تحرير الموصل يتجاوز الهوى الأمريكي

تحرير الموصل يتجاوز الهوى الأمريكي

الموصل مغلقة من جهاتها الأربعة، وتقارير الأمم المتحدة تحذر بشكل مستمر من كارثة إنسانية، قد تصيب مليون ونصف مواطن عراقي، داخل المدينة المحاصرة، وبالنظر إلى أن الوقت ليس في مصلحة القوات العراقية، يبرز التساؤل حول كيف سيتعامل العراقيون والقوى الدولية والإقليمية مع هذا الاستعصاء؟

 

مئات التقارير الصحفية الغربية المتعلقة بمعركة الموصل، تركز اليوم على الآجال الزمنية المقدّرة لها، آخذين بعين الاعتبار العناصر المعرقلة، وعلى رأسها «مسألة الحفاظ على أرواح المدنيين»، لكن حتى الآن، يجري التعاطي مع المعركة، والحلول المقترحة لحسمها، في إطار الخطة التقليدية التي تم الاتفاق عليها قبل الشروع بالعمليات العسكرية.

تقدم عراقي عسير

لا توفر القوى المهاجمة من الجهة الشرقية والشمالية الشرقية للمدينة، أي جهد في سبيل تحقيق تقدمات سريعة باتجاه قلب المدينة، لكن المسألة تتعدى النوايا العراقية هذه نحو إعادة النظر بجدوى الخطة الموضوعة، وبالتحديد مستوى تأثير دعم «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، للقوات المتقدمة، تحديداً بعد الأنباء المتداولة عن تقليص قوات التحالف لطلعاتها الجوية هذا الشهر، وعن «أخطاء التحالف» في استهدافه لتجمعات الإرهابيين.

في هذا السياق، يقول قائد عمليات الفلوجة، عبد الوهاب الساعدي، في حديثه لوكالات أنباء: أن القطعات العسكرية الأرضية، هي التي ستحسم المعركة نهائياً، لكن الإسناد الجوي يساعد فقط في تقدم القوات على الأرض.

هنا، يمكن القول أن مشاركة طيران «التحالف»، بعد دخول أحياء المدينة شرقاً، لم تقدم الإضافة النوعية للقوات المهاجمة، والعبء الأكبر يقع على عاتق الجيش والشرطة الاتحادية، لكن التقديرات الزمنية للمعركة باتت تضغط على العراقيين، وعلى واشنطن نحو حسم المعركة، وإن كانت القوات العراقية تقوم بواجباتها بحسب الإمكانيات المتاحة، فإن واشنطن تصبح مع مرور الوقت أكثر حرجاً، فيما يخص تبنيها المطلق لتحرير الموصل.

من جهته، أكد السفير الأمريكي في العراق، دوغلاس سليمان، في حديثٍ مع وسائل إعلام: أن معركة تحرير مدينة الموصل من سيطرة «داعش» مستمرة، لافتاً إلى وجود «صعوبات» فيها، مبرراً صعوبة المعركة بوجود 285 ألف بناية، تجعل من التفتيش أمراً صعباً، فضلاً عن «فظاعة داعش الذي يستخدم المدنيين كدروع بشرية».

ضغط التجربة السورية

يبدو هذا «الحرج الأمريكي» في جزء منه موضوعياً فيما يخص تعقيدات المعركة، لكنه غير مبرر فيما يخص الحصار الإعلامي المستمر على المدينة، وحالات قصف المدنيين التي ترصدها وتعلن عنها وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتين بشكل مستمر، إضافة إلى تجاهل مسألة تأمين الممرات الآمنة لسكان الموصل، وهي قضايا لم تعمل عليها قوات «التحالف» من حيث التخطيط والتغطية بشكل مفيد، أضف إلى ذلك أن تقدم المعركة في سورية، وفي منطقة تم مقارنتها طويلاً بحال الموصل، ألا وهي حلب، والتي بإخراج المسلحين منها بأقل قدر ممكن من الخسائر البشرية، شكلت نموذجاً ضاغطاً على السلوك الأمريكي في الموصل.

كما أن تصاعد العمليات الإرهابية في تركيا وأوروبا، والذي عجل- إلى جانب عوامل أخرى- نشوء تفاهم روسي- تركي- إيراني، يبحث بجدية إنهاء الأزمة السورية، ليس بعيداً عما يجري في الموصل، على اعتبار أن معركة القضاء على الإرهاب هي معركة واحدة على الأراضي السورية والعراقية.

من هنا يمكن القول: أن إصرار واشنطن على الاستئثار والانفراد بدعم عملية تحرير الموصل، هو استمرار في محاولة الاستفادة السياسية من مسألة مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي تفرض فيه نظرية «تشكيل جبهة عالمية واحدة ضد الإرهاب» موضوعيتها، والمتمثلة بشكلها الأولي بالتوافق الروسي- التركي- الإيراني، حول الملف السوري. وهو ما لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة فيما يخص مكانتها الدولية في موازين القوى الدولية المتغيرة بسرعة.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
790