كوريا الجنوبية: «تُحَف» الرأسمالية تكشف عن «فن رديء»..!

كوريا الجنوبية: «تُحَف» الرأسمالية تكشف عن «فن رديء»..!

خلال القرن الماضي، أطلق مصطلح «النمور الآسيوية» للدلالة على مجموعة من دول شرق آسيا، من بينها كوريا الجنوبية، وتايوان، وماليزيا، وسنغافورة، وهونغ كونغ، التي حققت معدلات نمو اقتصادي كبير، خلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات، ليجري ترويجها كنماذج و«تُحَف» رأسمالية.

 

اعتبر منظرو الرأسمالية، التجربة في هذه الدول، كـ«معجزة تطور وطريق خاص للتطور الرأسمالي لدول الأطراف» يجب الاقتداء بها، لتكون نموذجاً عالمياً للتطور الرأسمالي في الدول النامية. أما اليوم، فالواقع والحياة قد أثبتا، أن هذا النهج لم يكن معجزة، ولم يكن تجربة خاصة حتى.

 

كانت تجربة «النمور الآسيوية»، مجرد دفع من المراكز الرأسمالية الكبرى في ذلك الوقت، لمواجهة التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي والصين. والدليل على ذلك ما آلت إليه هذه التجارب «المعجزة» في مراحل حركتها، من طور إلى طور، وعلاقة تلك الحركة بانهيار الاتحاد السوفيتي، وما تحولت إليه تلك الدول بعد ذلك. ولاستعراض تلك التجارب، سنأخذ كوريا الجنوبية، التي تعتبر جوهر هذه التجربة و«جوهرتها»، ففيها، ضُخَت الإمكانيات كلها لتحقيق تطور في مواجهة الشيوعية.

مراحل تطور أزمة كوريا الجنوبية

وصفت كوريا الجنوبية على أنها «معجزة على نهر هان»، لكن، وبعيداً عن التفسيرات الدعائية، يجدر القول: إن تطور كوريا الجنوبية، وأزمتها، تنقسم عملياً إلى ثلاث مراحل تاريخية، يقسمها البروفسور، أو جونغ غون، من جامعة «كوك مين» الكورية، كالتالي: كان الاقتصاد الكوري الجنوبي ينمو بشكل إيجابي، بمعدل يزيد عن 9% حتى عام 1991. بعدها بدأ المعدل يتراجع شيئاً فشيئاً إلى حدود 5%. 

بعد عام 2012، وصل التراجع إلى مستوى 2%. ومنذ ذلك الوقت، دخلت كوريا الجنوبية في حالة نمو منخفض. يقارن الكثيرون الوضع الحالي في كوريا الجنوبية، بما يسمى بفترة «العقدين المفقودين» في اليابان، والتي كانت بدايتها في عام 1992، عندما كان دخل الفرد هناك يزيد عن 30 ألف دولار، وعندما كانت اليابان تمتلك عدداً كبيراً من التقنيات المتطورة. 

لكن كوريا، لم تتمكن من تحقيق ما كانت تصبو إليه خلال الأعوام العشرة الأخيرة، من تحقيق دخل فردي يبلغ 30 ألف دولار، بعد أن تجاوز ذلك الدخل مستوى عشرين ألف دولار في عام 2006. ولذلك، في حالة غرق كوريا في مستنقع أزمة جديدة، فسيعاني الاقتصاد الكوري أكثر مما عانى الاقتصاد الياباني خلال «العقدين المفقودين».

«التُّحفة» تدخل الأسواق العالمية

ونرى هنا تقسيماً صحيحاً لمراحل التطور الكورية الجنوبية، فالأولى: كانت حتى تفكك الاتحاد السوفييتي، إذ شهدت كوريا الجنوبية معدلات نمو عالية حتى نسبة 9%، حيث نقل التكنولوجيا لكوريا الجنوبية، والسماح لها بالدخول إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية، كان واضحاً من خلال تاريخ شركات «سامسونغ» و«هيونداي» و«كيا». 

وتعتبر تجربة «هيونداي موتورز» من أكثر التجارب الواضحة لنقل التكنولوجيا، فالشركة صنعت في العام 1967- بالتعاون مع شركة «فورد» الأمريكية- أول سيارة من إنتاجها، وبالتعاون مع شركة «ميتسوبيشي» اليابانية، فقد قدمت لها تكنولوجيا كهرباء السيارة. وبعد عامين، صدرت إلى الاكوادور أولى سيارتها، ومن ثم فسح لها لمجال لتصدر سيارتها إلى أوروبا، ومن ثم للولايات المتحدة، ولم تستقل الشركة بإنتاجها حتى عام 1991.

مرحلة ما بعد العام 1991

شهدت كوريا الجنوبية تراجعاً كبيراً في معدل النمو حتى 4% في عام 1997، الذي يعتبر «عاماً أسوداً» لتجربة «النمور الآسيوية» كلها. وقد واجهت كوريا الجنوبية عدداً من النقاط الضعيفة في البنية الاقتصادية، حيث اعتمد الاقتصاد الكوري اعتماداً كبيراً وشبه كامل، على الدول الخارجية التي دخلت إلى السوق، وكذلك على رأس المال والتكنولوجيا الخارجية، وتأثر بالتغيرات في الاقتصاد المتقدم، مثل: اليابان والولايات المتحدة الأمريكية. 

وشهدت كوريا الجنوبية إفراطاً في الاعتماد على أكبر شريكين تجاريين، هما: اليابان والولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى زيادة حادة في الديون الخارجية لكوريا الجنوبية، وزيادة الأعباء على الاقتصاد الكوري، وتفاقم هذا الوضع، لأن الاقتصاد الكوري لم يعتمد على عدد كبير من الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم، بل سيطر عليها عدد قليل من الشركات الكبرى، كنتيجة منطقية للقوانين الرأسمالية.

ومنحت الحكومة الكورية مزايا تفضيلية لبعض الشركات الكبيرة، بحيث ازداد تأثيرها على الاقتصاد الكوري، في الوقت الذي انخفضت فيه فاعليتها الإدارية، بسبب انعدام «التنافس» الذي يشكل شعاراً عريضاً بنيت عليه الأيديولوجية الرأسمالية.

الأزمة وتدخل «النقد الدولي»

انفجرت الأزمة المالية في عام 1997 في الدول النامية، في جنوب شرق آسيا مثل تايلاند، ماليزيا، إندونيسيا، وامتدت إلى كوريا الجنوبية، التي عانت من وطأة الديون الخارجية، وانخفاض احتياطات العملات الأجنبية، وانخفاض قيمة العملة الكورية الـ«وون»، وازدادت الديون الخارجية لكوريا الجنوبية من 89 مليار دولار أمريكي في عام 1994 إلى 154.4 مليار دولار أمريكي في عام 1997، وازداد معدل البطالة من 2.7% إلى 8.7% في أوائل عام 1997، وأدى انخفاض قيمة «الوون» الكوري بشكل حاد إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وانخفاض الطلب المحلي بشكل ملحوظ. الأمر الذي أدى إلى افلاس كثير من الشركات، وانهيار أسعار الأسهم.

تلى هذه الأزمة تدخل صندوق النقد الدولي في المنطقة كلها، حيث فرض «برنامجه التقشفي»، وأعطى القروض لتلك البلدان، وحصلت كوريا الجنوبية وحدها على 57 مليار دولار، لكنها تعهدت في المقابل، بـ«تحرير الأسواق، ورفع القيود والدعم عن الصناعات» حتى أصبحت كوريا الجنوبية، بحكم من استنفد نفسه كنموذج، في مواجهة الجارة الشمالية والصين.

ولم تعد المراكز المالية تهتم سوى بتحصيل ما دفعته عن طريق تحطيم العملات الوطنية لتلك الدول، وإغراقها بالديون، وفقدت هذه النماذج «بريقها» المؤقت، وعادت كما كانت دولاً تبحث عن فرص للتمويل هنا وهناك.

الأزمة السياسية الحالية في كوريا الجنوبية

يقول البروفسور، أو جونغ غون: هناك ثلاث مؤشرات اقتصادية سالبة، وهي: الاستهلاك، والاستثمارات، والصادرات. المؤشر الخاص بالصادرات هو الأكثر تراجعاً، والأكثر خطورة، حيث صار يمضي في تراجع مستمر منذ عام 2015. وهذا يعني أن الإنتاج برمته في حالة تراجع. 

أما معدل النمو الاقتصادي في الربع الثالث من 2015، فهو 0.7% أي أنه ظل يقل عن 1% لأربعة أرباع سنوية متتالية، وهو ما يعني: أن الاقتصاد الكوري في حالة تراجع في الجهات جميعها، من استثمارات وإنشاءات وإنتاج كلي. وقد وصل مؤشر نسبة التشغيل الصناعي إلى 70% فقط، وهي أقل نسبة في غير أوقات الأزمات الكلية. ومعدل البطالة الحقيقية وسط الشباب ارتفع ليصل 33%.

وفي ظل تعتيم كبير على الأزمة، ما بين الشركات الكورية الكبرى ورئيسة الدولة الكورية، يتم اختصار هذه الأزمة بملف فساد قامت به صديقة مقربة من الرئيسة، باستخدام النفوذ لمصالح شخصية. 

لكن في الواقع، فإن ضعف المؤشرات والخلافات السياسية الحادة بين القوى السياسية، التي تسيطر عليها أربع إلى خمس شركات/عائلات كبرى، هي: أصل المشكلة السياسية في كوريا الجنوبية- منها «هيونداي»، و«كيا»، و«سامسونغ»، و«دايو»، و«إل جي»- والحديث عن إسقاط رئيسة الدولة، هو شكل من أشكال الانقسام العميق بين هذه الشركات، لأن كوريا مطالبة بمجموعة كبرى من الإجراءات والتنازلات، التي تهدد مصالح البعض، ففي ظل الأزمات الاقتصادية، تكون فاتورة التراجع كبيرة، ويكون الخلاف كبيراً أيضاً حول من سيدفع الثمن الأكبر؟؟

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
790