التنسيق الروسي الصيني في الشرق الأقصى
خلال الشهر الفائت، ذكرت وكالة أنباء الصين الرسمية «شينخوا» أن الصين وروسيا اتفقتا على بعض الإجراءات العسكرية المشتركة، رداً على الانتشار المتوقع لنظام الصواريخ الأمريكية «ثاد» في شبه الجزيرة الكورية، ليعود الحديث اليوم مجدداً، عن خطوات عملية بعد مضي واشنطن في نشر هذه الصواريخ.
الآن، وبعد أن بدأ هذا الانتشار بالفعل، يطرح السؤال بشأن هذه التدابير؟. أولاً وقبل كل شيء، ينبغي أن نلاحظ أن نشر «ثاد» في كوريا الجنوبية له آثار مختلفة على أمن روسيا والصين. وتأثيره ضئيل في حالة روسيا، لأن «ثاد» مصمم أصلاً لاعتراض الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وليس لدى روسيا مثل هذه الصواريخ منذ عام 1987، حين وقع الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى.
الحسابات الاستراتيجية سبب الرفض الروسي
حتى لو افترضنا أنه سيتم تطوير نظام ثاد بصواريخ أكثر قوةً، فإنه لن يشكل أي تهديد حاسم، على للقوات النووية الاستراتيجية الروسية، فالصواريخ الباليستية الروسية العابرة للقارات وغواصات الصواريخ النووية بعيدة جداً عن شبه الجزيرة الكورية، ويمر مسار الصواريخ الروسية المتجهة إلى أهداف في الولايات المتحدة عبر القطب الشمالي.
وهكذا، فإن المعارضة الروسية لنشر نظام ثاد، لم تكن ناجمةً عن خطورة التهديدات لأمنها، بل لاعتبارات استراتيجية أساسية، إذ تعارض روسيا وضع عناصر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي بالقرب من حدودها من حيث المبدأ. ولو كان نظام ثاد في كوريا الجنوبية يدار من قبل الجيش الكوري، وليس من قبل الولايات المتحدة، فلن يكون هنالك على الأرجح أي اعتراض على نشر النظام، أما موقف الصين بشأن هذه المسألة فهو أكثر «ليونةً».
لماذا تحتاج الولايات المتحدة لنشر نظام ثاد في كوريا الجنوبية؟ كانت الولايات المتحدة، قد وقعت بالفعل عقوداً لتسليم أنظمة ثاد إلى الإمارات العربية المتحدة وإلى قطر، ولأن ذلك لم يحدث في حالة كوريا الجنوبية، فالدوافع الحقيقية لنشره في شبه الجزيرة الكورية لم يتم الإعلان عنها بعد. ويبدو أن الولايات المتحدة تريد أن تكون لديها قدرة إضافية على المراقبة الرادارية للمجال الجوي فوق شمال شرق الصين، حيث تتمركز قواعد الصين، التي تحتوي على صواريخ باليستية، بما في ذلك الصواريخ متوسطة المدى.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد يكون المسار المحتمل للصواريخ الصينية الباليستية العابرة للقارات في اتجاه الولايات المتحدة يمر من هذه المنطقة. وبناءً على ذلك، فمن الممكن أن نفترض أن الصين، وليست روسيا، هي التي تملك الاعتراض الأقوى على نشر ثاد من الناحية العسكرية والتقنية.
وسائل لمواجهة ثاد
ستحد روسيا من إجراءاتها، التي تهدف لتسريع العمل لما تم التخطيط له سابقاً، والمتعلقة تحديداً بتحديث القوات المسلحة في الشرق الأقصى الروسي. أما رد الصين الأكثر احتمالاً لنشر هذا النظام فهو إنشاء مجموعات مخصصة لتدمير نظام الدفاع الصاروخي، في شبه الجزيرة الكورية. والأداة المحتملة لهذا النوع من الإجراء الأولي هي صواريخ كروز: إذ لا يستطيع نظام «ثاد» اعتراض مثل هذه الصواريخ، ولا سيما في حالة الضربة الضخمة على نقاط محددة.
والخيار الواضح للصين قد يكون نشر صواريخ ديف-10 على شبه جزيرة شاندونغ. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للصين استخدام الوسائل الفنية لتعزيز معلوماتها الاستخباراتية حول مكان نشر أنظمة ثاد.
روسيا، على عكس الصين، ليست قادرةً على نشر صواريخ كروز متوسطة المدى على الأرض علناً، على الرغم من أن الولايات المتحدة تتهمها بذلك. لكن السفن الحربية الروسية الجديدة، وكقاعدة عامة، مجهزة بصواريخ كروز (كاليبر) يصل مداها لأكثر من 2000 كم. وقد تم اختبار هذه الصواريخ بنجاح، خلال الحرب في سورية. وكان من المقرر إنشاء هذه السفن لأسطول المحيط الهادئ الروسي، قبل فترة طويلة من خطط نشر ثاد في كوريا.
في كانون الثاني 2016، كشفت روسيا عن خطط لبناء غواصات سيكون مقرها في فلاديفوستوك. وهي قادرة على حمل صواريخ من هذا النوع، وكذلك فقد تم اختبارها أيضاً خلال الحرب ضد «داعش» في سورية.
ومن المتوقع أن يبني الأسطول الروسي سفناً أخرى، قادرةً على حمل هذه الصواريخ، بما في ذلك صواريخ كورفيت من طراز كاراكورت، الذي بدأ بناؤها بالفعل. ولعل هذا هو الرد الروسي على ثاد، على الرغم من أن هذه التدابير كانت ستنفذ على أية حال.
وبصرف النظر عما ذكر أعلاه، سوف تقوم روسيا والصين أيضاً بمناورات مشتركة إضافية، وربما ستنسقان في مجال الاستخبارات التقنية، لتتبع الموقع الحالي، وطريقة عمل مجمع ثاد بشكل أكثر فعاليةً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 804