نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية: جان ماري لوبين: جرس إنذار في وجه السياسات الأوربية

ما بات معروفاً فقد انتهت الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسة إلى نتيجة غير متوقعة وصفها معظم أبناء فرنسا وأوروبا، وسياسيو الطرفين والمراقبين بالزلزال الكارثي، حيث  أطاح مرشح اليمين المتطرف (الجبهة الوطنية) جان ماري لوبين بالمرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان واحتل المركز الثاني في هذه الانتخابات ليتنافس في الدورة الثانية المزمعة في الخامس من الشهر الجاري على الرئاسة مع الرئيس الحالي الديغولي جاك شيراك. وحصل شيراك على 19.88% من أصوات المقترعين التي لم تتجاوز 28% في واحدة من اقل نسب الاقتراع في تاريخ الانتخابات الفرنسية، وحل لوبين ثانياً بحصوله على 16.86% وجوسبان ثالثاً بـ 16.3%، في حين حصل المرشح اليميني فرانسوا بييرو على نسبة6.7% والتروتسكية ارلييت لاغييه على 5.9% ونال مرشح الجمهوريين جان بيار شوفمان على 5.1% ومثله كان نصيب مرشح حزب الخضر نوبل مامير، بينما لم يحصل بقية المرشحين الستة عشر أي نسب تذكر، بما فيهم مرشح الحزب الشيوعي الذي حصل على 3.5%..

اتفقت آراء معظم المراقبين على أن النتائج التي خلصت إليها الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية وضعف الإقبال الشعبي عليها إنما يعود إلى سأم الشارع الفرنسي من التعايش بين سياسات اليمين الديغولي ممثلاً بشيراك واليسار الاشتراكي الديمقراطي ممثلاً بجوسبان وما نجم عنه من ضياع للحدود بين برامج وسياسات اليمين واليسار وهو الذي انسحب على خارطة الأحزاب الفرنسية بما فيها الحزب الشيوعي الفرنسي وقيادته التي انعكس كل من زيادة عدد المرشحين وحالة الإحباط الشعبي إلى حصول مرشحها على أصوات أدنى من آخر انتخابات رئاسية في عام 1995.

وفي كل الأحوال ستكون ولاية الرئيس الذي ستحدده الدورة الثانية خمس سنوات لا سبع كما كانت الحال إلى الآن وسيتولى تشكيل حكومة انتقالية بانتظار الانتخابات التشريعية في التاسع والسادس عشر من حزيران المقبل
فرنسا بعد الصدمة ومن خلال مظاهراتها الاحتجاجية على فوز لوبين والتي امتدت إلى بعض المدن الأوربية باتت تؤكد أن شيراك سيكون بحكم النتائج النهائية للانتخابات الفائز الأكبر وبأغلبية ساحقة مقابل جوسبان الذي كان الخاسر الأكبر عملياً، في حين يشكل فوز جوسبان إنذار خطر إضافي أمام أوربا وحكوماتها اليمينية أو الاشتراكية الديمقراطية على حد سواء، من أن التطرف يميناً أو يساراً سيخرج إلى الضوء نتيجة للإحباط الشعبي من فشل البرامج الوطنية في الداخل والخضوع بصيغة أو بأخرى وتحت مسميات مختلفة عند ا لمنعطفات للهيمنة الأمريكية في السياسات الخارجية..

- ليونيل جوسبان الذي أعلن أنه سيعتزل المعترك السياسي غداة الدورة الثانية، وتحت ضغط قواعده الحزبية خرج يوم الجمعة الماضي عن صمته ودعا الناخبين إلى التصويت ضد زعيم الجبهة الوطنية لوبين دون أن يدعو صراحة للتصويت لصالح شيراك من باب حفظ ماء الوجه وبرتوكولات التنافس الحزبي الانتخابي فيما يبدو.

- أما جان ماري لوبين فقد قوبل في بروكسل حيث يقع البرلمان الأوربي بمظاهرات احتجاجية عندما كان يشرح قائمة مطالبه الأوربية في حال فوزه بالانتخابات والتي تضمنت «إعادة النظر والتفاوض بخصوص كل المعاهدات الأوربية بما فيها اتفاقية ماسترخت واليورو» وذلك لأن «ماسترخت تحرم فرنسا من بند دستوري أساسي هو الاستقلال»، وهو ما يتنافى، والقول للوبين أيضاً، مع تعريف الجنرال شارل ديغول للبلد الذي يقوم مفهومه على الدولة والجيش والعملة... وهو منطق يتضح فيه نسبية الحق الذي يراد به باطل.

لوبين الذي كان يؤكد دائماً علاوة على ذلك معارضته للهجرة إلى فرنسا جدد تعهده بوضع امن فرنسا بين يديه وإعادة فرض القيود على الحدود وإلغاء اتفاقية «شنجن» التي تسمح للمواطنين والأجانب بالتنقل بحرية بين الدول الموقعة على هذه الاتفاقية وداخلها كذلك... كما أكد أيضاً أنه سيعيد الفرنك الفرنسي للتداول كعملة أساسية دون أن يلغي اليورو، وآخر ما تفتق عنه ذهنه هو إقامة مخيمات «ترانزيت» للأجانب والمهاجرين وذلك لأنه «ليس أكثر عنصرية من رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الذي يرفض استقبال المهاجرين» والقول للوبين أيضاً الذي أضاف في معرض تعليقه على اشتداد حملة المعارضة ضده أن «ليس معي سوى حليف واحد وقوي هو الشعب الفرنسي وأنا أتحدث باسم من هم غير راضين عن تطور السياسة الفرنسية ولاسيما في المجالين الاقتصادي والاجتماعي»

- رومانو برودي مفوض الاتحاد الأوربي قال من روما إن النجاح المفاجئ لزعيم الجبهة الوطنية اليميني المتطرف جان ماري لوبين في الجولة الأولى يشكل صدمة ضرورية موضحاً إنه «إذا كانت هذه النتيجة تعني أن يبدأ رؤساء الحكومات في فهم أهمية أن تكون هناك أوربا قوية.. تستحث الشباب فإنني أوافق على أن التصويت في الانتخابات الفرنسية كان صدمة ضرورية..»...
وبقي أن يفهم المعنيون في فرنسا وأوربا ذلك، ولاسيما مع الأخذ بعين الاعتبار الوزن المفترض لفرنسا أوربياً ودولياً وخصوصاً باتجاه التركيز على حفظ المصالح الفرنسية والأوربية في أكثر من بقعة في العالم ومن بينها المنطقة العربية في مقابل الهيمنة الأمريكية والتهور الإجرامي الإسرائيلي...   

معلومات إضافية

العدد رقم:
174