حسابات أمريكية وبيدر سعودي!
انعقدت «قمة الرياض 2017»، في 20-21/أيار الحالي، كسلسلة من المؤتمرات، الأولى بين الولايات المتحدة والسعودية، والثانية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة هي القمة «العربية الإسلامية الأمريكية» التي حضرها ممثلون عن 50 دولة – بعضها قد يصعب لفظ اسمها..!- وسط تغطية إعلامية مكثفة للقمة.
بالعودة إلى الوراء قليلاً، نستذكر التحالفات التي حاولت السعودية إقامتها في السنوات الأخيرة، أولها «التحالف العربي» الذي شن غارات في اليمن تحت مسمى «عاصفة الحزم» في آذار/2015، ثم تلاه في كانون أول من العام نفسه، إعلان «التحالف العربي الإسلامي»، أيضاً بقيادة السعودية، لـ«محاربة الإرهاب بكل أشكاله» بحسب بيان الإعلان...
مركز القيادة السعودي!
شاركت السعودية والإمارات فقط فعلياً في «التحالف العربي» في اليمن، بينما ظل «التحالف العربي- الإسلامي» حبراً على ورق، فهل يمكن لقمة الرياض الأخيرة أن تأتي بجديد للسعودية في بحثها عن مركز ريادي في التكتلات الإقليمية؟
ترى السعودية العالم حولها يتغير: تتشكل أحلاف جديدة، مثل «منظمة شنغهاي للتعاون»، و«مجموعة بريكس»، ومبادرة «الحزام والطريق»، بينما تتفسخ، على وقع تغيرات موازين القوى، تكتلات وتحالفات أخرى كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي. وليس واقع الإقليم بأفضل حالاً، حيث تنفتح إمكانية صياغة مشهد إقليمي جديد تتنافس الدول الرئيسة على ريادته.
وتفهم السعودية أن عليها تثبيت مكانتها كقطب إقليمي مؤثر، لكن منطق تعاطي السعودية مع حلفائها الأقل منها شأناً - سياسياً واقتصادياً وعسكرياً- يشابه إلى حد بعيد منطق التعاطي الأمريكي مع السعودية، أي منطق التوظيف والاستخدام، لا بناء العلاقات التي تعود على شعوب هذه الدول بالسلام والمنفعة الاقتصادية. فما الذي سيكون الحال عليه إذن، في حال كان هذا الوزن السعودي أصلاً يتداعى؟!
ما لا تجهله السعودية، هو أنها بسعيها المكثف نحو الريادة الإقليمية، ثمة منافسين جديين لها على الساحة، وعلى الأقل عليها أن تتجاوز مصر وتركيا وإيران. هنا تضطر السعودية لدعوة الولايات المتحدة من خلف البحار لتحضر القمة في الرياض و«تمهر ختمها» على هذه الريادة المفترضة، وقد لبت واشنطن الدعوة، لكن ضمن حساباتها الخاصة كقوة دولية تبحث عن آليات تأخير تراجعها.
بالعودة إلى الحسابات السعودية، تدرك السعودية أن حضور واشنطن هو وحده القادر على إضفاء «مشهد الهيبة» على تحالفات السعودية، «مشهد الهيبة» هذا اقتصر على الشكل، وتضخيماته الإعلامية طبعاً، أما في التفاصيل فثمة حقيقة أخرى: نصف المشاركين في القمة الأخيرة مثلاً هم من دول أفريقيا الفقيرة، ليس تقليلاً من قيمة هذه الدول، بل المقصود وضعها على ميزان القوى الدولي من حيث قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
حصلت السعودية على ما تريد، وحضرت واشنطن فعلاً، لكن ما دوافع السعودية بالعمق، بعيداً عن نوايا استعراض القوة التي شهدناه على الشاشات؟
الحقيقة، أن أحد أوجه الاجتهاد السعودي الهائل لاستحضار واشنطن إلى المنطقة، مرتبط مباشرة بالصراع على العرش داخل المملكة، بين جناحي ولي العهد محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان، ولي ولي العهد، الأقرب نسبياً إلى دوائر القرار الأمريكي في المرحلة الحالية من غريمه محمد بن نايف، وتدرك الأوساط الحاكمة في السعودية أن الوصول إلى عرش المملكة يحتاج مباركة أمريكية خالصة.
وبالتالي، فإن الحفاوة السعودية بترامب، تخفي بين السطور محاولة تظهير أحد الأمراء على حساب الآخر، وليست هذه هي الإشارات الأولى على الصراع داخل المملكة، فحتى «رؤية المملكة 2030»، التي يقودها محمد بن سلمان، هي، في أحد جوانبها، واحدة من تحضيرات «الأمير الشاب» لزيادة نفوذ تياره داخل المملكة، فبيع أسهم أرامكو، والعقود الموقعة مع الشركات الأجنبية الكبيرة في الولايات المتحدة والغرب، تعني نفوذاً سياساً أكبر، وبالتالي فرصاً أعلى للوصول إلى العرش.
لكن هل تتوازى ضخامة القمة الأخيرة من حيث التجهيز، والحضور، والاتفاقات الموقعة والبيان الختامي الناري، مع ما يمكن أن تقدمه واشنطن للسعودية وحلفائها الحاضرين في قمة الرياض؟
القمة في ميزان واشنطن
في البداية، لا داعي للتهويل حول حجم أموال اتفاقيات التعاون العسكري بين السعودية والولايات المتحدة، والبالغة بحسب البيت الأبيض 460 مليار دولار، 110 مليارات منها فوري، و350 مليار دولار على مدار عشر سنوات. فمبلغ 110 مليارات دولار، صحيح أنه الأكبر في الاتفاقيات بين البلدين، لكنه لا يبتعد كثيراً عن الاتفاقات الموقعة مسبقاً بين الطرفين في مجال توريدات السلاح، أو الأموال السعودية المودعة في البنوك الأمريكية، أو حجم الخسائر السعودية من دخولها حرب أسعار النفط في العام 2014، إذا ما اعتبرناها «مدفوعات مجانية» بالوكالة عن الولايات المتحدة، ذلك عدا عما تسرب من حديث حول أن جزءاً ليس بالقليل من هذه الاتفاقات هو اتفاقات تصنيع داخل السعودية.
أما 350 مليار على مدار العشر سنوات، فمن يستشف بعضاً من التغيرات السياسية- الاقتصادية في العالم، التي تتسارع ليس بالسنوات، بل بالأيام، يدرك أن العشر سنوات القادمة طويلة جداً وتحمل في طياتها تبدلات كبرى في موازين القوى الدولية، ونمطاً جديداً من العلاقات الدولية ومن توجيه الموارد الاقتصادية والطاقة إلخ...
بالعودة إلى السؤال حول أهداف ترامب من زيارة الرياض، يمكن القول إن قدوم ترامب إلى المنطقة هو أحد أشكال «التنفيس» الأمريكي، في ظل الصدام الحاد داخل الإدارة الأمريكية، بين جناحي الانكفاء والحرب، ذلك بعد دعوة عشرات الأعضاء من الكونغرس بحث إمكانية تنحية دونالد ترامب، على خلفية الاتهامات التي لاقاها الرئيس الأمريكي بعد لقائه بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وسبق ذلك الإطاحة برئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية، وهي أجزاء فقط من حرب مستمرة بين قوى المال الممثلة في الإدارات الأمريكية.
عدا ذلك، يبقى الصراخ الأمريكي حول عزل إيران ومحاولة تحجيمها، مجرد عزف على النغمة التي تُطرب لها أذان السعودي المؤمن بأن واشنطن جاهزة للتصعيد اتجاه إيران، لصالح حلفائها في المنطقة، وهذا الأمر الذي تفهمه واشنطن تماماً بألا إمكانية لعزل إيران. وفي هذا السياق، ربما لم ينتبه حكام السعودية إلى أن شيئاً من التطبيع الاقتصادي الغربي الإيراني لم يتوقف، بل يجري الحديث اليوم عن آليات تطويره.
من جهة أخرى، فإن الحديث عن تجهيز 34500 مقاتل كقوة لمكافحة الإرهاب، هو في إطار «إعلان النوايا» والاستهلاك الإعلامي فحسب، طالما أن محاولات تشكيل مثل هذه القوة تحت مسميات «التحالف العربي الإسلامي» و«التحالف العربي» لم تنجح سابقاً، والسبب يعود إلى أن القوى الرئيسة في المنطقة التي تتقاطع ببعض مواقفها مع السعودية، لا تستطيع تسليم دفة القيادة عسكرياً للمملكة، والحديث يدور هنا عن القوى الوازنة مثل تركيا ومصر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 812