حذار أن تسرق هذه الموجة الثورية أيضاً!

قبل ما يقارب القرن من الآن كانت ثمة موجة ثورية تجتاح العالم العربي، ضد الاستبداد العثماني، تُوِّجَت بثورة شعبية حقيقية في بلاد الشام، تمتلك كل مبرراتها الموضوعية، أطلقت عليها تسمية الثورة العربية الكبرى، ولكن من قاد الثورة وضحى وبذل دماءه وقع في فخاخ الشريف حسين وأبنائه وبايعوه قائداً للثورة، وهذا الأخير اعتمد بدوره على الكولونيل«لورانس» الذي ادعى لنفسه قيادة الثورة العربية، وانتهى كما هو معروف إلى تسليمها بالكامل لمطامع بريطانية، ووضعها تحت سلطة الماريشال اللنبي القائد العام للقوات البريطانية، التي تقاسمت بلاد الشام مع فرنسا، ووقعت البلاد في أسر اتفاقية سايكس بيكو.

ما سبق درس من التاريخ، كان من الضروري استحضاره في خضم الثورات الشعبية الهادرة من المحيط إلى الخليج, وبغض النظر عن درجة التشابه والاختلاف بين هذا البلد العربي وذاك فإن القاسم المشترك بين هذه الثورات في الموجة الثورية الراهنة هي أنها تأتي رد فعل موضوعي على التبعية والفساد والاستبداد وما أنتجته من قمع وفقر وأمية وتخلف وغيرها من قائمة الأزمات المتلاحقة، ولكن هل من المنطقي أن ينسى المتابع أن هناك من يحاول أن يسرق هذه الموجة الثورية؟؟؟

بعيداً عن تناول إعلام الأنظمة لهذه الحركة الشعبية العارمة، الذي وصفها بالمندسين تارة، وبالجرذان تارة، أو المخربين وغيرها من مصطلحات، يحفل به الخطاب الرسمي العربي من اتهامات بائسة تؤكد أنه خطاب ينتمي إلى تاريخ آخر، وأداة عقيمة مثل غيرها من أدوات تحاول النيل من هذا الزخم الثوري، بعيداً عن كل ذلك، وبعيداً عن التناول السطحي المبتذل لنظرية المؤامرة، لايمكن اطلاقا تجاهل الحقيقة التي تقول: إن هناك قوى دولية دخلت على خط الأزمة، وتحاول سرقة الموجة وتجييرها لا سيما وأن هذه القوى لديها مشروع تطلق عليه بعض مراكز الابحاث الغربية علناً «سايكس بيكو2» وتحاول تطبيقه في المنطقة، في إطار مشروعها العضوي بالهيمنة على كل مقدرات شعوب العالم لمصلحة الرأسمال المالي الدولي المأزوم والذي يحاول تأريض الأزمة التي تعصف به في هذه المنطقة الغنية بالثروات الاستراتيجية، إن الشعوب الثائرة اليوم أمام مهمة مزدوجة وهي مقاومة مشاريع الهيمنة الغربية الامبريالية، وتصفية الكومبرادور المحلي باعتباره إحدى استطالات تلك المشاريع وإحدى أدوات تنفيذ المشروع بحكم ترابط المصالح الطبقية، ولذلك فإن النضال من أجل الديمقراطية اليوم يجب أن يقترن بالنضال من أجل حماية السيادة الوطنية، والنضال من أجل توزيع عادل للثروة.

والمشكلة هنا هي أنه هناك من يريد وبحجة دخول الخارج على الخط التعامل بالعنف مع الحركة وقمعها وقتلها في المهد، بينما المصلحة الوطنية تتطلب عكس ذلك تماماً فمن الممكن أن توظف هذه الحركة ضد المشروع الرأسمالي الجديد القديم، لاسيما وأنها وطنية موضوعياً، وفي البنية والتكوين...

وهناك قوى أخرى بحجة استبداد الانظمة، تحاول أن تستجلب الخارج وتفتح الطريق أمامه لتسويق كل مشاريعه، وتفريغ الحركة من محتواها التقدمي إلى مستنقع الصراعات الوهمية كالطائفية وغيرها، أو إلى نسف السيادة الوطنية الأمر الذي يعني دخول الشعوب العربية في دوامة سايكس - بيكو 2 بعد أن بقيت في دوامة سايكس بيكو 1 على مدى ما يقارب القرن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:22