بيان من حزب العمل البلجيكي حول الانتخابات الفرنسيه: القادة السياسيون دمى في يد الاحتكارات
لا للص، لا للنازي إلى السلاح، أيها المواطنون
أنتجت الجمهورية كل ما هي قادرة على إنتاجه: طبقة سياسية قائدة، خاضعة تمام الخضوع لمشيئة الشركات المتعددة الجنسيات الأوربية، ومُفسَدة كلياً من قبل هذه الشركات. ففي فرنسا، «القيم السرمدية» لجمهورية الرأسمال أنتجت جولة ثانية بين الأشد جنوحاً وإجراماً، وبين أقصى اليمين الكلاسيكي. نتاجان خالصان للرأسمال، جوسبان المرفوع إلى الأوج من قبل الاشتراكية ـ الديمقراطية الأوربية، والذي طبق الشعار: «بشجاعة لنهرب»، ثم انسحب من الحياة السياسية، وباتت الطبقة السياسية البرجوازية بأسرها، في أزمة.
ولوبان، الذي حصل على نتيجة من ثلاث نقاط يوم الأحد: إحجام كثيف عن التصويت من قبل الناخبين الفرنسيين، وهزيمة تاريخية للحزب الشيوعي، وهبّة على المستوى القومي. وأُعلن على الفور، بأن المظاهرات العفوية للشبيبة الفرنسية كانت ضد الديمقراطية ومن دون انتظار فوز لوبان، وضع بوليس الجمهورية موضع التطبيق قيمه الأزلية مستخدماً الغازات المسيلة للدموع ضد جيل الشبيبة.
وبنسبة 3.5% التي حصل عليها الحزب الشيوعي، فقد تلقى هذا الحزب الجزاء الذي يستحقه من العمال، لمشاركته في السلطة، وللحرب في يوغسلافيا، وفي أفغانستان وللخصخصة، وباختصار للتنكر الكلي للمثل الشيوعية.
في اليوم الذي سبق الانتخابات حلل أحد علماء السياسة الفرنسيين بجلاء، نفور الفرنسيين من الحملة الانتخابية فقال: بأن الناخبين لم يروا فرقاً بين برنامج شيراك وبرنامج جوسبان، وأضاف: وعلى أي حال فإن هذه الفروق ستكون ضيقة جداً، بسبب هيمنة الشركات المتعددة الجنسيات.
والمعضلة ذاتها ستنطرح خلال الخمسة عشر يوماً المقبلة على الناخبين الفرنسيين: ما الفرق، في الواقع، بين شيراك الذي انتخب رئيساً عام 1995 ببرنامج اقتصاد السوق، وبديماغوجية اجتماعية لا سابق لها، وبوعد بترسيخ زعامة فرنسا في أوربا، وفي العالم، وبين البرنامج الحالي للوبان الذي يدّعي: «اجتماعياً في اليسار، واقتصادياً في اليمين، ووطنياً في فرنسا»؟
وفي أوروبا، في إيطاليا وفي النمسا وفي هولندا وفي بلجيكا يزداد التنافس أكثر فأكثر على السلطة بين الأحزاب البرجوازية الكلاسيكية وبين اليمين المتطرف ويغدو أصعب في كل يوم إجراء حساب للفروق بين برنامج الأحزاب البرجوازية التقليدية وممارستها وبين برامج اليمين المتطرف.
إن طبقة السياسيين القادة في أوربا في كافة تياراتهم المختلطة، عبارة عن دمى في يد الشركات المتعددة الجنسيات الأوربية فهذه الشركات تطالب منذ ثلاثين سنة بسوق واحدة، وبسياسة خارجية واحدة، وبعملة واحدة. وكل ذلك من أجل منافسة ــ وبالقوة إذا لزم الأمرــ الشركات الأمريكية واليابانية المتعددة الجنسيات على السوق العالمية. وبسبب الخضوع لأوامر هذه الشركات عمدت الأحزاب الليبرالية، والاشتراكية والمسيحية وأحزاب البيئة والأحزاب المرتدة عن الشيوعية التي شاركت في السلطة، عمدت جميعها إلى إجراء عمليات الخصخصة، وتقليص الميزانيات الاجتماعية والتربوية والثقافية وقمع السكان المهاجرين، والاشتراك في الحروب الإمبريالية.
لقد خصخصت حكومة جوسبان أكثر بثلاث مرات من حكومة جوبيه ولم تتردد، لحظة واحدة في الانخراط بالحرب إلى جانب بوش، وقد استجابت سائر الطبقة السياسية القائدة في أوربا، بأسرع من البرق لأوامر الاشتراك في حرب الولايات المتحدة، ودعمت بوش دون أن يرف لها جفن في مطاردته المزعومة للإرهاب وكل ذلك لأن الاتحاد الأوربي لا ينوي ترك الولايات المتحدة لتصبح وحدها سيدة العالم، كما أنه يستفيد من كل حرب، ومن كل أزمة كي يقدّم بيادقه ويقوي اندماج بوليسه وجيوشه ويدأب جميع السياسيين البرجوازيين على تقديم الولايات المتحدة بوصفها جمهورية ديمقراطية عظيمة، في حين أن العالم لم يشهد قط حالة بلغت فيها النزعة الفاشية والعسكرة هذا المدى الذي بلغته في الولايات المتحدة.
بالنسبة إلى القيم الأزلية للجمهورية الفرنسية التي تحيق بها الأخطار اليوم، دعوني أضحك قليلاً: فما كاد الشعب الفرنسي يطيح بالملوك عام 1789 حتى صوّتت البرجوازية على قانون الشابلييه (أصحاب القبعات) لمنعهم من تنظيم أنفسهم، ونفّذت برجوازية تيير مجرزة بكومونة باريس عام 1871. واغتالت الجمهورية الأزلية، جوريس عام 1914، كي تنخرط بحبور شديد في الحرب العالمية الأولى، وتوسّع من خلالها، مستعمراتها. أما جمهورية بيتان فهي التي ربّت ميتران وعلّمته، وسجنت الشيوعيين في أعوام 1940-1945، في الواقع الذي كان فيه الحزب الشيوعي الفرنسي لايزال يحمل اللقب المجيد «حزب شهداء البنادق الألمانية» وابتدعت الجمهورية الفرنسية أساليب قتل وتعذيب المناضلين الوطنيين الجزائريين وأدخلت أعشاش النمل في أحشاء المقاومة الفيتنامية، وقامت بما هو أسوأ من ذلك، ولكنني سأكتفي بذلك.
يهبّ سائر القادة السياسييين الأوربيين اليوم لنجدة شيراك، وهو شخص يستحق السجن، لو لم يكن رئيساً للجمهورية، وبمثل هذا البرنامج الذي يقدمه شيراك فإن اشمئزاز العمال من السياسيين البرجوازيين ما ينفك يتعاظم، وهذا شيء جيد للغاية. أما الشيوعيون الحقيقيون في أوربا فأمامهم عمل كبير ليقوموا به. ينبغي أن يستعيدوا من اليمين المتطرف، العمال، ويبيّنوا لهم بأن حقدهم المبرّر على الرأسمالية لن يجد حلاً في الفاشية ويبينوا للتقدميين، وللشبيبة بأن معاداة الفاشية التي لا تكون مترافقة بمعاداة حازمة للرأسمالية تهدد بوضع مصير الشعب بين يدي شيراك أو جوسبان.
إن إعادة بناء حركة شيوعية حقيقية ثورية ومعادية للإمبريالية وأممية في أوربا هي المهمة الأكثر إلحاحاً ذلك أن الشيوعيين هم الذين سيقودون المعركة ضد الطبقة السياسية القائدة بكاملها، والتي باعت نفسها للرأسمال منذ زمن طويل، المعركة التي تطيح بالنظام الذي يرشح من كل مسامه الخطر واللاأمن، الذي يولّد الفقر والحروب.
أخيراً، فإن السمة الجمهورية التي يمكن أن تلهم برؤية ما للمستقبل، لا تزال هي بداية النشيد الوطني الفرنسي: «إلى السلاح، أيها المواطنون، خوضوا معارككم». ففي القرن الواحد والعشرين، حان الوقت بالنسبة إلى كل عمال القارة بأن يتخلصوا من الجمهوريات الملكية ومن الملكيات الجمهورية، من كل صنف ونوع وليشيدوا سلطة حقيقية للعمال.
نادين روزا روسو
الأمين العام لحزب العمل البلجيكي
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 174