السودان: إلى أين يصل اقتتال الشمال والجنوب؟
مالك موصللي مالك موصللي

السودان: إلى أين يصل اقتتال الشمال والجنوب؟

خمسون عاماً من المواجهة المستمرة بين الجنوب والشمال كانت تجري في الفترة التي كان لا يزال فيها السودان موحداً، ومحافظاً على ثرواته الطبيعية في باطن الأرض. لم يكن لتلك المواجهات خلفية نفطية واضحة، إلّا أن كلا الطرفين خرجا منها في حالة عارمة من الوهن الاقتصادي والعسكري، ليغدو الطريق مفتوحاً أمام من غذى الحرب في الأساس.

لم تشغل بال الاقتصاديين مسألة الاكتفاء من الإنتاج النفطي في السودان بقدر ما تشغلهم التكلفة الباهظة لهذه الصناعة الحديثة والتوسع فيها. حيث ما زالت هناك شكوك في الجدوى الاقتصادية لاحتكار النفط من قبل أحد الطرفين، وهذا يلقي بظلال كثيفة على النظرة للصراع القائم الآن واحتمالية الحرب من منظور العامل النفطي. وفي جوانب أخرى، يبدو حضور العامل النفطي في هذا الصراع وكأنه لا يعدو أن يكون اتكاءً على عامل مستحدث للتنصل من مسؤولية القضايا الأخرى ذات الجذور الضاربة بعمق في تاريخ السودان.
لا يمكن إغفال امتزاج العوامل السياسية الاقتصادية مع الاجتماعية لبيان أهمية عوائد النفط التي كان مقرراً التوافق حولها منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005.
فجديرٌ بالملاحظة أنّ التنافس الحاد والصدام الجاري بين «الدولتين» هو امتداد للصراع العرقي والعنصري الذي كان جارياً إبان الحرب الأهلية التي ترسخت منها مرارات مغروسة بعمق في الصدور. وبعد اكتشاف البترول في الثمانينيات واستخراجه وتصديره في نهاية التسعينيات، ما كان على شركات النفط الأجنبية محددة المصالح والأهداف، إلا التحرك لإدارة عمليات التنقيب تحت حراسة القوات الحكومية، ليتبدى الوجه الآخر لشراسة رأس المال.
الشركات الكبرى وبذور الحرب
في سعي السودان لتلبية رغبات الشركات الأجنبية التي تعمل على تنقيب وتكرير النفط، يحاول الآن إخفاء التحركات العسكرية على الحدود بين البلدين، متفادياً صدمة الشركات الكبرى التي أصابها سعار النفط. وبالرغم من ضآلة احتياطي النفط السوداني الذي يعدُّ السابع بعد نيجيريا وليبيا والجزائر وأنغولا ومصر وغينيا الاستوائية، إلا أنه يمكن أن يحدث فرقاً حتى للقوى الاقتصادية الباحثة عن النفط.
وسط هذا الزخم من الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم، انتقل التصعيد بين السودان وجنوب السودان من العلن إلى الخفاء، غير أنه يظهر في تصريحات المسؤولين. وبين سلسلة القضايا التي يتمسك الجنوب بحل حلقاتها متصلة ودونما انفصال، وبين سعي الشمال إلى تحصيل حقه من عائدات النفط والتوافق على رسوم عبوره عبر أراضي الشمال، تتعزز احتمالية نشوب الحرب.
النفط: القوى ذات المصلحة
على العكس مما هو سائد بأن إنتاج النفط يلعب دوراً رئيساً في اقتصاد الدول بدعمه لعملية التنمية في إنتاجه وتصديره ودعمه للنشاطات الاقتصادية الحقيقية والمستديمة مثل: الزراعة والصناعة، فإن النفط السوداني لم يستطع تحقيق هذه الأهداف طيلة العقدين الماضيين منذ اكتشافه.
وهذه القاعدة رغم شذوذها إلا أنها ليست ذات خصوصية سودانية، وإنما تنطبق على الدول ذوات الإنتاج النفطي المتنازع عليه، حيث تحاول الطغمة الحاكمة إثراء نفسها وأقربائها والموالين لها، بينما تترك بقية المواطنين في فقرهم المدقع. وبدلاً من أن يكون النفط أساساً يُبنى عليه الاقتصاد ويعمل على رفاه الشعب، فإنه يعمل على زعزعة الاستقرار وتشويه الاقتصاد.
وبينما تعتمد الولايات المتحدة على وارداتها النفطية من كندا والمكسيك، ومنطقة الخليج صاحبة الاحتياطي النفطي الأكبر المكتشف في العالم، غير أنها لا يرمش جفن استعدادها وتأهبها لحماية وارداتها من إفريقيا حيث تشكّل الشركات النفطية الأميركية حضوراً مقدراً في بعض الدول الإفريقية المصدرة للنفط جنوبي الصحراء. ويثير ذاك الحضور جدلاً كبيراً إزاء صمت الولايات المتحدة عن سلوكيات دول مثل تشاد وغينيا الاستوائية والتي تُعد من أكثر الدول فساداً في العالم حسب منظمة الشفافية الدولية للعام 2005.
ولا يتوقف التوجس الأميركي عند حاجة الولايات المتحدة وحدها، بل يتعداها إلى حلفائها. ومن موقعها لم تزهد الشركات الأميركية في النفط السوداني، وإنما تنتظر ما سوف تنتج عنه «مغامرة الشركات الآسيوية من الاستثمار في السودان».
إن سودان ما بعد الانفصال بشقيه الجنوبي والشمالي يقف على فوهة النفط المشتعلة بالداخل وسط التحولات السياسية التي تتالى اليوم في العالم. فهل يجد السودان وجنوبه مخرجاً من المواجهات والحرب التي تفتك بأدنى مقومات الاستمرار حتى ولو كدولتين؟ يبدو أن ملف السودان لن يتأخر كثيراً لينضم إلى قافلة الملفات العالقة الموضوعة على طاولة البحث الدولي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
812