المقاومة باقية والصفقات المشبوهة إلى زوال!

جاءت العملية الاستشهادية في «صالة القمار»، جنوب تل أبيب، لتؤكد من جديد على أنه، لا أمن ولا أمان للتجمع الاستيطاني الصهيوني إلا بزوال الاحتلال، كما أن العملية جاءت رداً على سياسة التخاذل والاستسلام أمام الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية، وأمام التواطؤ الرسمي العربي.

وكان هذا الرد أشبه بالساعة الموقوتة، حيث كان بوش يجري محادثات مع المجرم شارون، وفي اليوم ذاته الذي انكشفت فيه تفصيلات صفقة السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، بخصوص فك الحصار عن كنيسة المهد في بيت لحم، والتي تقضي بإبعاد 13 مناضلاً فلسطينياً إلى خارج الوطن، ونقل 26 آخرين إلى غزة، وإطلاق 84  آخرين بعد التحقيق الأولي معهم، قبل عودتهم إلى بيوتهم في بيت لحم.
وقد أرغمت العملية الاستشهادية شارون على قطع زيارته لواشنطن والعودة بسرعة إلى تل أبيب للإعداد لعدوان جديد على غزة.

صفقة بإشراف أمريكي ـ بريطاني

لقد بدأ العمل بالصفقة منذ زيارة كولن باول لمقر عرفات في رام الله، وتولى الجنرال أنطوني زيني وخبراء أمن بريطانيين متابعة المفاوضات مع عرفات ومستشاريه بمن فيهم العقيد دحلان، كما تبلورت الخطوط العامة للصفقة بعد زيارة الأمير عبد الله لواشنطن، وقد تمخضت المفاوضات السرية عن الإجراءات التالية:

1.  قامت السلطة بمحاكمة سريعة ميدانية عسكرية لأربعة مناضلين فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذين تمكنوا من قتل الوزير الصهيوني ـ العنصري رحبعام زئيفي صاحب نظرية «الترانسفير» أي تهجير الشعب الفلسطيني كلياً من أرضه.
2. تمديد اعتقال المناضل الفلسطيني، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعادات والعميد الشوبكي المتهم بتمويل ما يسمى بسفينة الأسلحة.
3. قبول السلطة الفلسطينية فيما بعد بتسليم السجناء الأربعة «المحكومين» والمناضل أحمد سعادات والعميد الشوبكي إلى الوصاية الأمريكية البريطانية والإشراف عليهم في سجن (غوانتانامو) جديد في أريحا. وهي سابقة خطيرة لم يجرؤ عليها احد من قبل في كل تاريخ النضال الفلسطيني.
4. تراجعت السلطة عن موقفها السابق بشأن رفع الحصار عن كنيسة المهد، وفتحت قناة تفاوض سرية بموازاة الوفد الفلسطيني الرسمي الذي استقال فيما بعد احتجاجاً على تراجع السلطة وقبولها للإملاءات الإسرائيلية ـ الأمريكية وقبلت السلطة ليس فقط تقديم قائمة بأسماء المحاصرين في الكنيسة، بل على ترحيل 13 مناضلاً معظمهم من حركة فتح إلى بلدان أوروبية دون أية ضمانات لعودتهم لاحقاً للوطن.
5. إعلان السيد ياسر عرفات إدانته للعمليات الاستشهادية ضد العدو واعتبرها إرهاباً دون أي مطالبة لابانسحاب القوات الغازية من المدن والقرى الفلسطينية ولا متابعة التحقيق الدولي بالجرائم التي اقترفتها القوات الصهيونية في مخيم جنين ونابلس وطولكرم وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية.
6. بدأت السلطة الفلسطينية حملة اعتقالات لمناضلي حماس والجهاد الإسلامي مع تهديد كوادر حركة فتح إذا هي تابعت تعاونها مع لجان المقاومة  الشعبية عن الأرض لمواجهة العدوان الصهيوني.
7. لقد جاء في بيان عرفات الذي ندد فيه بالعملية الاستشهادية، قبولاً ضمنياً بما أعلنه الإرهابي بوش حول إرسال مدير المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينت إلى الأراضي الفلسطينية ليشرف على إعادة تشكيل جهاز الأمن الفلسطيني بما يضمن عدم التماثل بينه وبين فصائل المقاومة الفلسطينية في المناطق المحتلة.


رفض الصفقة
كي لا تذهب دماء الشهداء سدى وكي لا يذهب الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني بوجه العدوان أدراج الرياح، وكيلا تتوقف المقاومة الشاملة ضد الاحتلال حتى عودة الحقوق كاملة، أجمعت كل الفصائل الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى على تعميق الوحدة الوطنية الفلسطينية ورفض كل إجراءات الإبعاد والنفي والتشريد الفردية والجماعية لأبناء الشعب الفلسطيني المخالفة للقوانين والأعراف الدولية والتمسك بحق العودة الذي  يأتي في مقدمة الحقوق التي لا تتجزأ للشعب الفلسطيني.
وقال د. حاتم عبد القادر عضو القيادة العليا لحركة فتح:
إن «الاتفاق غير مقبول لأنه يعد تنازلاً في قضية استراتيجية ـ مصيرية وهي حق العودة وحق الفلسطينيين في البقاء في وطنهم، الاتفاق حول كنيسة المهد يشرِّع الإبعاد بعد سابقة الخضوع للوصاية الأمريكية ـ البريطانية على سجن المناضلين الفلسطينيين على الأرض الفلسطينية».
وقال د. علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت:
« لايمكن القبول بصفقة كنيسة المهد لأنها تقر سياسة الإبعاد ومحاكمة النضال الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال، الذي كفلته القوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان»
أما عيسى قراقع رئيس نادي الأسير الفلسطيني فقال:
«إن القبول بسياسة إبعاد المناضلين والخضوع للإملاءات الأمريكية ـ الإسرائيلية سابقة خطيرة وكارثة أشد من الموت والقتل أو الاعتقال».

الاستشهاد ليس إرهاباً
نحن لانعتب إذا كان الغرب الرأسمالي لا يفهم معاني وثقافة الاستشهاد من أجل الوطن. ولكن الخطورة أن تظهر أقلام عربية أو مسؤولون عرب كبار يتنكرون لمعاني وقدسية الشهادة ضد المحتلين والغزاة.. إن التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني لم يترك للمناضلين العرب سبيلاً آخر غير مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية بالأجساد والتمسك بالأرض وحتى فرض الحصول على مكان قبر فيها ريثما يأتي الانتصار وهو لابد آت.
ومهما فعلوا ومهما ادانوا ليست هناك من قوة قادرة على وقف العمليات الاستشهادية إلا بعد زوال الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

جدوى الدعوة للمفاوضات!
إن دعوة  الولايات المتحدة لعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط لن يكتب لها النجاح، إذا لم تؤد إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة إلى حدود 4 حزيران عام 1967 وقد شدد الرئيس الأسد عند استقبال عضو الكونغرس الأمريكي ورئيس مركز الشرق الأوسط للسلام والتعاون الاقتصادي واين أوينز بأن السلام في الشرق الأوسط يجب أن يستند إلى مبادئ مؤتمر مدريد وتطبيق قرارات الأمم المتحدة. وتساءل عن جدوى الدعوات إلى المفاوضات وقال: على ماذا نفاوض، وماذا يمكن أن تعطيه المفاوضات إذا لم يكن هناك منهج واضح، وبالتالي فإن المفاوضات المطلوبة يجب أن تكون معروفة الحدود والضوابط. وأضاف: ليس من المنطق أن يقال إن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي حكومة سلام!! في الوقت الذي تقوم فيه بقتل الآلاف من الفلسطينيين.

آفاق النضال
إذا تساءلنا: هل السلام قريب المنال! ونجيب على ذلك بالنفي، ولذا لابد من متابعة النضال بأشكاله المختلفة لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس بالاستناد إلى الأسس التالية:
1. توحيد قوى الشعب الفلسطيني الوطنية والتقدمية ضمن برنامج موحد.
2. توحيد جميع القوى الوطنية والتقدمية في كل بلد عربي لمساندة الشعب الفلسطيني وتقديم كل المساعدات له.
3. رفع النشاط الجماهيري العربي إلى مستويات أعلى للضغط على الحكام العرب لاتخاذ موقف واضح وصلب.
4. مقاطعة المصالح الأمريكية، لا البضائع فقط.
5. التوجه نحو الرأي العام العالمي من اجل مساندة الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه.
إن الشعب الفلسطيني سيظل الرقم الصعب في المعادلة، ولن يقدر أحد أن يمرر أي قضية لا تتوافق مع قناعته وحقوقه، وهاهو يقدم لنا الأدلة كل يوم مع أنه يلملم ضحاياه ويضمد جراحاته.
لقد أثبت التاريخ أن أي احتلال لن يزول دون مقاومة وشهداء، وإن الدم الفلسطيني والعربي أغلى بكثير من دم المحتل مهما كان هذا المحتل قوياً ومدعماً ممن وراء المحيط، حينها سيكون هو القاضي الذي سيحاكم من حاكَمَ مناضلاً من المناضلين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
175