإمكان هذه الجمعية الاستمرار في قيادة البلاد؟
بين الديمقراطية والديكتاتورية
النموذج «التشافيزي» من التجربة الديمقراطية لفت انتباه دول أمريكا اللاتينية، ويعتبر سابقة في تلك المنطقة، بالنظر إلى النماذج الأخرى من «الديمقراطية» المستوردة الشائعة في الكثير من مناطق العالم، وساعد على إحداث هذا النموذج التقدم الاقتصادي- الاجتماعي والواسع في العقود الأخيرة، والمحمول أساساً على مسألة النفط وتوافره في البلاد، لكن في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، ووصول التضخم إلى أرقام هائلة، واحتمال العجز عن سداد الديون، وانخفاض مستوى المعيشة في البلاد، تحاول المعارضة الليبرالية الاستفادة من الأوضاع الحرجة هذه لتقويض حكومة مادورو واستبدالها بنموذج النهب الغربي، وهو ما لا تقوى المعارضة على إخفائه في كل مناسبة تعرض فيها برنامجها السياسي والاقتصادي، لكن هذا الصراع بين التيارين يبقى ضمن حدود «الصراع الديمقراطي» فيما لو كانت المعارضة الفنزويلية قادرة بقواها الحية وبرنامجها المعلن مجاراة الحكومة، حتى في أسوأ أحوالها، لكن حقيقة الأمر تقول: إن المعارضة ترفض أية دعوة للحوار وتوحيد الجهود للخروج من النفق المظلم الذي تعيشه البلاد اليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تهدد استقرار البلاد، وتعمل بازدواجية المعايير عندما تضرب بسيف «الديمقراطية»، بعد محاولاتها السابقة لعزل الرئيس نيكولاس مادورو، قبل اللجوء إلى حوار مفتوح مع حكومته، هنا يوضح الرئيس مادورو أنه: في شهر أيار الماضي، وعلى مدى ثلاثةِ أسابيع، سعى لحوار مباشر مع المعارضة، «لدفعهم إلى الدخول في المجلس التأسيسي، لكنهم رفضوا»، مشيراً إلى أن وضع المعارضة بدأ يتدهور منذ تلك اللحظة، والآن حلت أسوأ الأوقات بالنسبة للمعارضة...
من جهة أخرى، تتلقى المعارضة الفنزويلية الدعم المباشر وغير المباشر سياسياً وإعلامياً من واشنطن وبعض دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا والمكسيك، من هنا، يمكن الوصول إلى فهم أولي متعلق بمسألة الجمعية التأسيسية الفنزويلية...
على أساس الأزمة العميقة التي تحتاج إلى توافق مجتمعي واسع، و قرارات اقتصادية سريعة التطبيق والأثر، كان من الضروري مشاركة القوى السياسية الفنزويلية كافةً في هذه العملية، لكن في رفض المعارضة لخيار الحوار، وجدت الحكومة الفنزويلية نفسها أمام مسألتين إحداهما يؤثر على الآخر بشكل مباشر: المسألة الأولى: هي إيجاد المخارج من الأزمة الاقتصادية: أو بالحد الأدنى تخفيف معاناة المواطنين معيشياً في المرحلة الحالية، والمسألة الثانية: إيجاد مخرج من الأزمة السياسية التي أدت بالنتيجة إلى انقسام مجتمعي وموجة عنف واسعة في الشارع الفنزويلي، هذا المشهد الذي هو أمام الحكومة الفنزويلية، حدى بها نحو خيار مضمونه أنه: على إحدى المسألتين أن يسير إلى الأمام على أقل تقدير، وبالتالي، اضطرت الحكومة إلى «مركزة السلطة» آنياً من أجل التحكم قدر الإمكان بالقرارات الاقتصادية الضرورية والمستعجلة في المرحلة الحالية، وبالتالي، تجاهلت الحكومة مرغمة جهود رأب الصدع السياسي في البلاد، طالما أنها شكلت قناعة مفادها أن: هذه الأزمة السياسية صعبة الحل، وعلاوة على ذلك هي معرقلة للمسألة الملحة حالياً، والمتمثلة بإيجاد جهاز تشريعي وتنفيذي مرن وسريع التجاوب، مهمته إدارة الأزمة الحالية في محاولة منه للخروج بأقل الخسائر الممكنة.
وفيما يخص مسألة الديمقراطية والديكتاتورية، فإن حالة «مركزة السلطة» بمظهرها الذي يبدو «ديكتاتورياً» كما تروج له وسائل الإعلام الأمريكية، هي ضرورة هدفها دفع القوى السياسية في أي بلد إلى تشكيل أجسام حكم واحدة للخروج من الأزمات التي تهدد مستقبل البلاد، لكن رفض المعارضة الليبرالية الفنزويلية أي جسم موحد مع اليسار الاشتراكي، أدت إلى ظهور «الجمعية التأسيسية»، بشكلها الحالي المقتصر على اليسار الاشتراكي، والذي تؤكد السلطات أنه هو الخيار الوحيد المتاح حالياً في الظروف الفنزويلية، وفي ظل عزوف المعارضة اليمينية عن المشاركة.
الشرق المفتوح دائماً
في حديثه لقناة «روسيا اليوم»، يوضح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو: «أن الحصار الأمريكي ضد فنزويلا، يستهدف بطريقة غير مباشرة النظام المالي، لإعاقة تنفيذ التزاماتها المالية، في الأعوام 2015، 2016، و2017، مشيراً: أنّ بلاده تملك إمكانات اقتصادية وأوفت بكل التزاماتها المالية، وقال مادورو: «إذا ضربونا من الشمال، فإن الطريق إلى الغرب والجنوب، والشرق دائماً مفتوح أمام فنزويلا... لدينا تحالف قوي مع روسيا، تحالف في مجال النفط والغاز وقطاعات مهمة أخرى في مجال الصناعة، وهذا التحالف يتطور باستمرار».
هذا الخيار لدى الحكومة الفنزويلية أيضاً، ضمن منطق الخيارات الملزمة موضوعياً فيما يخص العلاقات الدولية، كما هو الحال في مسألة تشكيل الجمعية التأسيسية داخلياً، ويعتبر الخيار الوحيد في ظل الضغوط التي تعاني منها دول أمريكا الجنوبية في تعاملاتها مع كاركاس، والحصار المفروض، والعقوبات المستمرة من قبل الولايات المتحدة، وتحديداً فيما يخص تعاملات القطاع المالي والمصرفي، وشركات النفط الوطنية الفنزويلية.
تقول وزارة الخارجية الكوبية، في بيان لها: «إن ما يجري في فنزويلا عملية دولية منسقة تنسيقاً جيداً وموجهة من واشنطن، بدعم من الأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية لويس الماغرو، تهدف لإسكات الشعب الفنزويلي، وعدم الاعتراف بإرادته، ولإجباره على الاستسلام بواسطة الهجمات والعقوبات الاقتصادية»، وأشارت إلى أن: السلطات الكوبية، تعرف جيداً هذه «الممارسات والمخططات التدخلية»، لأنها عانت منها مطولاً.
هذا الطرح الكوبي فيه الجزء الأكبر من الحقيقة، ومن المحتمل أن الهجوم الأمريكي على كاركاس سيستمر في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد إشهار الحكومة بنوايا التعاون الاستراتيجي الواسع مع روسيا، وحتى مع الصين، التي عرضت أيضاً التعاون الاقتصادي مع فنزويلا، وبالتالي: فإن دقة الخيارات للحكومة وقدرتها على تقوية الجبهة الداخلية هي المفتاح المتبقي للخروج من الأزمة الحالية، ذلك بإحداث تغيرات متسارعة في نمطها الاقتصادي وعلاقة هذا النمط مع شبكة العلاقات الدولية المتاحة اليوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 822