الهلال النفطي: نقطة انعطاف اتجاه الحل الليبي!
بدأت قوات حلف الناتو بعملياتها العسكرية في 19/3/2011، بمشاركة 18 دولةً من أعضاء الحلف، ومن دول المنطقة كالإمارات وقطر، ونفذت طائرات التحالف 17939 طلعة جوية، تم إحصاؤها حتى نهاية تشرين الأول من العام نفسه فقط. وبعد أكثر من ست سنوات على هذه العملية، لم تستطع القوى الدولية ولا الفرقاء الليبيون الوصول إلى حل لإنهاء الأزمة في البلاد نتيجة استمرار الصراع بين حكومة طرابلس وبرلمان طبرق، الذي اشتد مع نهاية العام 2012، وما بينهما من تنظيمات متشددة زاد نشاطها بشكل ملحوظ، في السنوات الثلاث الأخيرة على الأراضي الليبية...
القضية الأساسية التي ساهمت في تفاقم الأزمة الليبية، إلى ما وصلت إليه، هي: استهداف حلف الناتو للمؤسسات العسكرية والأمنية الليبية بشكل مكثف، مما أدى إلى انفلات الأوضاع الأمنية، وانتشار مئات الميليشيات المسلحة. وبالنتيجة، يمكن القول: إن الذي تم استهدافه بهذا الشكل هو جهاز الدولة الليبي، مع الحفاظ على كل ما يخص المصالح الغربية في ليبيا، وتحديداً حقول النفط والغاز، والموانئ النفطية...
خسائر من الاقتصاد الليبي
في بداية العام 2016، قدرت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس خسائر عائدات النفط بما يقارب 68 مليار دولار، منذ العام 2013، واعتبرت جريدة «فايننشال تايمز»، البريطانية، أن الانهيار الوشيك لصناعة النفط دمَّر اقتصاد الدولة، ونقلت عن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى ليبيا، محمد القرشي، قوله: «إن العجز المالي للدولة وصل إلى 54% من إجمالي الناتج المحلي، وهو يعد الأعلى على مستوى العالم». وتأتي هذه الخسارة بسبب إغلاق ما يقارب 75 حقلاً نفطياً، فضلاً عن الإضطرابات التي شهدتها موانئ النفط، وفق تقديرات المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.
مع بداية العام 2014، توقف إنتاج النفط في ليبيا، ما دفع طرابلس وطبرق، إلى التوافق حول آلية عمل تخص قطاع الطاقة، المورد الوحيد للدولة الليبية، وعليه، تعهد المصرف المركزي في طرابلس بتمويل متطلبات برلمان طبرق، على أن تؤمن الأخيرة الموانئ الشرقية وتبقيها مفتوحةً.
لم يدم هذا الاتفاق أكثر من شهر واحد، نتيجة الخلافات السياسية التي من بينها حكم المحكمة العليا في طرابلس، بعدم شرعية مجلس النواب في طبرق، إضافةً إلى ازدياد نشاط الجماعات الإرهابية، ومن بينها «داعش» وجماعات أخرى مرتبطة بالقاعدة، حيث تحولت ليبيا إلى قاعدة لاجتذاب وتصدير الإرهاب، حسب طلبيات قوى الفاشية الجديدة، باتجاه شرق المتوسط، وأفريقيا.
وفي هذه الأثناء، يتواصل المشهد المتأزم حتى اليوم، وفي إحصائية عامة للخسائر الاقتصادية الليبية، من العام الماضي، كشف علي الجبري محافظ «مصرف ليبيا المركزي» في مدينة البيضاء أمام مجلس النواب: أن خزانات البنوك التجارية في المنطقة الشرقية تكاد تكون خاليةً، كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى حوالي 4458 دولار، وقفز معدل التضخم إلى 24%، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 31% وهبطت إيرادات النفط إلى حوالي 302 مليار دينار، في الشهور السبعة الأولى لعام 2016، وبالتالي، انخفض الإنفاق على الدعم نتيجةً لانخفاض أسعار المحروقات، وإلغاء دعم السلع الغذائية، وانخفضت الأجور بنسبة 8.7%، وانخفض الإنفاق بنسبة 14%، عما كان عليه قبل عام 2011، وتسارع الدين المحلي إلى ذروته ليبلغ 110%، من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل عجز الموازنة إلى حوالي 60%، من إجمالي الناتج المحلي، وعجز الحساب التجاري إلى 70%، وزاد معدل الركود الاقتصادي بمعدل 26%، ومن نتائج ذلك وصول معدلات البطالة إلى 30%، بعد أن كانت 10% في العام 2010.
صراع الهلال النفطي
يقع الهلال النفطي على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ممتداً على طول 205 كم، من طبرق شرقاً حتى سدرة غرباً ، ويعتبر أغنى مناطق النفط في البلاد، اشتدت معركة السيطرة على هذه المنطقة الشهر الحالي، بين سرايا بنغازي، والجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ذلك بعد مرحلة إبعاد التنظيمات الإرهابية عن هذه المنطقة بعمليات أطلقها اللواء حفتر من الشرق، والقوات الموالية لحكومة طرابلس من الغرب، ونجح الطرفان في تحرير مناطق واسعة من أيدي الإرهابيين، لكن سرايا الدفاع عن بنغازي، دخلت منطقة الهلال النفطي، بداية الشهر الحالي، قبل أن يعلن الجيش الليبي على لسان الناطق باسمه، أحمد المسماري، 18/3 أن قواته تمكنت من السيطرة بشكل كامل على منطقة الهلال النفطي في ليبيا، داعياً المجموعات المسلحة في طرابلس إلى تسليم أسلحتها، ومؤكداً أن «الجيش سوف يتابع جميع الخروقات التي حصلت في طرابلس».
أعطت هذه التحركات من قبل الجيش الليبي انطباعاً أكثر ثباتاً، عن فعالية الأطراف العسكرية المتواجدة على الأراضي الليبية، وبالتالي فإن جزءاً من التحركات السياسية بدأ يظهر موائماً لهذه الحقائق المثبتة على الأرض، ومن بينها: موقف بريطانيا التي سارعت إلى إرسال السكرتير الخاص لرئيس مجلس العموم البريطاني، كواسي كوارتينغ، للقاء حفتر ومجلس النواب في طبرق، والتباحث بشأن مواضيع مهمة عدة تخص مستقبل البلاد، وكتب كوارتينغ في تقريره إلى مجلس العموم البريطاني، أن المنطقة الغربية «موبوءة بأمراء الحرب والميليشيات»، التي تعمل لمصالحها الخاصة.
من جهته، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنجلينو أفانو: إن روما تعوِّل على موقف روسي بناء، في سياق جهود المجتمع الدولي لتسوية الوضع في ليبيا، وقال في معرض حديثه لوكالة سبوتنيك الروسية، 27/3: «نحن على قناعة بأن أعمال منسقة للمجتمع الدولي، يمكن أن تؤثر على الوضع، ونعول بهذا الصدد على موقف موسكو البناء، التي أظهرت دائماً دعمها للاتفاق السياسي في ليبيا وفقاً لصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي».
هذا التقارب بين الموقف الروسي والإيطالي، يتكامل مع توافق ليس أقل أهمية بين الموقف الروسي والمصري، والذي وصل إلى تنسيق مشترك في مبادرات الحل، بحسب ما أشار إليه المبعوث الخاص للمشير حفتر، عبد الباسط البدري، في حديثه لقناة روسيا اليوم التلفزيونية، أثناء زيارة المشير إلى موسكو قبل أيام من سيطرة الجيش الليبي على الهلال النفطي بالكامل.
بارقة أمل محتملة تلوح في الأفق
على المقلب الآخر، يبدو أن رئيس الحكومة في طرابلس فائز السراج، مغردٌ خارج سرب التنسيق بين روسيا ودول المحيط الليبي، رغم تأكيده على الدور الروسي في خلق التوازن الدولي، حيث أن السراج طلب من الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرج، مساعدة ليبيا في تعزيز مؤسسات الأمن والدفاع، وهو ما أكده مسؤول إدارة الاتصال بالمكتب الصحفي للناتو دانيال رييجو، والذي شدد على أن طلب السراج يخضع للدراسة من قبل حلف الناتو ويجري مشاورات مع الدول المعنية بهذا الخصوص.
عملياً، يستطيع حلف الناتو تقديم مثل هذه المساعدات، لكن من الناحية السياسية، فإن الأوروبيين - برهانهم القديم على حكومة طرابلس- وبسبب سلوك الميليشيات التابعة لها، من حيث تركيبتها التي تضم مجموعات متشددةً، لم يعملوا على مبادرات جامعة للأطراف الليبية، كما عمل الجانب الروسي على القيام بها بالتواصل مع الأطراف الليبية المعنية بحل أزمة البلاد جميعها.
من هنا، يمكن القول: إن زيادة التوافق بين دول المحيط الليبي، مصر والجزائر، إضافةً إلى تقارب بعض الأوروبيين الداعمين للموقف الروسي، قد يؤدي في المرحلة المقبلة إلى تسريع إعادة المسار السياسي بين الليبيين، بعد توقفه منذ اجتماع الصخيرات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 804